القاهرة- دار الإعلام العربية
عبر المواقع الاجتماعية على الانترنت، تكثر الشكوى من بعض الزوجات لأوضاعهن وأحوالهن وما يشعرن به من الوحدة والفراغ العاطفي دون الانتباه من الزوج الذي تفرض عليه أعباء الحياة أن يقضى يومه كله في العمل للوفاء بمتطلبات أسرته، في الوقت الذي يحذر فيه علماء النفس والاجتماع من أن الفراغ العاطفي يعد سببا مباشرا في ازدياد نسب الطلاق في مصر والعالم العربي، مؤكدين أن هناك شبه إجماع على أن أكثر من 80% من مشاكل الطلاق سببها الأساسي عدم توافق الشريكين ومنه تغادر المشاعر بينهما إلى غير رجعة.
ويؤكد الخبراء أن النساء اللاتي يعشن في حالة من الوحدة والفراغ العاطفي هن أكثر تضررا نفسيا واجتماعيا؛ لأن هذا الإحساس يعمق من الخلافات التي من الممكن أن تحدث لأتفه الأسباب ويحول حياة الزوجين إلى جحيم، ومنها تتولد الكراهية والعند والرغبة في الانتقام من قبل الزوجات، وهذا بالتالي يقودهن إلى ارتكاب جرائم وحماقات نتيجة عدم تمتعهن بالاستقرار النفسي، كما أكدوا أن الحرمان العاطفي يقتل أي رغبة في الحوار والتفاهم بين الشريكين.
هذا ما أوضحه الباحث المصري عبد الوهاب تاج، الذي أكد أن نسبة ارتفاع الطلاق بالفعل مخيفة، خصوصا بعد ظهور قانون الخلع الذي فتح المجال أمام أغلبية النساء الراغبات في الطلاق للتخلص من أزواجهن بسرعة أكبر، وهو ما يظهر من خلال تكدس محاكم الأحوال الشخصية بآلاف قضايا الطلاق التي قد تستغرق أحيانا ما يزيد على السنوات الخمس للفصل فيها.
وأشار أنه خلال بحثه، اكتشف أن قضايا الخلافات الزوجية التي تطلب فيها غالبا الزوجة الطلاق كثيرة، ولكن أغلب تلك القضايا التي قد تتعلق بخلافات مادية أو بشأن الأبناء أو أسباب أخرى يتم التصالح فيها قبل أو بعد رفعها أمام المحكمة، ولكن القضايا التي ترتبط بالفراغ العاطفي أو الحرمان العاطفي لا حل لها غير الطلاق أو الخلع؛ لأنها لا تستند إلى المشاعر التي تظل غائبة مرة واحدة ولا تعود بل تستند إلى كراهية تكون قد بلغت مداها.
زوجة حائرة
واحدة من هذه القضايا، بطلتها «سميرة» التي كانت تقف أمام إحدى محاكم الأسرة تنتظر جلسة في قضية قامت برفعها طلبا للطلاق، حيث تروى قصتها قائلة: زوجي غني ويملك من المال والعقارات الكثير ولكنه لا يشعر بأقرب الناس إليه، فهو يغيب عن المنزل كثيرا حيث يسافر باستمرار، ولم أجد منه يوما كلمة حلوة أو جاذبة لدرجة أنه لم يحاول يوما أن يعبر لي عن مشاعره، وإذا عبرت له عن مشاعري وحاجتي لحنانه أو كلمة حب منه ينظر إليّ باستغراب، ويقول لي «لست صغيرة على هذا الكلام».
تواصل الزوجة: لم يتغير حتى أصبحت جزءا من ديكور وإكسسوارات المنزل، ومع ذلك صبرت حتى بلغ بي الحال أن كرهته، وحزمت أمري بأنه لا يلزمني، فطلبت منه الطلاق، لم يسألني لماذا، بل اعتبر طلبي إهانة له.. هاج وهددني بالطرد من المنزل وعدم رؤية أبنائي الثلاثة نهائيا، وقال لي «أنا وفرت لك حياة الملكات والأميرات، ماذا تريدين، هل تريدين حبا ومشاعر، فهذه الأشياء ليست عندي ولا وقت لي لذلك!».
