- د. مجدي عرفة: التعليم في الصغر كالنقش في الحجر، فالطفل في مراحله الأولى تكون لديه مجموعة من السمات التي تؤهله لاستقبال كل سلوك إيجابي والعمل به
- د. محمد الصغير: الإسلام أرسي دعائم القدوة عقديًا وعمليًا، فالشريعة الإسلامية نبهت إلى أن نشأة الأطفال في أسر متوازنة مستقرة من أهم عوامل التربية السليمة
القاهرة- ش
ماتزال الأديان السماوية بل والأعراف والتقاليد تؤكد علي الدور الذي تلعبه القدوة في مجال التربية والتنشئة الاجتماعية الصحيحة للأبناء والأسرة وأنها المعين الأول، الذي يشكل معالم شخصية الأبناء؛ إذ إنها تغرس في نفوسهم القيم الدينية والأخلاقية التي يحكم بها علي الأمور، الأمر الذي اتضح معه جليًا خطورة الدور الأسري الذي يقتضي وجود نموذج يقتدي به الابن فعليًا وليس قوليًا.. التقينا عددًا من علماء الدين والاجتماع؛ للوقوف علي مدي الخطر الذي يتهدد المجتمع نتيجة افتقاد القدوة النموذجية داخل بعض الأسر.
فيقول أستاذ علم النفس بطب قصر العينى د. مجدى عرفة : تمثل القدوة أفضل وسيلة يستطيع الأبناء من خلالها تعلم السلوك الإيجابي، وقد أثبتت الدراسات والأبحاث أنه علي الأباء تعليم الأبناء بطريقة إيجابية تبتعد عن النصح والارشاد، بل تقوم في المقام الأول علي تقديم القدوة والصورة المثلي للأبناء من خلال الالتزام في الأفعال والسلوكيات؛ فالطفل في مراحله الأولي تكون لديه مجموعة من السمات التي تؤهله لاستقبال كل سلوك إيجابي والعمل به، فيشب علي الطاعة وتقبل الرأي الآخر وكيفي التعامل مع الآخرين.
ويضيف: ولا تقتصر عملية تعليم السلوكيات والأخلاق للأبناء علي الأسرة، بل إن المناهج الدراسية يجب أن تنمي ذلك داخل الطفل، والقرآن، والسنة النبوية.. فالحياة العامة زاخرة بقصص التضحية والعطاء والبر والأمانة؛ فالقصة أسرع وسيلة ننقل بها ما نريد إلي عقل الطفل، وكذلك يجب علي وسائل الإعلام أن تدعم هذه السلوكيات.
وألمح د. سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي بطب قصر العيني، إلي أن الطفل في مرحلة الطفولة دائما ما يقوم بعقد مقارنة بين ما يقال له، وما يراه عيانًا؛ وإذا لاحظ وجود تناقض بين ما يقال له وما يفعل فإنه يصاب بحالة من الاضطراب النفسي والتمزق، فيفقد علي أثر ذلك القدرة علي التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ.. وأضاف: فعلي الوالدين مراعاة اتفاق أقوالهما مع أفالهما خاصة في هذا العصر، الذي يتسم فيه الطفل بنسبة ذكاء عالية، تمكنه من الملاحظة الدقيقة وعقد مقارنة بين مدي التطابق بين الأفعال والأقوال التي يعايشها؛ ثم يقوم من خلال النتائج التي يصل إليها بعمل نموذج خاص به للمثل والأخلاقيات التي سوف يتلزم بها في حياته.
د. يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي بالقصر العيني؛ أشار إلي ضرورة وضع الآباء حدًا فاصلًا للقيم؛ فالكذب هو الكذب، ولا توجد له درجات أو مبررات، كما أن الأمانة أمر لا بديل عنه تحت أية ظرف أو ضغط، مع ضرورة توضيح أهمية التزام الإنسان بالسلوك الحسن الطيب، إذن فالوالدان عليهما أن يحرصا علي تقديم القدوة الحسنة لطفلهما فلا يصح أن ينهيا أبناءهما عن سلوك ويرتكباه هما.
رأي الدين وفيما يتعلق بالجانب الشرعي، ورؤية الدين لمبدأ القدو وآثارها، يقول عضو هيئة علماء الجمعية الشرعيةد. محمد الصغير : نظرًا لأهمية التربية السليمة للأبناء، فإن الإسلام لم يترك تنظيم التربية للناس؛ يصوغونها كيفما شاءوا، بل أرسي لها دعائم ومرتكزات عقائدية وعملية؛ فالشريعة الإسلامية نبهت إلي أن نشأة الأطفال في أسر متوازنة مستقرة من أهم عوامل التربية السليمة؛ ويتأتي هذا من تطابق القول والفعل، وتوافق إرشاد الوالدين لأبنائهما مع السلوك الذي يقومان به.. فليس من المعقول أن يتفوها بالألفاظ القبيحة وينهيا أبناءهما عنها، فهذا محرم شرعًا؛ والدليل علي ذلك قوله تعالي: (لِمَ تَقُوْلُوْنَ مَا لَا تَفْعَلُوْنَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُوْلُوا مَا لَا تَفْعَلُوْنَ)، ولرب الأسرة أهمية بالغة في حياة أسرته فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته، فالرجل في بيته راع ومسئول عن رعيته"، وقد صوره الإسلام وموقعه من أسرته أحكم تصوير، والحقيقة أن قوامة الرجل في بيته وتربية الأم لأبنائها يجب أن يتحقق فيها معني القدوة التي يجب أن تقوم علي الصدق والأمانة والمثابرة والمتابعة.
ويقول عضو هيئة كبار علماء الجمعية الشرعية أحمد هليل : إن الطفل ينمو في ظل الأسرة المكونة من أب وأم يستقي منهما قيمه وأخلاقه سلوكياته، وقد أكد الرسول صلي الله عليه وسلم الوالدين علي الاهتمام بالأبناء ورعايتهم وتربيتهم علي أسس التربية الصحيحة، ووضع لذلك منهجًا؛ يبدأ منذ اللحظة الأولي للميلاد بالأذان في أذن المولود، ثم يكون علي الوالدين بعد ذلك تقديم القدوة والأسوة الحسنة له، وما إن يصل سن السابعة حتي يبدأ تعويده علي الصلاة كي ينشأ علي حبها والتعلق بها والمولي سبحانه وتعالي، ويقول تعالي: (يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُم وَأَهْلِيْكُم نَارًا)، وكل ذلك يمكن حدوثه حين تتطابق أقوال وأفعال الوالدين أمام أبنائهما، وحين يلتزما بحدود الله؛ لأن أبناءهما عندئذ سيلتزمون مثلهما، ولقد حث رسول الله صلي الله عليه وسلم علي الصدق في كل الأمور حتي وان بدت بسيطة، فهذه أمانة ومن أعظم الأمانات تربية الأبناء علي ما رسمه الله لنا في كتابه الحكيم.
علماء دين ونفس يؤكدون: القدوة داخل الأسرة.. مطلب شرعي في المقام الأول
- التفاصيل