أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم قواعد المشاركة الزوجية في قوله :(الرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)متفق عليه، وقد أكد الإسلام على مبدأ التكافل بين أفراد الأسرة وأناط به حفظ الأسرة من التفكك والانهيار.
ولا شك أن تحمل المسؤولية المشتركة بين الزوجين خاصة فيما يتعلق بالقيام بواجبات الأسرة والعمل على توفير متطلباتها وفقاً للوظيفة الفطرية التي أودعها الله سبحانه وتعالى فيهما هي: عماد الاستقرار الأسري، وسبيل الحصول على السعادة الزوجية على مر العمر، ويحث الإسلام على المسؤولية المشتركة، ويقضي بضرورة تقاسم المسؤوليات في البيت بين الأبوين بما يضمن تحقيق الأسس المادية والمعنية التي تقوم عليها الأسرة، وينعكس بصورة إيجابية على حياة الأبناء وتمتعهم بشخصيات سليمة نفسياً واجتماعية مدربة على المشاركة، وتحمل المسؤولية بسبب القدوة الحسنة من الأبوين.
" لها أون لاين" في سياق التحقيق التالي، أرادت أن تكشف عن آثار التعاون وتقاسم المسؤوليات بين الزوجين على تربية الأبناء وتمتعهم بالصفات الإيجابية، وتقف مع المتخصصين على أهم التحديات التي يواجهها الأبوين في تقسيم المهام التربوية بينهما.
ترى سهير سعيد- 40 عاماً - موظفة في إحدى المؤسسات الخاصة بقطاع غزة أن الأسرة هي البيئة الأولى للطفل التي تهيئه للتعامل مع المجتمع والناس والأشياء من حوله، مما يلقي بالمسؤولية على الزوجين لتوفير المناخ المناسب لاستقبال الأطفال أولاً، وتقاسم الأدوار في تربيتهم تربية قويمة قائمة على المسؤولية الاجتماعية، وبشيء من التفصيل تكشف عن سبل نجاحها وزوجها في إتقان فن تربية أبنائهما الأربعة على الرغم من مسؤولياتهم الكثيرة، تقول السيدة:"إن الظروف العصرية ومتطلبات الحياة الكثيرة، بالإضافة إلى حالة الغلاء المعيشي وتراكم المسؤوليات على رب الأسرة فرضت على المرأة الخروج للعمل، لمشاركته في المسؤولية الاقتصادية، إلا أن ذلك لا يعفيها من مسؤوليتها التربوية تجاه أبنائها".
وأضافت أن تلك الظروف جعلتها تتفاهم مع زوجها على إعادة تقسيم الأدوار والمسؤوليات فيما بينهما بما يصب في مصلحة الأبناء، فما أن يعودا من العمل حتى يتابعا أمور المنزل والأبناء جنباً إلى جنب، قائلة: "لا مجال لإفلات أحدنا من مهامه" فبينما هي تعتني بالصغيرين، يتابع الأب مذاكرة الدروس مع ولديه الكبيرين وإذا ما انتهى يتفقد أحوال المنزل ليحضرها من السوق، وما إن ينتهي حتى تكون قد انتهت من أعمالها.
وفيما يتعلق بالأسس المشتركة في تربية الأولاد قالت: الأساس الأول الاتفاق على الأسلوب التربوي لمعالجة كل ما يقترفونه من مشاكل أو يتعرضون له". مشيرة إلى أنه يقوم على الرفض التام للعقاب البدني، إلا في حالات محددة وفقاً للموقف والحاجة التربوية، أيضاً العمل بمبدأ الثواب والعقاب توافقاً وليس تضارباً.
مؤكدة أن ذلك التوافق لا يمكن الطفل من استغلال أسلوب أحدهما، وأضافت أن أهم المبادئ التوافقية في تربية الأبناء بينها وبين زوجها: اعتماد مبدأ الحوار والنقاش معهم، وتُبين السيدة أنه على الرغم من تلك المشاركة المسؤولة من زوجها، إلا أن كفتها تميل بلا شك، والسبب وفق تقديرها طبيعة المرأة والصفات الفطرية التي أودعها الله لديها، مؤكدة أن مسؤوليات الغذاء والمتابعة المدرسية والإشراف على الاستذكار تقتصر في كثير من الأحيان عليها، كونها الأقدر على الصبر والتحمل والمثابرة.
توزيع المسؤوليات
فيما تشير سيدة أخرى تدعى أم النور من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، أن توزيع المسؤوليات بين الأبوين من فنون التربية القويمة للأبناء وينعكس إيجابياً على تدعيم علاقة الأبناء بآبائهم، ويفتح مجالاً للحوار والمناقشة والنصح السديد القائم على الخبرة والتجربة، وبحسب قولها فإنها تتولى مسؤوليتها بمزيد من الحب والوضوح لفتياتها بالذات في مرحلة البلوغ.
مؤكدة أنها تكون قادرة على توضيح الأمور الفقهية لهن بصورة صحيحة وغير مشوهة، وكذلك الأب بالنسبة للأولاد الذكور، وبينت السيدة التي تعمل بدرجة مدير في إحدى الوزارات الحكومية بالقطاع، أن المسؤولية الأكبر في فترة الطفولة تكون للأب، خاصة فيما يتعلق بالتربية الدينية والأخلاقية عبر مناقشة الأبناء عموماً"الفتيات والفتيان" في أمور دينهم وعقيدتهم وكذلك عبر تمثيله للقدوة الحسنة لهم، فيكتسبون المبادئ الصحيحة عبر الملاحظة والمحاكاة والممارسة اليومية.