تضيف سميرة: لم أتحمل كلامه، فانتهزت فرصة سفره في اليوم التالي وخرجت من المنزل ومعي أبنائي إلى منزل والدي، ورتبت أوضاعي ورفعت قضية طلاق، وعندما علم بذلك حاول إغرائي بالمال وتسجيل أحد العقارات من أملاكه باسمي ولكني أبلغته بأنه لو أعطاني كل كنوز الدنيا فلن أقبلها، أنا أحتاج إلى حنان وكلمة حب وإحساس بالمسؤولية تجاهي أكثر من كل مال الدنيا، أنا كرهته حتى إنني لا أطيق أن أسمع اسمه أو أراه، وسأعمل كل ما في وسعي من أجل الطلاق.
الإشباع العاطفي
ويعلق د. محيي الدين الربيعي، أستاذ علم الاجتماع، أن المرأة إذا لم تجد الإشباع العاطفي لا يمكنها أن تعطي شيئا للرجل ولا لأولادها، فقد خُلقت من أجل أن يحبها زوجها وتحبه لتستمر الحياة بينهما مستقرة، وقال: إن الزوجة في أي خلاف مهما كانت درجته سواء تعلق بالمادة أو حتى الشك أو غيرهما يمكن أن يعيشا معاً تحت سقف واحد من أجل الأطفال أو من أجل المظهر الاجتماعي أو التقاليد، ولكن ليس هناك قوة في الأرض يمكن أن تجعل امرأة تعيش مع رجل لا يشبعها عاطفيا أو يشعرها بالحب والمشاعر الطيبة مهما كانت العلاقة الأسرية أو التقاليد والأعراف السائدة في أوساطهم.
الخرس العاطفي
فيما حذر الطبيب النفسي عادل عبد الفتاح من أن الخرس العاطفي أو عدم تبادل كلمات الإطراء وإبداء المشاعر الجميلة بين الطرفين خاصة تجاه المرأة قد يجعلها تعاني من حالات اكتئاب متقلبة وعصبية خطيرة، وقد يقود المرأة إلى كراهية زوجها، وتتحول العلاقة إلى تبادل الإساءات والألفاظ التي لا تليق أن يتبادلها رجل مع زوجته..
ويضيف أنه حتى لو حدث الطلاق فستكون العلاقة بين الزوجين بالغة السوء، لتبدأ مرحلة العناد الذي ينعكس سلبا على مستقبل الأبناء الذين لا دخل لهم بهذا الخلاف، والذين لابد لهم أن يتعاملوا ويلتقوا مع الطرفين، وهذا أيضا ما سيواجه بالعناد من الطرف الذي معه الأبناء.
الثقافة الزوجية
وحتى رجال الدين اهتموا بهذه القضية التي تتعلق بالفراغ العاطفي بين الزوجين والذي يجعل الزوجة كأنها قطعة من قطع الأثاث في المنزل.. حيث أكد د. عبدالمعطى بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية سابقا أن غياب الوازع الديني عن الزوج والزوجة يجعل الحياة تسير وفق قانون غير ملزم، فلابد أن يكون الزواج قائما على الرحمة والمودة.
وأوصى بيومي الأزواج بالتعامل بحب ورحمة، وإبداء مشاعر الحب والمودة بينهما، وتغيير الروتين الذي يعيشه الزوجان بالسفر أو تغيير المكان حتى ولو لساعات، وأن يتعامل الزوجان مع الأهل والمعارف والجيران والأقارب بالحب والتكافل وتبادل الزيارات حتى يرتقي الحب بين الزوجين امتدادا من حب الناس لهما وهذا يؤدي إلى ارتفاع درجة الحب بينهما.
الفراغ العاطفي بوابة الهواجس النفسية والمشاكل الأسرية
- التفاصيل