* تحقيق: ثناء عبدالعظيم
التفرقة بين الأبناء خطأ قد يقع فيه بعض الآباء والأُمّهات من دون قصد، فهي تولّد في نفسية الطفل الحقد والكراهية، وتكون بمثابة جرس إنذار لما يمكن أن يحدث من صراعات بين الأشقاء في المستقبل.
ثمّة صور متعددة للتمييز بين الأبناء، فهو يبدأ بالحنان والعطف والرعاية والإنفاق عليهم، وينتهي بالهبات والإرث. وإذا كانت الأديان السماوية تحث على العدل بين الأبناء، وهو الذي جعلته ضرورة واجبة، إلا أن تحقيق العدل على أرض الواقع يتطلب من الوالدين تصرفات حكيمة وفعلية للوصول إلى أعلى درجات المساواة. من هنا، لا جدال في كون العدل بين الأبناء ترجمة صريحة لمحبة الوالدين، والتمييز بينهم ينتقص من مشاعر البنوة، وغالباً ما يكون الدافع إلى معظم الجرائم الأسرية التي زادت حدتها في السنوات الأخيرة. فقد أشار أحد المواقع الإلكترونية إلى جريمة بشعة ارتكبتها فتاة عمرها 16 عاماً، عندما قامت بقتل شقيقها ابن السنوات السبع، وطعنته بالسكين نتيجة شعورها بالظلم والرغبة في الإنتقام. ب
ينما تشهد ساحات القضاء مشكلات لا تكاد تنتهي بين الإخوة والأخوات نتيجة إيثار الأهل أحد الأبناء بالهبات والإرث دون الآخرين. وفي هذا السياق، يؤكد خبير علم الإجتماع في "المركز القومي للبحوث الجنائية" في مصر الدكتور أحمد المجدوب "أنّ الجرائم التي ترتكب بين الإخوة تمثل 60 في المئة من جرائم المجتمع، وذلك بسبب العداوة التي تنشأ بينهم"، لافتاً إلى أنّ "الإبن غير المرغوب فيه يذهب إلى أن إخوته هم السبب في ما يلاقيه من حرمان وإضطهاد في المجتمع، فيكون على إستعداد للإنتقام منهم عندما تتاح له الفرصة" إستناداً إلى ما تقدم، كيف يمكن للأبوين تحقيق العدل والمساواة بين الأبناء، والبعد عن هذا المنعطف الخطير الذي يدمر العلاقات الأخوية؟ وهل صحيح أنّ التمييز بين الأبناء لا يزال موجوداً؟
- تفكك الأسرة:
يتحدث وائل أحمد (محاسب) عن صديق له عاش مشكلة مريرة مع أشقائه الخمسة بعد وفاة والدهم بسبب التفرقة وعدم المساواة، لافتاً إلى أنّ "الإخوة، اكتشفوا بعد وفاة الأب، أنّه خصص الشركة التجارية للأخ الكبير، بينما ترك الأموال ليتقاسموها شرعاً". ويشير وائل إلى أن "سوء تصرف الأب والهبة التي منحها لإبنه جعلت الإخوة يعيشون في نزاع مستمر وصل إلى المحاكم بينما انقطعت الصلة بينهم". ويكشف أن صديقه "كان متأثراً من الوضع لأنّ العائلة تفككت، ولا يستطيع أن يتبادل الزيارات مع إخوته، لأنّ النفوس حاقدة ولم تعد العلاقة الأخوية كما كانت صافية".
