رد هذا الخلق لديهم "الجهل" بحقوق أولادهم عليهم
غزة- سيد إسماعيل
ربما يعرف الآباء الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة عن "حقوقهم" على الأبناء، كما أنهم يحفظون هذه الحقوق عن ظهر قلب، ولكن هل يعرفون حقا حقوق هؤلاء الأبناء عليهم؟؟ قد لا يدرك عدد من الآباء أن عملية البر "تبادلية" بين الطرفين: الآباء والأبناء على السواء! وأن الله سبحانه وتعالى سيحاسبه على التقصير فيها، مثلما سيحاسب ابنه على "عقوقه" له. إن الأبناء في نهاية الأمر هم "حصاد" ما زرع الآباء فيهم من أخلاق وقيم وسلوكيات..
مسئولية "قبل الولادة"!
" إن حقوق الأبناء على الآباء لا تبدأ منذ لحظة الميلاد أو الحمل، بل هي قبل ذلك بكثير: منذ لحظة اختيار الأم نفسها! "، كانت كلمات الداعية والخطيب، خالد أبو كميل، قبل أن يكمل: " للأسف، فإنك ستجد الكثير من الشباب يختارون أمهات أبنائهم، بناء على "شهواتهم" فقط: كأن تكون الفتاة جميلة وفاتنة، دون أن يكون لديها من الالتزام بتعاليم الدين الشيء الكثير، كالتهاون في العبادات كالصلاة مثلا، أو التبرج وإظهار مفاتنها من خلال ملابسها وتزينها..".
أفضل مثال على الموضوع – كما يقول الداعية أبو كميل - هو ذكر هذه القصة المعروفة: فقد روي أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو عقوق ابنه له، فأمر عمر بإحضار الولد إلى مجلسه وأنبه لعقوقه أباه ونسيانه لحقوقه عليه، فقال الولد: "يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ "، فقال عمر بن الخطاب: "بلى"، فسأله الولد: "فما هي يا أمير المؤمنين؟" فأجاب عمر: "أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه (أي يختار له اسما حسنا)، ويعلمه الكتاب (أي القرآن)".
قال الولد ساعتها: "يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك، فأما أمي فجارية حبشية كانت عند رجل مجوسي، وقد سماني جُعْلاً (أي جعران وهو ذكر الخنفساء)، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا "، فالتفت عمر إلى الرجل وقال: "جئت تشكو إلي عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ".
وتعقيبا على القصة، يقول الداعية أبو كميل: " إن غالبية الآباء لا يدركون أن أي خلل في أبنائهم إنما هو خلل نابع منهم، لأن "الأبناء مرآة الآباء"، الذين تناسى كثير منهم للأسف حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته". ستجد أبا ما يمل تعليم ولده وغرس القيم الصحيحة فيه، بل ستجد من يهملون تربية أبنائهم بالمجمل، فكيف ينفع الابن أباه وهو كبير إن لم ينفع الأب ابنه في الصغر؟؟ ".
كان النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث ما زال لأبي كميل بالطبع- يأمر صحابته الكرام، فيقول: " ارجعوا لأهلكم فأقيموا فيهم فعلموهم ومروهم" (أي علموهم بأمور دينهم وأمروهم بفعل العبادات والطاعات الواجبات)، بينما لا يرى الأب أن من واجبه تجاه الأبناء سوى المأكل والملبس والمشرب، متناسيا أهم حق عليه: واجب تربيته لهم، بحكم قوامته!
ويتابع أبو كميل: " إن الملاحظ أن العديد من الآباء في العالم العربي قد انغمسوا في توفير الأمور المادية لأبنائهم، تاركين هذا الدور بالكامل لزوجاتهم، والسؤال هنا: هل يعقل أن تتكفل الأم بتربية أربعة أبناء –في المتوسط- طيلة سنوات، لوحدها، متحملة إضافة إلى ذلك أعمال البيت وهمومه من طبخ وغسل ومسح تستغرق جل وقتها، بل وقد تكون موظفة أحيانا؟! هذا مستحيل!".
