أميمة عبدالفتاح
سمعنا ونسمع كثيرًا عن عقوق الأبناء للآباء وقليلاً ما نسمع عن عقوق الآباء لأبنائه؛ وذلك لانشغالنا بالواجبات ونسيانًا للحقوق، فلو أنّا أدَّينا الواجبات أُدِّيَت إلينا الحقوق .. فكيف ذلك؟
إنّ على كل أب وأمٍّ - قبل أن يشكو عقوق ولده له - أن يراجع نفسه هل يمارس العقوق تجاه ولده أم لا؟، فكله سلف ودَيْن!.
والمقصود: إذا أراد الأب أن يرى من ولده بِرًّا به وطاعة له، فليكن هو بارًّا بولده أولاً.. ولا يعني كلامنا أننا نصرِّح للأبناء بالعقوق.
ومقالتي هذه رسالة من الأبناء إلى الآباء: يتساءل كل ابن: يا أبتِ لِمَ عققتني؟!، وغرضنا تصويب الأخطاء وتعديل السلوكيات؛ حرصًا على مجتمع نظيف طاهر متعاطف متعاون وعامل وجادّ، ومجتمع منتج لجيل قام على الإسلام النظيف.
لقد نبع هذا العنوان (آباء على هاوية العقوق) من رؤيتي لكثير من الآباء يقعون في صور تدعو أبناءهم إلى العقوق، وفي ذات الوقت تسبب للآباء خطرا داهما يجب الحذر منه، ومن بين تلك الصور التي تقرب إلى العقوق، ما يأتي:
أولاً: إساءة اختيار أم الأبناء إنّ من أهم ما يبرّ به الأب ولده أن يختار له أمًّا صالحة؛ لأنها أكثر من تؤثر في ولدها، الذي يعيش معها فترة طويلة في البيت.. وأهمية الاختيار نابعة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم". (رواه ابن ماجه من حديث عائشة)
فأول طريق البرّ بالأبناء – أيها الآباء - أن تختاروا الزوجات الصالحات وذوات الدين، وتخيروا لنطفكم فإن العرق دساس.
ثانيًا: إساءة تربية الزوجة (أم الأبناء)
إنه كما قلنا بأن العرق دساس، فإن الخُلُق – كذلك - دسَّاس، والطبع بالتطبع، ويعتقد بعض الأزواج أن تربيته لا تكون إلا لولده، والأصل أن تربية الولد تبدأ من تربية النفس والذات ثم تربية الزوجة. ولتعلم أن ولدك الجنين في بطن أمه سيخرج – إن شاء الله بارًّا بك وبأمه إذا أحسنت تربيتها وأعددتها إعدادًا صالحًا.
ومن الطريف أن كثيرًا من علماء الصحة النفسية وعلماء التربية يؤكدون أن المرأة الصالحة كلما كانت طائعة وصالحة كانت أكثر استقرارًا، وكلما سمعت قرآنًا وهى في حملها خرج المولود هادئ الطبع، وطَيِّب النفس، فلتُعِدّ – أيها الأب - زوجتك إعدادًا صالحًا؛ لاستقبال ولدك.
ثالثًا: إساءة اختيار اسم الابن
إنّ من أخطر نماذج عقوق الآباء لأبنائهم تسمية أبنائهم بأسماء خبيثة ولها معانٍ قبيحة، أو تسميتهم بأسماء المغنيين والمشاهير بالفسق، ولذا: فإن اختيار اسم الولد مهمّ أن يكون اسمًا حَسَنًا؛ لأنه سيُنادى به بين الناس في الدنيا وينادى به يوم القيامة؛ (فمن العقوق إذًا سوء اختيار الأم – الزوجة - وإساءة اختيار اسم الولد).
رابعًا: إهمال تربية الأبناء على الدين
كما أن الله – تعالى - أمر الأبناء بالبر بآبائهم، فقد أمر المولى - عز وجل - الآباء بحسن صلتهم بأنبائهم بإعانتهم بالتربية على طاعة ربهم ومولاهم الخالق القدير:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (طـه: 132)، ولقد وضح المبدأ سابقًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6).. فكما أنك أيها الأب تخاف على أهلك وولدك من برد الشتاء وحرِّ الصيف فلا بدّ أن تخاف عليهم من نار جهنم، فتحيط ولدك بالرعاية والكفالة والتربية والاهتمام ومتابعته مع ربه.. وهذا يتطلب منك أن تكون أنت مع ربك طيبًا ومتميزًا بطاعته سبحانه.
