جيهان محمود
الأسرة المسلمة هي نواة المجتمع الإسلامي وكيانه وهى ركيزة تقدمه وأساس بنيانه، وبصلاح الأسرة واستقامة أفرادها يصلح المجتمع الإسلامي ككل في دنياه وفى أُخراه.
ولكي نصل إلى هذا الإصلاح والنجاح داخل الآسرة لابد لنا من منهج قويم وتخطيط سليم وقدوة حسنة، ونموذج أخلاقي نهتدي بهديه ونتبع منهجه. ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهديه هو طوق النجاة في هذه الدنيا لكل أسرة مسلمة وكيف لا وهو القائل تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا... «كتاب الله وسنتي». ومن أهم العادات التي لازمت نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم هي عادة التوبة والاستغفار. فعن أبي هريرة رضي الله عنه:
«أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ جمع الناس فقال يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة».

ويقول تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم: 8]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها». رواه مسلم. باب التوبة مفتوح لوقت محدد.

وباب التوبة مفتوح للعبد ما لم تبلغ روحه الحلقوم أو تطلع الشمس من مغربها، فعند ذلك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، فيجب علينا التوبة الفورية، ولنحذر من التسويف.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً » متفق عليه.

إذن فالتوبة لها وقت محدد بعدها يقفل هذا الباب العظيم الذي يعتبر باب الرحمة والعفو لبني البشر. التائب حبيب الله

وقد يتبادر إلى أذهاننا للوهلة الأولى أن التوبة لا تكون إلا لذنب كبير وأنه لا حاجة لنا للتوبة لأننا لانفعل الذنوب الكبيرة.!

ولكن الإنسان بطبيعته مخلوقٌ ضعيـف، يرتكب الأخطاء، ويقع في المحظورات، ويقترف المعاصي، وذلك نتيجةَ الغفلة التي تستوْلي على قلبه، فتحجب بصيرتَه، ويُزيِّن له الشيطان سُبلَ الضلال، فيقع فيما حرَّمه الله عليه، ومهمـا بلـغ الإنسانُ من التقوى والصلاح، فإنَّه لا يَسْلم من الوقوع في الأخطاء، ولا يُعصم من المخالفات، فالمعصوم هو نبيُّنا محمَّد ــ عليه أفضل الصَّلاة وأزكى السلام ــ فهو القائل:

((( كلُّ بَني آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوَّابون))). وأمامنا الأنبياء وهم أشد الناس اجتهادا في العبادة لما أعطاهم الله ــ تعالى ــ من المعرفة فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير مستغفرون له تائبين بين يديه.

التائب حبيب الله:

والتوبة باب من أبواب محبة الله تعالى فالتائب حبيب الله، قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » البقرة:222.

وأن التوبة تجب ما قبلها أي تهدم وتمحو ما قبلها من الذنوب، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:

«ألم تعلم أن التوبة تجبُّ ما قبلها».

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». رواه ابن ماجه

التوبة رحمة الله لعباده:

والتوبة هي تلك الرحمة الربَّانيَّة من ربِّ البرية بعباده تتجلَّى في توبته على العاصي بعد عصيانه، والمذنب بعد اقتراف ذنوبه، فرحمتُه وسعتِ البَرَّ والفاجر، بل وسعتِ السمواتِ والأرض؛ فقد قال ــ سبحانه.

{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} الأعراف: 156


شروط التوبة
وللتوبة شروط يقول الإمام النوويُّ ــ رحمه الله تعالى -:

«قال العلماء: التوبة واجبةٌ من كلِّ ذنب؛ فإن كانت المعصيةُ بين العبد وبين الله ــ تعالى ــ لا تتعلَّق بحقِّ آدميٍّ، فلها ثلاثةُ شروط: (أولها):

أن يُقلعَ عن المعصية. (والثاني): أن يَندمَ على فِعْلها. (والثالث): أن يَعزمَ على ألاّ يعودَ إليها أبدًا. فإن فُقِد أحدُ الثلاثة لم تصحَّ توبته.

وإن كانت المعصية تتعلَّق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حقِّ صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه ردَّه إليه، وإن كانت حدَّ قذفٍ ونحوه مكَّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غِيبةً استحلَّه منها، ويجب أن يتوب المسلم من جميع الذنوب، كبيرها وصغيرها هزلها وجدها.

وعلينا دائماً أن نضع نص هذا الحديث القدسي أمام أعيننا الذي يخاطبنا فيه الله تعالى فيقول:(يا عبادي إنكم تخطئون في الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم) صحيح مسلم.

JoomShaper