- الشعور بالغيرة:
"يمكن للأبوين بشيء من الحكمة، تفادي تلك المشاكل"، هذا ما تقوله منال حاكمي (متزوجة منذ 30 عاماً، ولديها 5 أبناء) التي تشير إلى أن "مبالغة الأُم في الإهتمام بطفلها الصغير أمام شقيقه الأكبر، يفسرها الكبير كنوع من التمييز، فتتولد لديه الغيرة والبغضاء تجاه أخيه"، لافتة إلى أن "ذكر سلبيات الطفل وإنتقاده أمام إخوته، أمور تفقده الثقة بنفسه، وتجرحه فتجعله يكره الآخرين". ومن خلال تجربتها مع أخواتها تقول: "أُمّي لا تفرق في عاطفة الحب تجاهنا، وتشعرنا جميعاً بالإهتمام، لكنها كانت تخصني بمزيد من الدلال". وتؤكد منال أن "أُمّي لم تقصد التفرقة بيننا، ولكنها كانت تتصرف بعفوية، إلا أن ذلك ولد شعوراً من الغيرة التي تظهر بين الحين والآخر من خلال بعض المواقف التي تحدث بيننا". وترى منال "أنّ التعامل مع الأبناء بمنطق العدل والمساواة يجنبهم المشاكل في الكبر".
- طوق النجاة:
"المساواة بين الإخوة طوق نجاة للعائلة والحفاظ على كيانها في المستقبل"، هذا ما تؤكده رزان رستم (طالبة في أكاديمية دبي للطيران)، وتقول: "أُمّي لا تفرق بيننا، وتحبنا على طريقة المثل القائل: "الغائب معذور حتى يرجع، والمريض حتى يشفى، والصغير حتى يكبر"، لكننا جميعاً لديها سواسية في الحب".
- التمرد والغضب:
وتؤكد ماجدة عمر (مديرة مدرسة) "أنّ الإبن الأول في العائلة يحظى دائماً برعاية وإهتمام، لأنّه يكون أوّل مولود للأبوين". وتضيف: "أتعامل مع أبنائي بفطرة الأمومة، ولا أفرق بينهم. لكن الأُم أحياناً تميل إلى أحد أبنائها، وتميّزه بعطف ورعاية ودلال من دون مراعاة لمشاعر أبنائها الآخرين، ما يشعرهم بالتمييز". وتضيف: "عندما تشعر ابنتي بأنني أميز أخاها عنها في بعض الأمور، أجدها تتمرد وتبكي وتتهمني بعدم المساواة، وحين ينشأ شجار بينهما تتفوه بكلمة "كره" لكني لا أصدقها، وأعتبرها كلمة عابرة".
- الضغينة والكره:
من ناحيتها، تقول عزة وشاحي (ربة بيت): "يحصل أن يكذب ابني أحياناً، أو يضرب أخاه بعنف، وعندما أراجع نفسي، أجد أن سبب تصرفه هو قيامي بموقف تجاهه شعر منه بالظلم والتفرقة في المعاملة، فأعود إلى تصحيح موقفي بإعطاء كل ذي حق حقه". وتؤكد أنّه "لابدّ للأُم أن تساوي بين أبنائها في الحب والعطاء، حتى لو كان ذلك مجرد قبلة، ولا تظهر إعجابها أو انحيازها لأحد من أبنائها دون الآخرين حتى لا تحدث شرخاً في مشاعر الأشقاء تجاه بعضهم بعضاً". وتضيف: "بعض الأُمّهات يعمدن إلى إهانة أحد أبنائهن أو إتهامه بالغباء والفشل، بينما يثنين على الآخر لمجرد أنّه أنجز شيئاً بسيطاً، وهذا ما يحدث ضغينة بين الأبناء".
- الإبن الأكبر:
يشعر محمود عبدالكريم (موظف) بأنّه مميز بين إخوته لأنّه الأكبر، ويقول في هذا السياق: "والدتي تمنحني مزيداً من الحب والرعاية أكثر من سائر إخوتي، ولي وضع خاص في العائلة لدرجة أنها تميزني في الطعام، فتقدم لي أفضل ما لديها. كذلك، هي تستشيرني في كل أمور الأسرة من مشكلات، وهذا بالطبع يثير حفيظة إخوتي". ويضيف: "أُمّي جعلتني في منزلة الأب للأسرة، كما اتخذني والدي صديقاً له". ويؤكد "إن إخوتي اعتادوا ذلك وهم يتعاملون معي باحترام بالغ، ولا يتصرفون في شيء إلا بعد موافقتي". ويتابع: لقد ربتنا أُمّي على الإحترام، وعودتنا على أنّه لا فرق بيننا، ما انعكس على سلوكياتنا في الكبر، وعلى تعليم أبنائنا وتربيتهم". ويؤكد "أنّ المساواة والعدل بيننا جعلانا عائلة مترابطة نعيش جميعاً في منزل ولا وجود بيننا للغيرة".
