هدى منير العمر
«بعد عشرة زوجية دامت أكثر من 7 سنوات، طعنها بخنجر الخيانة، فلم تكف نفسه الأنانية تضحياتها على مدار تلك السنوات، ولم يخجله أنها أصبحت أماً لأبنائه، ولم يشبعه حبها الصادق وغرامها بـ«روميو» المزعوم أمام الناس، ذلك الرجل صاحب الثقل بشاربه وذقنه الذي يشبه به الرجال بكل صفاته الشكلية، وصاحب المكانة المرموقة التي وصل إليها في عمله، لكن حقيقة جوهرة لم يعلمها سوى زوجته المخدوعة طيلة تلك السنوات، واليوم لا تتعدى صورته السوداء أمامها كونه إنساناً خائناً مخادعاً، لم يصن العشرة وبيت الزوجية المؤتمن عليه منذ أن سلم والدها يدها ليد هذا الرجل حتى يحميها من غدر الزمان، ولو علم والدها أنه أول الغدارين لما فرط بابنته مهما كانت حسناته».
ما تلك المقدمة سوى بداية الصدمة المريرة التي تعرضت لها إحدى الزوجات اللاتي لجأن إلى مركز الاستشارات العائلية، والتي تشبه كثيراً من القصص التي تدرج تحت عنوان «الخيانة الزوجية»، بينها المستشار الأسري الدكتور حسن بن سالم البريكي، مؤكداً لـ«العرب» أنها من الآفات الاجتماعية الرئيسية التي تهدم البيوت في الوقت الحالي، معللاً ذلك بصعوبة إعادة درجة التوافق والتوازن في الحياة الزوجية بعد اكتشاف الخيانة الزوجية، والتي تحتاج إلى وقت طويل وجهد عظيم من جانب المستشار الأسري من ناحية، ومن الزوجين الراغبين في الإرشاد من ناحية أخرى.
الخيانة الزوجية: تعريفها وأرقامها
واستهل المستشار الأسري حديثه عن الخيانة الزوجية، بتعريف الظاهرة فقال «الخيانة الزوجية، ظاهرة اجتماعية سلبية تنتشر في مختلف المجتمعات الإنسانية، نتيجة لوجود خلل في العلاقة الطبيعية التي تربط بين الأزواج بسبب بعض السلبيات الداخلية أو التأثيرات الخارجية، فتؤدي إلى زعزعة نظام الأسرة وتفككه وانهياره. وهي بتعبير أخص علاقة عاطفية غير شرعية يقيمها أحد الزوجين مع طرف ثالث، ومن هنا فهي لا تقتصر على الزنا، بل إن إقامة أي علاقة عاطفية تتجاوز حدود الشرع يمكن أن تعتبر نوعاً من الخيانة، وإن كان أشدها العلاقة الجنسية. وعن إحصاءات الخيانة تابع البريكي «لا توجد إحصائية عن الخيانات الزوجية، إلا أن إحصائية عام 1994م في الولايات المتحدة تشير إلى أن حوالي %85 من النساء المتزوجات مخلصات لأزواجهن، وأن %75 من الرجال المتزوجين مخلصون لزوجاتهم. وظاهرة الخيانة الزوجية موجودة على مر التاريخ وفي كل المجتمعات، غير أن الفارق بين ما كانت عليه قديما وما هي عليه في المدنية الحديثة يكمن في نسبة حدوثها وانتشارها ونظرة المجتمع لها، وهو ما يمكن أن نقول عنه إنه مخيف جدا، حيث إن مسائل الخيانة أصبحت تطرح وينظر إليها بالتقليل من حجمها وأثرها، وقد تعتبر نوعاً من الحرية الشخصية، بل وتقبل بعض المجتمعات المعاصرة خاصة في الغرب أن تكون هناك علاقات بشكل أو آخر مع غير الأزواج أو الزوجات ما داما متفاهمين على ذلك راضيين به».
