نورة السويدي
يحظى موضوع حضانة الأطفال في حال انفصال الوالدين، بالكثير من حساسية التناول ودقة الخوض في غماره، وذلك لأنه يتعامل مع ثلاثي أركان الأسرة التي لا تقوم إلا بها؛ وهم الأب والأم والأبناء، فالتنازع نتائجه مهما كانت، فإنها مؤلمة ولا بد أن يكون فيها خاسر مهما كان الرابحون.
ودهاليز المحاكم شاهدة على فوضى القضايا التي يختصم فيها الأبوان على أبنائهما، وكل يحاول أن يأخذ من تشعبات القانون ما يناسب هواه ورغباته، والأطفال الصغار ربما يكونون آخر من تقع عليهم عين المجهر الإنساني والاجتماعي.
فقانون الأحوال الشخصية المتعلق بموضوع الحضانة، واضح من حيث المبدأ، فالبنت مثلاً ينبغي أن تلحق بأبيها حين تبلغ من العمر الثالثة عشرة، والولد بدوره يلحق بأبيه عند بلوغ التاسعة، والأمر حتى الآن بسيط ظاهريا، إلا أنه يأخذ منحى آخر عندما يصل القانون إلى فقرة ترمي بكرة اختيار الوالدين إلى القاضي، وتنص على أن الأمر يجري بهذه الكيفية «ما لم يرَ القاضي غير ذلك».
فدخول القاضي ورأيه في هذه المسألة، يفتح الباب واسعاً لتكثيف حملة المعطيات وصراع المحامين، وحشد الأدلة والشهود والقرائن التي تكفل حيازة أحد الأبوين على قناعة القاضي، وضم الأبناء له، ولو كانت الغاية التي قد ينطلق منها أحد الأبوين لذلك بعيدة عن الرغبة في حضانة الأبناء، وإنما الهروب أحياناً من ضريبة النفقة حين تكون الأم هي الكاسبة لحضانة الأبناء.
فهي معركة أسرية بمعنى الكلمة، تدور رحاها في أروقة المحاكم، وتطحن فيها في كثير من الأحيان المشاعر والأحاسيس والمعايير الإنسانية، فضلاً عن التقديرات العشوائية أحياناً، واللوعة التي تلحق الأم جراء استجداء رضى المؤسسات التي تثبت ثقتها فيها أمام عين القضاء.
وإلقاء الموضوع في ساحة المحاكم، التي تتعامل في كثير من الأحيان بمعايير جامدة وشهادات وإثباتات ورقية، يحمل في طياته إجحافاً بقاموس المشاعر الأسرية الإنسانية التي يحتاج إليها أفراد الأسرة، قبل القرائن والأدلة الجافة، على خلاف ما هو معمول به في بعض الدول المتقدمة، التي تنقل هذا الأمر إلى مؤسسات ومراكز اجتماعية متخصصة تكون مهمتها تقييم الأبوين، وتضم كوادر متخصصة تنظر إلى حالة الأب والأم بعين حيادية وإنصاف، وتبحث عن مدى أهلية الأبوين من الناحية النفسية والتربوية والصحية والاقتصادية، للوصول إلى من يصلح لحضانة وتربية الأبناء، وهذا ينسجم مع المواثيق والقوانين الدولية الضامنة لحقوق الطفل، وإشعاره بالأمان والدفء الأسري. وتضع هذه المراكز أدلتها ونتائجها بين يدي القاضي، وتبقى بعد صدور القرار تتابع وتقيم وضع الحاضن، وترفع التقارير الدورية التي تثبت أهليته للحضانة.
وللاقتراب أكثر من المعاناة اليومية في مثل هذه القضايا، نسوق حادثة أم مواطنة لم يرَ أولادها أباهم على مدى ست سنوات منذ أن وقع الطلاق، حين فوجئت به يطلب حضانة أبنائه، لا لسبب إنساني بل لإسقاط النفقة عنه، وبعد مناكفات وتعقيدات قانونية، استطاعت الأم الظفر بأبنائها بعد تعب وجهد. هذه الحادثة وأمثالها كثير نعلم ببعضها ولا يصل إلى الإعلام والرأي العام أكثرها، وهي تضعنا أمام مسؤوليتنا الأخلاقية والاجتماعية بأن نتابع بعين الحرص ما تحمله الهموم الأسرية اليومية.
وذلك عبر المبادرة ابتداءً إلى تفعيل مبدأ الإصلاح الأسري، عبر مراكز مختصة تلحق بالشؤون الاجتماعية أو هيئة تنمية المجتمع، تكون مهمتها تقريب وجهات النظر بين الأبوين قبل الوصول أساساً إلى مرحلة الطلاق، وإذا وقع الأمر تسعى هذه المراكز إلى الوصول بالأبناء إلى بر الأمان مع أحد الأبوين، ضمن معايير اجتماعية تحفظ أكبر قدر ممكن من المكاسب الاجتماعية للأبناء. ومن السبل الأخرى الواجب اتخاذها، أن تسعى المحكمة إلى استحداث لجنة تضم أكثر من عضو، يهتمون بالشؤون النفسية والتربوية والاجتماعية والمادية، كما هو الحال في المراكز المتقدمة عالمياً، ومتابعة من كسب الحضانة عن كثب بعد صدور القرار، ورفع التقارير بشكل دوري كما أسلفنا، مع ملاحظة مهمة جداً، وهي أن تكون هذه اللجنة مكونة من أبناء الدولة المواطنين العارفين بعاداتنا، القريبين من واقعنا ومعاييرنا الإنسانية التي لا تقبل الإهمال.
شيء آخر يدعم هذا التوجه الحضاري في التعامل مع مسألة حضانة الأبناء، هو اللجوء إلى الاستفادة من تجارب دول مجلس التعاون الخليجي، للوصول إلى أفضل الخطوات الكفيلة بحسم الغبن الذي يلحق بهم، والظلم الذي قد يصل إلى أحد أركان الأسرة؛ أباً أو أماً أو أبناء. وما يعزز هذا الأمر هو حشد الدراسات العلمية المنهجية المدعمة بالإحصاءات والأرقام، ودراسة أبعاد تطبيق قانون الحضانة لنقله إلى ساحة النظر الحضاري الاجتماعي الإنساني، بدل أن يكون محصوراً في جدران المحاكم وأقبية المنازعات الشخصية.
* عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
الحضانة.. معركة أسرية أم مصلحة طفل؟
- التفاصيل