- نموذج لن يتكرر:
وعلى صعيد آخر، ترى إيمان النجار (معلمة) من خلال عملها التربوي "أنّ الطفل الذي يشعر بأنّه موضع حب وإهتمام أهله يتميّز بالشجاعة والنجاح والذكاء. أمّا الطفل الذي يشعر بأنّه مهمش، أو بأنّه يأتي في المرتبة الثانية، فإنّه يتحول إلى شخص عدواني ومشتت". وتضيف: "بعض الأسر تهتم بالطفل الذكي وتولي تعليمه إهتماماً فائقاً، بينما يهملون أخاه لأنّه أقل ذكاء أو لديه قدرات محدودة، ما يترك أثراً سلبياً في نفسه وربّما يصل به الأمر إلى كراهية أخيه". وتؤكد أنّ "المساواة بين الأبناء لها أثر طيب في النفوس، وتعتبر داعماً حقيقياً للنجاح والترابط الأسري، ومصدراً أساسياً للقوة". أمّا في ما يتعلق بتربية أهلها لها ولإخوتها، فتقول: "والدتي نموذج لن يتكرر، لأنّها لم تفرق بيننا، وكذلك والدي الذي يغمرنا بنصيب وافر ومتوازن من الإهتمام والرعاية". وتشير إلى أن "تحقيق العدل والمساواة بيننا كان يتمثل في كل شيء، بما في ذلك القبلة والهدية واللمسة الحانية، الأمر الذي جعلنا نكبر ونحن نشعر بأننا جميعاً مترابطون، لأنّه لم يتم تفضيل أحدنا على حساب آخر".
- قيم ضائعة:
بدورها، تؤكد صفا نجار (موظفة – متزوجة ولديها ولد وبنت) "بعض الأسر تفرق بين البنت والولد في المعاملة، فتشعر البنت بأنّها أدنى مرتبة من أخيها الولد، وهو الأمر الذي ينعكس سلباً على شخصيتها وحياتها الزوجية والعملية عندما تكبر، إذ يلازمها الإعتقاد بأنّها ملزمة بالإستمرار في التنازل عن حقوقها لمصلحة الرجل". وتضيف: "إنّ أسس التربية هي المساواة والعدل بين الأبناء، فإذا نشأ الولد على أنّه مُقدم على أخواته البنات لا لشيء إلا لأنّه ذكر، وأنّ هذا الأمر يمنحه أفضلية وصلاحيات مطلقة، فإن ذلك سينعكس عليه غالباً حينما يكبر، وقد يستولي على حقوق ليست حقوقه، ومن بينها حقوق أخواته البنات".
- علاقة لا تشترى بالمال:
أمّا شعبان درويش (موظف)، فيؤكد أن لديه بنتاً وولداً ولا يفرق في التعامل بينهما، "فلكل منهما إحتياجاته وطريقة معاملته" بحسب ما يقول. ويشير درويش إلى أنّ "الولد في الكبر، يصبح صديقاً للأب، بينما تصبح البنت صديقة للأُم. ويلفت إلى أنّ "الآباء، قديماً كانوا يفرقون في الميراث بين الذكور والإناث، فيهبون الذكور الأرض والعقارات، ويعوضون الإناث بالمال"، ملمحاً إلى أنّ "الأخ الكبير كان ينفرد بالإهتمام والتميز فنجده في بعض الأحيان أنانياً يستحوذ على أموال شقيقته أو إخوته الصغار". ويضيف: "لقد رأيت نماذج من الإخوة الصغار". ويضيف: "لقد رأيت نماذج من الإخوة تصارعوا وافتروا على بعضهم بسبب الهبات والميراث". إلا أنّه يؤكد أنّ "هذا الأمر لم يحدث في عائلتنا، إذ قسمنا الميراث الذي تركه والدي بما يرضي الله"، مشيراً إلى أنّ "العلاقات الأخوية لا تعوض بكنوز الدنيا، بينما المال يضيع وينتهي".