أسباب الخيانة الزوجية
«في الغالب فإن الخيانة الزوجية إذا حصلت تكون نتيجة تراكم عدة أسباب وليس لسبب واحد منفرد، لكن معظم الخيانات الزوجية تحدث عندما تصبح العشرة باهتة باردة وروتينية» كما يقول د. حسن البريكي، وحينها قد تصبح الخيانة واردة لا سيما مع الأسباب التالية: «ضعف الوازع الديني والأخلاقي، إذ إن الإنسان مهما كان يعاني من مشكلات، فمما لا شك فيه أن الوازع الديني له دور كبير في الوقاية من الوقوع فيما يغضب الله، وبالتالي فإن ضعف التربية الدينية والأخلاقية في الصغر، والتنشئة الاجتماعية السيئة للأبناء والبنات على حد سواء من الأسباب الأولى، ثانياً: اضطراب الشخصية والعقد النفسية، أو وجود الشذوذ ، أو تعاطي المسكرات والمخدرات، ثالثاً الشعور بأن الطرف الآخر ليس على المستوى المطلوب من الجمال، وإذا ما نفر الزوج عن زوجته أو نفرت الزوجة عن زوجها فعندها يتم البحث عن المتعة في الحرام».
ومن أسباب انتشار الخيانة كذلك: «الاختلاط بين الرجال والنساء في مختلف المجالات يؤدي بالرجل إلى التعرف على نساء كثيرات، وبالتالي يمكن أن يكون بيئة خصبة للخيانة الزوجية، خاصة في البيئات غير المتدينة، والأمر نفسه يمكن أن ينطبق على المرأة، بالإضافة إلى غياب أحد الزوجين عن المنزل لفترات طويلة، وهذا ما دعا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يسأل ابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها عن الفترة التي يمكن للمرأة أن تصبر فيها عن زوجها، ثم أصدر أمره بأن لا يغيب الرجل عن زوجته في الجهاد أكثر من ثلاثة أشهر دفعاً للمفسدة المتوقعة من غيابه».
ويلفت البريكي إلى أن الانتقام قد يكون سبباً أيضاً من أسباب الخيانة، ويوضح «أن يكتشف أحد الزوجين أن شريكه يخونه، فيلجأ للخيانة انتقاما. ومن ناحية أخرى عدم وجود التوافق بين الزوجين سواء كان في الجانب الثقافي والفكري أو الجانب التعليمي أو الجانب العاطفي أو في غير ذلك سبب أيضاً، إلى جانب التقليد والمحاكاة للأصحاب والأصدقاء من خلال الحكايات الغريبة والمغامرات العجيبة والأساطير التي يتبناها المغامرون من الأصحاب في هذا المجال، وبالتالي الرغبة في الإقدام والدخول إلى ذلك العالم ولو من باب التجربة، لإثبات الذات وإشباع الرغبة، والبعد عن التهكم والسخرية والاتهام بالرجعية والتخلف من قبل أولئك الأصحاب. ويلعب أيضاً إدمان مشاهدة أفلام الحب والغرام والهيام وقصص الخيانة في وسائل الإعلام المختلفة -خصوصاً المرئي منها- دوراً في انتشارها» إلى جانب أسباب كثيرة أخرى كالفراغ العاطفي، نتيجة للتربية القاسية في الصغر وفقدان العطف والحب والحنان من قبل الوالدين؛ مما يدفع للبحث عن السعادة المزيفة في أحضان أناس آخرين وهميين ، -كما يقول البريكي- إلى جانب «حب التغيير لدى البعض والملل من العيش مع شخص واحد، وهذا في الحقيقة يعتبر مرضاً نفسياً خطيراً وأسبابه كثيرة تبدأ من الطفولة وتستمر ربما إلى الشيخوخة، وتجعل الفرد يعيش حياة رخيصة إلى أن يموت والعياذ بالله، فتجده يعمل هذا الأمر ويقدم عليه دون أن يدري لماذا يفعل، والبعض لديه الرغبة في الحصول على ما في أيدي الغير، فهم يتعاملون في حياتهم بمبدأ كل ممنوع مرغوب، ولهذا فهؤلاء البشر دائماً ما يلجؤون إلى هذه الصفة الممقوتة تلبية لنداء غرائزهم الشهوانية ورغباتهم النفسية».