إنَّ حُسْن التربية وتعليم الضروريات من أمور الدين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" (رواه أبو داود).
وإن انشغال كثير من الآباء – في هذه الأيام العصيبة - عن أبنائهم يُعَدّ عقوقًا بأولادهم؛ وأتساءل إذا كان غرضه لقمة العيش فمن يأكلها والولد ضائع تائه وبعيد عن ربه.
خامسًا: هاوية العقوق، في إعانة الأبناء على المعاصي والشهوات:
نرى كثيرًا من الآباء المحترمين: لو التزم أبناؤهم وساروا مع أصحاب لهم صالحين ومتمسكين بالدين وشعائره يزداد خوفه على ولده، لدرجة أن يحارب ولده بالبعد عن الصالحين، وقد رأيت ذلك بعيني – هدى الله الجميع -.
ومن أخطر ما يحدث أيضًا أنك تجد الأب أو الأم يعاون ولده على المعصية وهو لا يدري، وأقصّ لك قصة عجيبة كل العجب: هذه فتاة في الرابعة والعشرين من عمرها أرسلت لي رسالة تقول فيها:
"أنا فتاة في 24من العمر لم أتزوج بعدُ ولم يتقدم أحد لخطبتي أبدًا، وهذه الأيام توبخني أمي وتطلب مني أن أدخل إلى الشات وأن أتعرف على رجال إذا أردت أن أتزوج وإلا فسأبقى هكذا وأنا لا أحب أن أفعل ذلك مخافة أن أشرك بالله فماذا أفعل أرجوك؟".. لا تعليق!
إذا كـــان ربُ البيتِ بالدفِ ضاربًا
فشيمـةُ أهلِ البيتِ كلهم الرقصُ
ومن صور إعانة الأبناء على الفساد:
توفير وسائل الإعلام المدمرة في البيت وخارجه للأبناء، وأكثر ما يغيظني ويشعرني بالعجز والرغبة في النصيحة والدعوة داخل البيوت والتحذير على المنبر من مثل هذا الذي يستفزني: هذا أب يجلس مع أبنائه أمام التلفاز والقنوات الفضائية ومعه أولاده ما بين ذكور وإناث، ويجلس معهم ليشاهد هذا الفيلم الخبيث ومناظره معروفة من الفواحش التي ترتكب والفسق الذي يُفْعَل.. أيها الأب إنه فيلم خليع وكله مجون وفسق أين غيرتك؟! أين أنت؟! فلنتق الله ولنخشاه.
سادسًا: إساءة فهم حقيقة الزواج والإنجاب، أو الاشمئزاز عند الرزق بمولودة أنثى
كثير من الآباء - وللأسف الشديد - ينظرون إلى إنجاب الأبناء على أنه: (عِزْوَة وسند) ويكثرون من الإنجاب – أحيانا - بهذه النية، والتي تُعد عقوقًا فوق أن نِيَّتَه بهذه الصورة جاءت على غير هدي الصالحين؛ لأنه لم يستحضر نية صالحة عند الإنجاب، وقد أخطأ الرجل أكثر حين اشمئز من أن جاء مولودة أنثى، كعادة أهل الجاهلية.. والأوْلَى أن يكون هناك فهم أكثر من ذلك.
فأصل الزواج كله قائم على ما ذكره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين قال: "إني لأكره نفسي على إتيان المرأة، رجاء أن يخرج الله من صلبي نسمة توحده وتعبده". فما أجمل أن نكون باريين بأبنائنا بهذه النية الصالحة.
سابعًا: الدعاء على الأبناء
إنّ كثيرًا من الآباء - وخاصة الأمهات - يعتقدون أن أنجح وسائل التشفي في أبنائهم إذا أغاظوهم أو أرهقوهم أن يدعوا عليهم، وذلك شيء خطير، فبدلاً من أن تسمع: "يسَّر الله حالك يا بني – فتح الله لك الأبواب المغلقة- فرَّج الله همَّك –حبَّب الله فيك خلقَه.. من هذا القبيل"، ولكن : لا : بل تُفاجأ بسماع أدعية
"ربنا يهِدَّك – ربنا ينتقم منك – ربنا يلعنك.. وهكذا".