- ترابط الأسرة:
"الأُم هي المحور الرئيسي لتربية الأبناء بشكل آمن" هذا ما تقوله رشا سمير (مراسلة إعلامية). وتضيف: "والدتي لم تفرق بين ولد وبنت، أو بين صغير وكبير، لأنّها تعرف إحتياجات كل مرحلة، لكنها تمنح أخي الصغير رعاية وحناناً زائدين". وتقول: "شقيقي من ذوي الإحتياجات الخاصة ونحن نقدر مشاعر أُمّي تجاهه، بينما في المقابل، نجد آباء يفرقون بين أبنائهم بالهبات والمال والرعاية، فيمنحون البعض ويحرمون الآخرين، فيحدث صراع وشقاق بين الإخوة". وترى رشا "أنّ الطبيعة البشرية تستنكر وتحاسب، وتراقب الأفعال والأقوال، وتشعر بالتمييز من الكلمة أو الهمسة أو القبلة، حتى لو حاول الوالدان إخفاءها، ما يتطلب جهداً كبيراً في تحقيق المعادلة الصعبة بين الأبناء، والمحافظة على ترابط العائلة". وترى رشا أنّ "الأُم الذكية، تستطيع قراءة نفسية الأبناء وفهمها ومعرفة إحتياجاتهم".
- حدود الله:
حول نظرة القانون إلى التفرقة بين الأخوة، يقول المستشار القانوني أحمد أبوالعلمين: "إنّ العدل في التربية، هو أساس التعامل مع الأبناء"، لافتاً إلى أن "المساواة بينهم يجب أن تكون في النفقة والرعاية والتعليم والميراث، حتى لا تنشأ بينهم الضغينة وتتفكك العلاقة". ويضيف: "إنّ الله عزّوجلّ فرض المواريث كما جاءت في سورة النساء، ولم يتركها للبشر لتحقيق العدل، فقال تعالى: (.. تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا...) (البقرة/ 229). ويرى أبوالعلمين: "إنّ الأب يجب أن يلتزم بحدود الله، ولا يميِّز ابناً على حساب الآخر، كأن يكتب له بيتاً أو سيارة، ويترك الميراث ليتقاسمه الأولاد حسبما أفادت الشريعة". ويؤكد أن "مجتمعاتنا العربية لا تزال تفضل الذكر على الأنثى، فنجد في صعيد مصر أنّ الأهل لا يورثون البنات أرضاً، ويعطونها في المقابل نقوداً، لإعتقادهم أنّ الأرض تضيع بين العائلات الأخرى". مشيراً إلى "بعض الحالات التي يختار فيها الأب أحد أبنائه ويكتب له أملاكه، لإعتقاده أنّه الأقدر على إدارتها، وهذا محرم شرعاً". ويؤكد "أنّ ذلك يحدث ضغينة في نفوس الإخوة، قد تؤدي إلى الجنايات، وتظل المشاكل قائمة بين الأجيال وتتفكك العائلة".
