ماجدة أبو المجد
عندما تنعدم النَّخْوة مِن بعض الأزواج، ويَقبلون - بلا أيَّة غضاضة - أن تَتَحَمَّلَ زوجاتهم النَّفَقَة الكاملة للأسرة، وأن تكون هي المُهَيْمِنةَ على كافة أمور الحياة الزوجيَّة، لا لعجزٍ أصابهم أو مَرَض، إنما لأنهم أَنِسُوا الكَسَل، واستعذبوا الرَّاحة.
وهذا ما جَعَلَنَا أمام خَلَلٍ خطيرٍ، وتبديلٍ لسُنَّة كونيَّة، فَطَرَنَا اللهُ عليها، فالأمُّ في هذه الأسرة مُنْهَكة بالأعباء الاقتصاديَّة، والأب خانع ضعيفٌ، والأبناء فاقدون لدور الأم والأب معًا، ومِن ثَمَّ لا يخرج من رَحِم هذه الأسرة إلاَّ ما يُهَدِّدُ المُجتمع.
أمنية "أنيسة":
"لو كنتُ مطلقة أو أرملة لكان الوضع أفضل"، هذا ما تَمَنَّتْهُ أنيسة (40 عامًا)، حيث تَتَوَلَّى النَّفَقة على الأسرة منذ أكثر من خمسةَ عشرَ عامًا؛ لعدم رغبة الزَّوج في الاستقرار في عمل، مما تَسَبَّبَ في مرور الأسرة بعَثَرات مادِّية عديدةٍ، اضطرتْها للخُرُوج للعمل، وهو ما جاء على هوى الزَّوج، حيث رَفَع يدَه عن النَّفَقة تمامًا؛ بل أصبح يُمَثِّل عبئًا إضافيًّا عليها، فيطلب منها كل يوم مصروف يده؛ بحجة البحث عن عمل، مما يزيد الشِّجار اليومي بينهما أمام الأبناء.
قائمة من الأعذار:
أما فاطمة (36 عامًا)، فتَزَوَّجَتْ وهي تعلم أنَّ زوجها بلا عمل، حيث كان يعتمد على أبيه في كافَّة أمور الحياة، وبعد وفاة الأب، ظهرتِ المأساةُ، وخرجت للعمل، وكلما طلبت من زوجها أن يبحثَ عن عمل قدَّمَ لها قائمة من الأعذار؛ منها: أنه لا يجد العمل الذي يلبِّي طموحه، وبالرغم من ذلك لا تسلم من سلاطة لسانه وقسوته الشديدة عليها وعلى الأبناء.
أما زوج سماح (39 عامًا)، فهو ليس عاطلاً؛ بل صاحب عمل، ولكنَّه لا ينفق على الأسرة، بل يُنفق مرتبه كاملاً على احتياجاته الخاصة، ولا يحمل هَمًّا للأعباء الدراسية أو الحياتيَّة للأبناء، معتمدًا على أن دَخْل زوجته أكبر مِن دَخْله، وإذا طلبتْ منه المُشاركة يرفض، ويقول: إن مرتبه يكفيه بالكاد.
انفلات منِ الدين:
يناقش الدكتور خشوعي محمد - وكيل كلية أصول الدين، جامعة الأزهر - هذه المسألة التي كادت تصبح ظاهرةً في بعض البيوت المصريَّة، بأن الأصل في الدِّين أن القوامة وما تشمله من نفقة هي مسؤولية الزوج، وإن أنفقت المرأة على البيت، فهذا من قبيل الفَضْل والإحسان، وما حَدَثَ مِن خللٍ داخل بعض الأُسَر التي قَبِل فيها الأزواج أن تتحمَّل المرأةُ المسؤولية المادية وحدها - هو انفلات من الدين؛ لأن الرجل المتديِّن لا يقبل بهذا، حتى لو قلَّت حيلتُه، فهو مُدرِك ومُطَبِّق لقوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]، ومن ثَمَّ لا بدَّ أن يدركَ هؤلاءِ الأزواجُ أنهم مَثَل وقُدْوَة سيئة لأبنائهم، ولن يجنوا من تخاذُلهم سوى كراهية الزوجات، وعقوق الأبناء.
خَلَل اجتماعي:
ويؤكِّد الدكتور إلهامي عبدالعزيز - أستاذ علم النفس، جامعة عين شمس - أنَّ الأُسَر التي ارتضى الزوجُ القادر على العمل أن تنفقَ الزوجة عليه وعلى الأبناء - تجاوزتْ أن تكون مجرد حالات فردية؛ حيث إنَّ عددها يتزايَدُ، وهو ما يشير إلى خَلَلٍ اجتماعي خطير في قِيَم المجتمع، يُهَدِّدُ المجتمعَ ذاته، مشيرًا إلى أن تحمُّل المرأة مسؤولية الإنفاق منفردة يُسَبِّب لها العديد من الضغوط النفسية، التي تصل بها إلى حد الاكتئاب، حيث تصير كارهةً للزوج، وللحياة عامة، كما أنها غير قادرة على القيام بدورها كأمٍّ، وما من شكّ أنَّ هذا الأمر تكون له تَبعَات نفسية سيئة على الأبناء، فبجانب افتقادِهم للدور التربوي للأم، يفتقدون أيضًا دور الأب، والتي غالبًا ما تَتَّسِم نظرتهم له بالدونية، وهو ما يؤثِّر على نفسية الأب، فيلجأ إلى أحد أمرين: إما معاملة الأم والأبناء بقسوة شديدة، كنوع من التعويض عن رجولته، أو الهروب من الواقع عن طريق الإدمان أو ما شابَه.
ويرى الدكتور إلهامي أنَّ مِثْل هذه الأسر - وما تَحْوِيه من مشكلات نفسية - تُمَثِّل خطرًا كبيرًا على المجتمع، ومنَ الضروري التنبُّه لهذا الخَطَر ومواجهته، مِن خلال المؤسَّسات المعنِيَّة بشأن الأسرة، وذلك بتوفير أقصى درجات التوعية للزوجين، مع المساهَمة الجادَّة في توفير مصادر للرزق الشريف الكافي للنساء المعيلات لأسر، تضمن لهنَّ الإنفاقَ على الأسرة، وفى الوقت نفسه تستطيع القيام بدورها كأم؛ لأن الخاسر الأكبر في هذه القضية هم الأبناء، وهم أكثر استحقاقًا للعطف والتعاطُف.
المصدر: شبكة الألوكة