وقفة:
بينما كنت أكتب هذه السطور  تذكرت قصة حدثت في بلد مجاورة لبلدنا، ورأيناها رأي العين: كانت هناك أم قد دعت على ولدها من غيظها وقالت له: (أشوفك متقطع أمام عيني قطع قطع – يمر عليك قطار أو عربية) والمفاجأة بعد أقل من أسبوع: تفاجأ بجثة ولدها هذا وقد دهسته وفرمته سيارة وكان قطعا قطعا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله).
إن من الدعوات المستجابة دعوة الوالد والوالدة لـ أو على أبنائهم.. وأنا أعلم أنها لم تكن تريد ذلك، لكنها رسالة من الله - تعالى - لكل هؤلاء الذين يعقون أبناءهم بالدعاء عليهم.
فلماذا لا نجعل ألسنتنا عامرة بالدعاء للأبناء من باب البرِّ بهم؟!، ولنعوِّد ألسنتنا على الأدعية الطيبة، حتى ولو كان الولد أو البنت متعبة أو أفعاله أو أفعالها تغيظ، ولنقل مثلا: (ربنا يهديك – ربنا يسامحك – ربنا يعف عنك  - ربنا يفتح قلبك للهداية – ربنا يشرح صدرك بالإيمان.. وهكذا).
ثامنا: إدخال الأبناء مؤسسات علمية منحرفة دينيا وثقافيا
فهذا الذي يُدْخِل ولده الصغير حضانة أو مدرسة أو جامعة مختلطة ولا تعلم أمور الدين، أو على الأقل تعطيه مفاتيح الخير.. فإن ذلك عقوق عظيم لأبنائنا.
فإننا كما أننا مطالبون بإطعام أبنائنا الطعام الحلال الطيب، فإننا كذلك مطالبون بإطعامهم الفكر الإسلامي الوسطي الطيب.
تاسعًا: الاستهانة بالألفاظ والمعاملات السلوكية المرذولة أمام الأبناء
الأصل أنه لا يكون هناك أفعال أو أقوال مرذولة، لكن إذا بليتم فاستتروا عن الأبناء؛ لئلا يخرج مثلَك، ومن بين ما جاءني من استشارات تتحدث عن هذه النقطة: هذا الرجل صاحب الـ 45 سنة يقول:
"منذ صغرى وأنا أرى والدي يسيء معاملة أمي من سبٍّ وشتم وإهانة وخيانة وتقدير أي امرأة غيرها، وتوبيخ على أي شيء مهما كانت تفاهته، وتحميلها مسؤولية أي تقصير أو أي خطأ أمام معارفنا، وكنت أمقت أخلاق والدي السيئة، لكنني بعد مرور ما يقارب ربع قرن على زواجي أجد نفسي نسخة مكررة من أبى، فهل هذه وراثة لا يد لي فيها؛ أم أنني كان يمكنني تجنب تلك الصفات، خاصة وأن زوجتي تصبر حتى لا يخرب البيت؟".. وصدق القائل: "وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوَّده أبوه".. ألا يعدَّ النطق بالألفاظ السيئة والتصرفات البذيئة أمام الأبناء عقوقًا، وأعظِمْ به من عقوق؟!
عاشرًا: التربية للأبناء بمبدأ الخوف والرهبة من الأب
إنّ ذلك الأب الذي يربي أبناءه بالخوف، فلا تجد منه إلا صوتًا عاليًا مرتفعًا وتسمع داخل بيته صراخًا شديدًا بين الحين والآخر – حقيقة شيء محزن للغاية - وهى طريقة سيئة في التربية.. ومن آثارها:
إخراج جيل مهزوم نفسيًا، سلبي ، انطوائي، أو عدواني– وهكذا يفسد المجتمع كله بتلك الطريقة.
وأخيرًا: هذه أسباب وغيرها كثير، يجعل الآباء على هاوية العقوق، وكان أوْلَى بالآباء أن يهتموا ببرِّ أبنائهم، لا بعقوقهم.
نسأل الله – تعالى - أن يجنبنا كآباء وأمهات وأبناء شر العقوق والعاقين، ونسأله سبحانه أن يربي لنا أبناءنا على الإسلام، وأن يكونوا نماذج مشرفة للإسلام والمسلمين.

JoomShaper