وتؤكد أم النور أن انشغالها وزوجها في العمل لا يلغي دور أي منهما ولا يعفيه من مسؤولياته تجاه الأبناء، سواء على صعيد الترفيه أو التربية الاجتماعية، والسبب وفق ما تقول: "أبناؤنا أمانة في أعناقنا هم كما البذور إذا ما غرست في تربة خصبة، وتمت رعايتها بشكل جيد ستؤتي ثماراً طيبة أخلاقاً وعلماً والتزاماً دينياً واجتماعياً، وإلا سيكون الانحراف والانجراف في تيارات الحياة العصرية مصيرهم".
وتتابع أن معيار النجاح في تربية الأبناء تفاهم الأبوين على توزيع المسؤوليات وتقسيم الأدوار، وعدم تخلي أي منهما عن واجباته التقليدية وواجباته التي تفرضها ظروف العصر.
مؤكدة أن ذلك يتطلب بدايةً وعي الأزواج بطبيعة العلاقة الأسرية القائمة على المشاركة والمتابعة السوية، وليس القائمة على تقاليد متوارثة في الأدوار كأن تقتصر مسؤولية الأب على توفير المتطلبات المادية من طعام وكساء وغيره، وتنتهي مسؤولية الأم عند إعداد الغذاء الصحي وترتيب أروقة المنزل وتنظيف الملابس وكيها وغيرها، قائلة "التربية قائمة على إتقان فن المسؤولية المشتركة والأدوار التكميلية بين الأبوين".
تأثير تربوي إيجابي
أستاذة التربية بالجامعة الإسلامية د. فتحية اللولو تؤكد أن إتقان الوالدين لفن تقسيم الأدوار وتوزيع المهام التربوية والاجتماعية فيما بينهم تجاه أبنائهم، يلقي بتأثيراته الإيجابية على شخصية الأبناء، فيشبوا واعين بأدوارهم تجاه بعضهم وتجاه مجتمعهم أيضاً.
وبشيء من التفصيل أوضحت لنا أستاذة أصول التربية أن الأب حين يتولى مسؤولية ضبط السلوك عبر المتابعة، وتتولى الأم مسؤوليتها في توفير كافة ما يحتاج الطفل، إضافةً إلى بيئة دافئة عمادها الحب والتوجيه والإرشاد للطفل باستخدام أسلوب الثواب والعقاب، فلا شك أن الأبناء سيتأثرون بشكل إيجابي وسيدعم ذلك التوزيع في المسؤوليات بين الأبوين على علاقة الأبناء بهم، بحيث تكون أقرب إلى الصداقة بعيداً عن التشتت والتفكك نتيجة إلقاء أحد الأبوين بالمسؤولية الكاملة في التربية على الآخر.
وقالت د. اللولو: "لا بد من أن يكون توزيع وتقسيم للأدوار والمهام" لينشأ الأبناء على مبدأ التعاون والمشاركة وتحمل المسؤولية وعدم الإلقاء باللائمة على طرف واحد دون الآخر ".
وأضافت أن تكامل المسؤولية بين الأب والأم والطفل من خلال تعويده على تحمل المسؤولية والمبادرة في كثير من الأعمال ينعكس على سلوك الطفل وشخصيته، بحيث لا يستطيع أن يقدم على اتخاذ قرار إلا من خلال المشورة والرجوع إلى الأبوين للفهم، ويحاول أن يستكمل كافة أفكاره من والديه.
الوقت أهم التحديات
وتطرقت د. اللولو إلى أهم التحديات التي تواجه الأبوين في تنفيذ تقسيم الأدوار واتباع المسؤولية المشتركة في التربية للأبناء قائلة :"إن عامل ضيق الوقت يعتبر سبباً رئيسياً تلحقيق مبدأ المشاركة في المسؤولية التربوية للأبناء".
وأضافت أن انشغال الوالد طوال النهار في العمل؛ لتأمين الاحتياجات المادية للأسرة ولا سيما خروج المرأة أيضاً للعمل يقف أحياناً حائلاً دونما تحقيق المسؤولية المشتركة في التربية. وأحياناً أخرى يلقي بمسؤولية إحداهما على الآخر بشكل أكبر.
مؤكدة أن ذلك يؤدي إلى اختلال في موازين التربية للأبناء في كل المستويات الأخلاقية والدينية والسلوكية، ولفتت إلى أن غياب الأب عن القيام بمسؤوليته التربوية واكتفائه بتلبية الحاجات المادية تنعكس على سلوك الأبناء، فيبدون أكثر تمرداً وانفلاتاً؛ نظراً لغياب الضابط لسلوكهم، داعية الأزواج العاملين إلى محاولة ترتيب أولوياتهم لإيجاد وقت كاف للمكوث مع الأبناء والقيام بمسؤولياتهم المختلفة تجاههم، وبينت أن عامل العادات والتقاليد المتوارثة لدور كل من الرجل والمرأة في المجتمع أيضاً تلقي بظلالها على عملية المسؤولية المشتركة في التربية، لافتة إلى أن المجتمعات العربية الشرقية تحمل الأم مسؤولية التربية وتوفير المتطلبات الإنسانية، بينما الأب عليه المسؤوليات الإنفاقية، مؤكدة أن الأب حينها يحمل زوجته مسؤولية أي سلوك خاطئ يأتي به الابن، فتكون هي المتهم الأول لديه ولدى المجتمع الذي يأخذ بنظرته التقليدية لدور المرأة في الأسرة، داعية إلى ضرورة التوعية والتثقيف بضرورة أن يأخذ كل من الأبوين مسؤولياته تجاه الأبناء، في إطار تكامل الأدوار بالاتفاق المسبق على تقسيم الأدوار وتوزيع المهام.
المصدر:لها اون لاين