آثار الخيانة الزوجية
ويحذر المستشار الأسري من آثار الخيانة المدمرة للحياة الزوجية، مؤكداً أنها سبب رئيسي إلى حدوث التفكك والانهيار الأسري، وفي الغالب حدوث الطلاق إذا اكتشف الطرف الآخر الخيانة، وقد تتطور المشكلة إلى ارتكاب القتل، وبالذات إذا كانت الزوجة هي الخائنة، فقد يقتلها زوجها إذا اكتشف أنها تخونه، ويتابع البريكي عن تلك الانعكاسات السلبية: «فقدان الانسجام والتوافق العاطفي والنفسي بين الزوجين، ومن ثم فقدان الثقة ، والتي هي من أهم أسس نجاح العلاقة الزوجية، فضلاً عن حدوث الفوضى الأخلاقية إذا انتشرت الخيانات الزوجية في المجتمع، فتتشتت الأسر وتنشر الضغائن، لأن آثار الخيانة والتي منها الفضيحة الاجتماعية لا تقتصر على الزوجين، بل تمتد لتشمل أهالي كل طرف.
وللخيانة آثار على الجانب النفسي والصحي بحسب المستشار «فالآثار النفسية، كالقلق والاضطراب النفسي والانتحار، والشك بين الأزواج وبين الآباء وأبنائهم، وذبول أحاسيس ومشاعر الغيرة والعرض والشرف والحياء والرجولة، أما الآثار الصحية، كانتشار أمراض الهربس والسيلان والزهري والقرحة والالتهاب التناسلي والتهاب الكبد الفيروسي والتهاب مجرى البول والتهاب الحوض لدى النساء والإيدز».
الوقاية من الخيانة الزوجية
لا شك أن الوقاية خير من العلاج كما هو معلوم، فيذكر المستشار الأسري أهم العوامل المساعدة على الوقاية من الوقوع في الخيانة الزوجية ومنها: «تنمية الوازع الديني، من خلال التربية على مراقبة الله تعالى والاستحياء منه والرجوع إليه والخوف منه، وعدم التعرض للفتن المثيرة للغرائز بوسائلها المختلفة، واعتراف صاحب المشكلة بمشكلته والبحث لها عن حل بدل الإنكار أو التمادي، مما يجعل الطرف الآخر يلجأ لغيره لإشباع رغباته، بالإضافة إلى التعرف على المشكلات الزوجية في وقت مبكر والاهتمام بها ومحاولة حلها بطرق إيجابية، من خلال المؤسسات المختصة كمراكز الاستشارات العائلية، وقبل كل ذلك لا بد من حسن الاختيار عند الزواج، باختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح، وعدم تغليب الجوانب المادية».
دور مركز الاستشارات العائلية
يلفت المستشار الأسري الدكتور حسن البريكي إلى أن إعادة درجة التوافق والتوازن في الحياة الزوجية بعد اكتشاف الخيانة الزوجية يعد أحد الأمور الصعبة، والتي تحتاج إلى وقت طويل وجهد عظيم من جانب المستشار الأسري من جهة، ومن الزوجين الراغبين في الإرشاد من جهة أخرى، ويتضح هنا دور المركز من خلال الدور الذي يقوم به المستشار الأسري والمتمثل في الآتي: «الثناء على عقل المسترشد الذي هداه إلى الاستشارة، وبث الشعور بالقوة لديه، وتذكيره بما منحه الله من القوة والقدرة، وأن ذلك سيؤدي إلى السيطرة على المشكلة، وإشعاره أنه سيرجع من الاستشارة بأحد ثلاث نتائج: إما حل المشكلة، أو التخفيف منها، أو المساعدة على كيفية التعامل معها».
الخيانة الزوجية ظاهرة اجتماعية تهدم البيوت.. و«الاستشارات العائلية» يحد من انتشارها
- التفاصيل