سناء ثابت
الإنفصال، أو الطلاق، ليس نهاية العالم، فالكثير من النساء يُعدن محاولة الزواج للمرّة الثانية، غير أنّ الزواج الثاني يكون عادة أكثر حسّاسية وقابلية للفشل من الزواج الأوّل.
والمتهم الأوّل غالباً هو "ظلال الزواج الأوّل" وميل الإنسان بفطرته إلى تكرار الأخطاء نفسها.
- كل شيء يذكرك بالماضي:
بسبب معاناة إنفصالها عن زوجها الأوّل، والجرح العميق الذي سببه لها ذلك الفشل في الزواج الأوّل، فإنّ المرأة التي تتزوج للمرّة الثانية تحمل في داخلها أملاً كبيراً أن يكون زواجها الثاني ناجحاً. وهذا الزواج الثاني هو طريقة ايضاً لكي تصلح أي فشل وتثبت لنفسها أنها قادرة على أن تعيش السعادة الزوجية.
العقبة الأخرى، التي تواجهها المرأة عند زواجها الثاني، هي عقبة عاطفية. يقول الطبيب الأخصائي في الصحة الجنسية جيلبيرت ترجمان: "تلعب التجربة دوراً مهماً على مستوى العلاقة الحميمة بين الزوجين، وخاصة بالنسبة إلى الطرف الذي سبق له الزواج". تبعاً لهذا، يبقى شبح الزواج الأوّل يحوم حول المرأة، من خلال الذكريات التي لازالت تختزنها، وقد يزاحمها شبح الزواج الأوّل حتى في الفراش مع زوجها الثاني، ما يجعل زواجها الثاني يبدو "مزدحماً".
وهنا، تجدر الإشارة إلى أن ما يلاحق المرأة من ظلال الزواج الأوّل، ليس بالضرورة من باب المقارنة بين الزوجين الحالي والسابق. فهي في الغالب مجرّد صور وذكريات تحوم حولها بين الفينة والأخرى، وما تلبث أن تفقد وهجها وتصبح ضبابية متباعدة الظهور. قوة هذه الصور والذكريات، تعتمد على سبب الإنفصال، ومدى طيب العلاقة مع الزوج السابق وسبب الإنفصال عنه، فهذا هو ما يحدد مدى تكرر طفو الذكريات السابقة معه على السطح.
- الأطفال المخربون:
يمكن للأطفال أن يلعبوا دور "المخربين" في الزواج الثاني، كما يسميهم الدكتور روبيرت نيوبيرغر، الأخصائي في مشاكل العلاقات الزوجية. ذلك أنّ الطفل الذي أصيب بهزة عنيفة إثر إنفصال والديه، يجد نفسه أمام واقع جديد، ألا وهو والد جديد، هو في الحقيقة زوج والدته. ويحاول الطفل في كثير من الأحيان أن يؤجج الخلافات بين والدته وزوجها الجديد، ليفوز هو بمكاسب شخصية. يحدث هذا خاصة في الفترة الأولى من زواج الأُم، حيث تكون هذه الفترة حرجة جدّاً، على الأُم أن تتمتع فيها بقدر كبير من الدبلوماسية حتى تجتازها بسلام. والدليل على أنّ الأطفال يقومون غالباً بدور سلبي في الزواج الثاني للأُم، هو أنّ الإحصاءات أثبتت أنّ الزواج الثاني، مع وجود أطفال، يفشل بنسبة أكبر من الزواج الثاني لمطلقة ليس لها أطفال.
- إنتقاد الذات:
على المرأة التي تريد فعلاً أن يستمر زواجها الثاني، أن تنجح أوّلاً في التحرر من الأخطاء التي ارتكبتها خلال زواجها الأوّل، وإلا فإن الأسوأ هو ما سيصيبها في الزواج الثاني. تميل المرأة (والرجل أيضاً) إلى معالجة الخلافات الزوجية، وهو أمر لا يمكن تجنبه في أي زواج، خلال زواجها الثاني بأسلوبها السابق نفسه، حتى وإن اختلف الزوج، ما يقودها إلى الطريق المسدود نفسه. يقول بروفيسور السيكولوجيا الدكتور جون جورج لومير: إنّ "من أهم أسباب الفشل في الزواج الثاني، إهمال وقفة التأمل اللازمة بعد الطلاق الأوّل، للوصول إلى مرحلة النضج". يضيف: "نعتقد أن ما حصل من طلاق وإنفصال، هو خطأ الطرف الآخر وليس خطأنا، فلا نتوقف لمحاسبة أنفسنا ومراجعتها، بل نكتفي بتغيير الزوج بزوج آخر. وهذا خطأ". لهذا، ينصح البروفيسور "بضرورة تخصيص وقت سيكولوجي للتفكير والتمعن، وأيضاً لتوبيخ الذات ومحاسبتها. ولينجح ذلك، على المرأة أن تبقى فترة ما بلا زواج بعد إنفصالها، لتقوم فيها بمراجعة ومحاسبة نفسها والإعتراف بأخطائها. أن تبقى المطلقة فترة ما بلا زواج هو أمر مهم أيضاً، لأنّه يمكنها من أن تعيد الثقة بنفسها ومؤهلاتها الفردية وتستعيد إستقلاليتها، وتثبت لنفسها أن في إمكانها العيش مستغنية عن العلاقة الثنائية، أي الزوجية".