- صراع لا ينتهي:
تعليقاً على ذلك، تقول المحامية مريم الحنطوبي: "إنّ الهبة التي يخص بها الأهل أحد الأبناء دون الآخرين، هي بمثابة نار تحت الرماد، ودمار للأسرة وصراع لا ينتهي بين الإخوة". وتشير إلى أنّ "الحالات المماثلة التي تصل إلى ساحات القضاء كثيرة يصعب حصرها، وتختلف وقائعها وتداعياتها، إلا أنّ القاسم المشترك بينها واحد، وهو أن تفرقة الأهل بين الأبناء هي السبب الأساسي وراء هذا النوع من المشاكل التي يطول النظر فيها". وتضيف: "أياً كان الحكم، فلابدّ أن يكون هناك طرف ناقم إما على إخوته أو على والده، إلى درجة أنّه ربّما يقاطع إخوانه ولا يترحم على والده إذا توفاه الله". ومن واقع خبرتها العملية، تستحضر مريم الحنطوبي إحدى القضايا وهي تخص "ثلاثة إخوة اكتشفوا بعد وفاة والدهم أنّه قام بتخصيص مزرعة لشقيقهم الصغير". وتكشف ان "اثنين من هؤلاء الإخوة حالتهما المادية ميسورة، بينما الأخ الثالث مريض وغير قادر على الكسب، فأراد الوالد أن يعوضه بشيء يعينه على الحياة". وتقول: "لقد أثار ذلك غضب الشقيقين وطلبا من أخيهما التنازل عن المزرعة، ولما رفض، قام أبناؤهما بالإعتداء على عمهما بالضرب، ووصلت القضية إلى المحكمة".
- مستقبل غير آمن:
"ممارسة الأبوين لأساليب التفرقة، تنعكس سلباً في نفسية الأبناء" يقول الطبيب النفسي الدكتور علي الحرجان، معللاً ذلك بأنّها "تزرع بذور الكراهية بين الإخوة، ولها مردودات سلبية تبشر بمستقبل غير آمن للطفل، فيصبح طفلاً مشاكساً متمرداً، وعنيداً يرفض الذهاب إلى المدرسة". ويشير إلى أن "ما يفعله الطفل من سلوك احتجاجي، القصد منه تنبيه الآباء تجاه سلوكهم الخاطئ". ويؤكد د. الحرجان "أنّ التفرقة بين الأبناء تؤدي على نشوء طفل غير سوي لديه إحساس بعدم الثقة بالذات، فيضطرب في نومه ويتعرض لكوابيس أو يشعر بفزع ويعاني عدم الإحساس بالأمان". ويضيف: "إنّ هؤلاء الأطفال يعانون حالة الإنعزال الإجتماعي، التي تؤدي إلى الإكتئاب والقلق، والإصابة ببعض المشاكل العضوية، مثل آلام وإضطرابات المعدة". ويلفت إلى أنّ "بعض الأطفال يعانون إضطرابات سلوكية، فيكذبون ويسرقون كرد فعل تجاه تمييز الأهل". ويؤكد د. الحرجان "أنّ الخطورة، تكمن في ترسيخ الأفكار والسلوكيات لدى الطفل من مشاعر الحقد والكراهية، والتي ترافقه حتى الكبر، فيمارسها بقسوة تجاه أفراد أُسرته نتيجة التمييز الذي تعرض له". ويضيف: "إنّ الطفل الذي تعرض لإنتقاد من الأهل لقصر قامته مثلاً، أو لعدم قدرته على الفهم، أو للونه الأسمر، يشعر بكره للآخرين ولكل من يكتسب صفات أخرى مميزة". ويشير الحرجان إلى أنّ "بعض الأبناء يرفضون آباءهم في العقل الباطن، ويكرهون إخوانهم الذين يحظون باهتمام الأهل". وينصح "بعدم وضع الطفل في حالة مقارنة مع أخيه، لأنّ تلك المقارنات من شأنها أن تحدث خللاً في نفسية الطفل صاحب النصيب الأدنى من المهارات والمزايا"، مشيراً إلى أنّ "الطفل يختزن بداخله كل السلبيات". ويقول: "على الآباء توصيل الرسالة من دون تحيز إلى طفل على حساب الآخر، حتى لا تهتز ثقته بنفسه ويكره إخوته".