الأسوأ من هذا كله ما قد تراه من أساليب الآباء في تربية أبنائهم: قد يصفع أب بقوة طفله الذي لا يزيد عمره عن أربع سنوات، لمجرد أنه فعل خطأ ما، أو يضرب أبناءه بقسوة، "تنفيسا" عن غضبه! بل وقد يشتمهم بأقذع الألفاظ أمام الناس، ويصفهم بأبشع الصفات، وكل هذا للتنفيس عن غضبه! على هذه النقطة بالذات، يعلق أبو كميل:" أقول لكل أب: صحيح أن هؤلاء هم أبناؤك، لكنك مسئول أمام الله عنهم، لا يجوز لك أن تضربهم على الوجه، لأن به مجامع الخلقة، ولا أن تضربهم بقسوة، فإنما يكون الضرب "خفيفا، في مناطق لا يضر الضرب عليها، ويكون الغرض منه "التأديب" لا "تفريغ شحنات الغضب"! هل قرأت ما قاله الصحابي الجليل أنس بن مالك عن "حصاد تجربته" منذ الصبا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خدمه وهو لم يزل صبيا صغيرا بعد؟ ".
ورد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا وأرحبهم صدرا وأوفرهم حنانا، فقد أرسلني يوما لحاجته، فخرجت وقصدت صبيانا يلعبون في السوق لألعب معهم ولم اذهب إلى ما أمرني به، فلما صرت إليهم شعرت بإنسان يقف خلفي ويأخذ بثوبي، فالتفت فإذا (به) رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول يا أنيس أذهبت حيث أمرتك؟ فارتبكت وقلت نعم إني ذاهب الآن يا رسول الله(!)".
ثم يكمل أبو كميل: " لقد قال أنس رحمه الله: " لقد خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لم تركته؟"، وكان عليه الصلاة والسلام إذا نادى أنسا، استعمل صيغة التصغير تدليلا له، فكان يناديه بـ"يا أنيس"!، وكثيرا ما كان يوجهه إلى الخير وفعله، مستخدما صيغة "يا بني"! ".
"حقوقهم" على "آبائهم"..
أما عن حقوق الأبناء على الآباء، فيشير أبو كميل إلى ضرورة أن يفهم الوالد هذه النقطة الهامة: إن دوره وواجباته كأب تتغير تبعا لكل مرحلة عمرية يمر بها أبناؤه، ففي الطفولة يستلزم من الأب تدليل الأبناء والعطف عليهم ومداعبتهم، مع تعليمهم مختلف آداب التعامل اليومي، كآداب الطعام وآداب دخول بيت الخلاء، والآداب الاجتماعية كمخاطبة كبار السن باحترام، وقول "كلمة شكرا" عندما يتلقون هدية ما، وأن يكونوا خير قدوة لهم.
يتابع أبو كميل: " عندما يبلغ الأطفال سنا يسمح لهم بالإدراك كالسابعة مثلا، فساعتها يتوجب عليه أن "يجلسهم مجالس الرجال" إن كانوا ذكورا، أو أن يشرف على توجيه أمهاتهم إن كن فتيات، وأن يحرص على بناء شخصية مستقلة لهم، من خلال تعزيز ذواتهم، ومعاملتهم باحترام".
ومن ثم يكمل قائلا: " أما عند الوصول إلى مرحلة المراهقة فالأمر مختلف: على الأب أن يصادق ولده، عملا بالمثل العامي: " إن كبر ابنك خاويه!"، لأن الابن في هذه المرحلة يريد أن يثبت نفسه، فعليه منحه هذه الفرصة، مع "متابعة" الأبناء خلال هذه الفترة. أقول هنا "متابعتهم" وليس "رصد حركاتهم" بشكل خانق يجعل من حياة الفتاة أو الفتى جحيما".
عندما يصل الرجل في أواخر حياته، يجد أن عملية "البر المتبادل" بينه وبين أولاده كما يقول أبو كميل:" عندما يكبر الشاب، فإن على الأب أن يستوعب خصوصية حياته، وخاصة عندما يصبح متزوجا، فإن عليه ساعتها ألا يتدخل في حياته إلا للنصيحة والمشورة في أضيق الحدود، وإذا طلب منه ذلك كي تبقى علاقته مع ولده على أطيب ما يكون. لو نظرت في نهاية الأمر لا يجري من عقوق من الآباء تجاه الأبناء لوجدت أنه نتاج "جهلهم بهذه الحقوق، التي سيحاسبهم الله على عدم احترامها، وعدم تأديتها تجاه أبنائهم. نسأل الله الرشاد والهداية لجميع المسلمين. آمين! ".
"العاقون" لأبنائهم.. "الوجه الآخر" للعقوق!
- التفاصيل