- أخطاء ينبغي تجنبها:
ليس هناك معايير يمكن الإعتماد عليها لمعرفة ما قد يؤول إليه الزواج الثاني، فلا مدة الحياة الزوجية، ولا الطريقة التي تم بها الطلاق الأوّل، ولا سن الزوجين، ولا حتى عدد الأطفال. ما ينبغي الإنتباه إليه والإعتماد عليه، هو مدة الخبرة التي اكتسبها الطرفان المنفصلان من تجربتهما. وحسب البروفيسور لومير، فإن نجاح الزواج الثاني يعتمد على "المفهوم" الذي يعطيه المرء لمعنى "الإتحاد" في الزواج، أي أن تشكل الزوجة والزوج كياناً واحداً متحداً، لِما فيه مصلحة الأسرة ككل، بعيداً عن الأنانية والمصالح الشخصية. غير أن هناك أخطاء قاتلة، على مَنْ ترغب في أن ينجح زواجها الثاني أن تتجنبها. نذكر منها:
- التردد في العطاء:
من المؤسف أنّ الكثير من الأزواج والزوجات الذين فشلوا في زواج سابق، يبدأون زواجاً جديداً وهم متسلحون بالشك، عملاً بالمثل القائل "من لدغته الحية يخشى الحبل"، وهو الأمر الذي يجعلهم مترددين في العطاء، ينتظرون ما سيقدمه الآخر قبل ان يقدموا له أي شيء. يقول الأخصائي في مشاكل العلاقات الزوجية الدكتور نيوبيرغر: "بعض الأزواج الذين فشلوا في زواج سابق، يحتفظ كل واحد بما يخصه، أمواله وحاجاته لنفسه، بل يحرص بعضهم على إعطاء أقل ما يمكن حتى من مشاعرهم وعواطفهم". وهذا سلوك خاطئ ينبغي على المرأة التي دخلت تجربة زواج ثانية أن تتجنبه، وأن تعطي زوجها الثاني الفرصة كاملة ليكون مخلصاً لها، فلا تأخذه بجريرة سابقه.
- إعتراف المجتمع:
يحصل في أغلب الثقافات أنّ المجتمع يعترف بشرعية الزوج الأوّل حتى بعد الطلاق، فتسمع المرأة التي تزوجت ثانية كلاماً من قبيل "كيف حال زوجك؟ بدلاً من: كيف حال والد أبنائك؟". لهذا ينبغي على مَنْ تريد أن ينجح زواجها الثاني أن تخلق لنفسها محيطاً من الأشخاص المتفهمين، والذين هم على درجة من الوعي، ويعترفون بشرعية وواقعية زواجها الثاني ويتناسون الأوّل.
- غياب الرؤية:
يقول البروفيسور لومير: "رأيت عدداً من السيدات اللواتي يفشل زواجهنّ الثاني، بمجرّد ما يكف الزوج الأوّل عن ملاحقتهنّ واضطهادهنّ. إذن، هنا الزوجة وزوجها الثاني يكونان زوجين جيِّدين ويشكلان جبهة ضد الزوج الأوّل، لكن بمجرّد أن يختفي الزوج الأوّل كعدو، أو يحدث صلح معه يظهر الفراغ، ولا تعرف المرأة ماذا تفعل بحرِّيتها، لأنّها لا تملك رؤية ولا مشروعاً للمرحلة التالية من عمرها، ولا لزواجها الثاني". لهذا ينبغي أن يكون للزواج الثاني هدف ومشروع ورؤية حتى يكون له معنى.
- الحضور الطاغي للزوج السابق:
أحياناً، تطلق المرأة من زوجها الأوّل، لكن علاقتهما ببعض تبقى طيبة، وتجدها تجري إليه لتحدثه عن أي مشكلة تحصل لها مع زوجها الثاني، كبيرة كانت أم صغيرة. صحيح أنّ الإنفصال بالتي هي أحسن، أمر محبب ومطلوب، إلا أنّه على المرأة أن تحافظ على قدر ما من الخصوصية لزواجها الحالي، بعيداً عن تدخل زوجها السابق، ويفضل ألا يصبح الزوج السابق صديقاً مقرباً للمرأة بعد زواجها الثاني.
كيف تحمين زواجكِ الثاني من الفشل؟
- التفاصيل