وإذ يحذر د. الحرجان من "عواقب إظهار الأهل للتقدير والإعجاب لطفل دون الآخر في مختلف تفاصيل الحياة"، يقول: "إنّ الطفل المفضل، هو الآخر يعاني نظرة إخوانه العدائية، والكره الممارس ضده على مستوى السلوك اليومي، وقد يصل الضرر إلى حد التجريح والمقاطعة والضرب". ويؤكد أنّ التفرقة في اللمسة والهمسة والقبلة، تحدث غيرة، وتؤدي إلى العنف وإلحاق الأخ الأذى بأخيه، عدا عن أنّ التفرقة في الهدايا والهبات بين الأبناء تُحدث تفككاً في الأسرة ومشكلات لا حصر لها". ويقول: "هناك من يأتون إلى العيادة ويشتكون من الأب أو الجد الذي خلف لهم المشاكل بوضعه أملاك الأسرة بالكامل عند أحد الأبناء وحرم الآخرين، ولم يفكر في عواقب الأمور".
- الإبن الكبير:
"التمييز بين الأبناء في الصغر له آثاره السلبية عند الكبر"، إنطلاقاً من هذه الحقيقة، تقول مديرة إدارة رعاية الأحداث في وزارة الشؤون الإجتماعية فوزية طارش: "إنّ بعض الأسر تؤثر الإبنة الجميلة على أخواتها، ما يثير الغيرة في نفسياتهنّ، وعند أوّل أزمة أسرية تحدث بعد وفاة أحد الوالدين تظهر العداوة التي كانت مدفونة". من جانب آخر، تشير طارش إلى أن "تمييز بعض الأسر يأتي من تفضيل الإبن الذكي وإيثاره على إخوانه، فتحدث عداوة بين الأشقاء بسبب الكره والحقد المزروع في نفوسهم منذ الصغر، وتصل مشاكلهم إلى المحاكم لتظل سنوات". وفضلاً عن الموروث القديم الذي يعطي الإهتمام والرعاية للإبن الأكبر، تقول طارش: "إنّ بعض الأسر تفرق بين الذكر والأنثى، فعندما يبلغ الإبن الأوّل تصبح له الأحقية في كل شيء، فيتدخل في شؤون أخته بشكل قاسٍ وقد يسلبها حقوقها".
- الإنتقام المؤجل:
بشأن الآثار الإجتماعية المترتبة على التفرقة بين الأبناء، يقول رئيس قسم الإجتماع في "جامعة الشارقة" الدكتور أحمد العموش: "إنّ التفرقة بين الأبناء، هي نوع من الإساءة النفسية والعاطفية، تأتي حسب النوع (ذكراً أو أنثى) والعمر، وحتى الوسامة". ويشير إلى أنّ "التمييز بين الأبناء يؤدي إلى هدم العلاقات الأسرية، وربّما وصل الأمر إلى حد جرائم متوارثة تنتقل من جيل إلى جيل". ويؤكد د. العموش "أنّ العدل بين الأبناء يجب أن يكون شاملاً، في العطف والرعاية والكلام والإهتمام، وكذلك في الهدايا والعطايا". ويرى د. العموش أنّ "التفرقة تنجم عنها تنشئة إجتماعية ناقصة وتخلق أطفالاً عدوانيين لا ينتمون إلى الأسرة والمجتمع، إضافة إلى عدم تقدير الذات، فيشب الطفل وهو غير قادر على أن يثق بذاته ولا بالآخرين". ويؤكد د. العموش أنّ "الأطفال الذين يمارس عليهم أسلوب التفرقة في الصغر، يلعبون الأدوار نفسها عندما يكبرون، كسلوك تعويضي، وتتشكل لديهم في اللاشعور إستجابات مؤجلة للإنتقام توظف ضد الأخ أو الأب، عندما تحين له الفرصة للإنتقام لنفسه، أو لذاته بسبب الحقد الدفين المخزن في اللاوعي".
يهدم العلاقات الأسرية وقد يؤدي إلى جرائم التمييز بين الأبناء لا يزال موجوداً
- التفاصيل