بقلم / عزة مختار
أتتني باكية منهارة ، علامات الإجهاد تبدو ظاهرة علي وجهها ، وجسدها منهك لم تستطع إلا أن تلقي به فوق أقرب مقعد ، ودون أن تنتظر مني سؤالا ملهوفا عن سبب ما هي فيه وما أدي بها إلي حمل كل تلك الهموم التي بدت جلية علي أكتافها ، انطلقت منها الكلمات يتضح معني بعضها وبعضها مبهم من شدة البكاء ، قالت لي : أدركيني فقد هلكت ، لست ادري ماذا حدث لي ، كيف انحدرت إلي تلك الهاوية السحيقة بلا رغبة مني أو قصد أو حتى إدراك لما يحدث ؟ ضاعت القيم بداخلي فلم أعد أميز أي شيء يجب أن يكون , جذبتني مشاعري إلي حيث طريق لم أعد أعرف متى كانت بدايته وكيف سرت فيه أو إلي أين المصير .
استحلفتها بالله أن تهدأ وقد طوقتها إلي صدري لعلمي احتياجها الشديد إلي تلك المشاعر الدافئة وإلي القلب الذي يعي ما تمر به من ظروف تقصم الظهور وتحطم الصخور ، تلك الإنسانة الرائعة ، الرقيقة المشاعر ، المرهفة الحس ، التي خرجت من بيت يربي أبناءه علي التقوى والصلاح ، وعلي حفظ حقوق الغير خاصة إذا كان ذلك الغير زوج أو قريب ذو رحم يجب أن توصل ، أعلم كيف هي وكيف تعيش وكيف تحتمل الكثير والكثير من ظلم زوج لا يقدر المعروف ولا طيبة القلب ، ولا يعرف للمشاعر قيمة ، دائما ما يذكرها بأنها ليست اختياره  وإنما هي اختيار أمه ، وأنها برغم ما تتميز به من صفات ترفع من قيمة أي زوجة من جمال أخاذ وحسن خلق واستماتة في خدمة الزوج ورعاية شأنه وشأن أولاده والحرص علي كل ما يرضيه ، بل والبحث عن هذا الإرضاء رغم صعوبة الحصول عليه ، إلا أنه لا يدخر وسعا في إهانتها ومقارنتها بمن هم أقل منها جمالا وعطاءا وتفضيلهن عليها ، ثم تلك الكلمة التي طالما يرددها لها في كل وقت وحين " لم تكوني لي " .

لم تتوقف الإهانة عند حد الكلمات اللاذعة الجارحة  ، وإنما امتد الأمر إلي التعدي بالضرب أحيانا والطرد من منزل الزوجية أحيانا أخري هذا غير التقصير الشديد في الواجبات الزوجية التي هي جزءا هاما لضمان استمرار الحياة بين الزوجين بصورة طبيعية بل وتكون دافعا للعبور بأزمات الحياة بسلاسة ويسر وأمان .

تصبر الزوجة المقهورة ، ففي العش أفراخ صغيرة تنتظر  الرعاية والرحمة من أبوين تفتقد عند أحدهم الرفق والعطف والأمان ، ومن اجلهم لا بد من أن تعيش الزوجة وتتحمل مهما كان العنت والظلم ـ هكذا كان يقول لها كل من حولها ، الأم والأب والقارب والجيران الذين يشاهدون ويسمعون كل يوم من تلك المشاحنات ـ واستمعت الزوجة إلي صوت العقل والحكمة لهؤلاء الكبار ، واستمعت إلي صوت الضمير والأمومة ، وقبلت المهانة في سبيل إسعاد النبتات الصغيرة .

كنت معها في كل مشكلة ، وكنت معها في كل غضبة ، وفي كل صولة وجولة ، لكنها هذه المرة كانت مختلفة ، فدموعها ليست ككل مرة ، ليست دموع الذي يشعر بالألم والظلم والبحث عن مخرج ، إنها كانت دموع من نوع آخر، دموع ندم ربما ، أو دموع حيرة من مصير مجهول ، أو دموع استنكار لفعل لم تكن تريد أن تقدم عليه .

اعتادت علي أن تصارحني دائما بأدق التفاصيل ، لكنها في هذه المرة بدت مترددة وزائغة العينين ، تبعدهما عن ناظري وكأنها تخجل من مواجهتي .

ماذا بك اخبريني ؟ أنا أسمعك  وسأفهمك . . .

شردت بعينيها بعيدا في حين لم تنقطع الدموع وقالت : ضربني ضربا شديدا لمجرد أن ذكرته بعض متطلبات الأولاد ، وأهانني بشدة وطلب مني أن أطلب من والدي الذي فرضني عليه هو وأمه بحكم صلة القرابة بينهما ، وقعت وارتطمت بالأرض ، فإذا بيد تسرع إلي تنقذني من إصابة محققة ، يد حانية ، وغضبة شديدة من اجلي ، وصوت يرتفع لينهره نهرا شديدا ، بل ويهدده بأنه إذا اقترب مني بهذه الوحشية مرة أخري فلن يحاسبه إلا هو ، إنه أخوه العائد من سفر طويل ، تمتد تلك اليد الطيبة الحنونة لتنهض بي وتربت علي وتلملم جراحاتي المنثورة في كل مكان في بيتي البارد . 

تمر الأيام وهو يقترب مني وأنا أعتاد ذلك الاقتراب لأجدني نسيت معه آثام الزوج الكاره  الرافض لي من بداية معرفته بي ، أجدني وأنا أتغير تجاه ما يفعله بي إلي السلبية واللامبالاة وعدم التأثر به ، بل أجدني وقد تجاهلت إهاناته وكأنني أصلا لا أسمعه ، ليمتد الأمر إلي قلبي رغما عني ودون قصد مني أو إرادة ، أجدني وقد تعلقت بذلك الأخ العائد الذي مد لي يده يوما بالمواساة والمساعدة ، أجدني وأنا أحب الاستماع إليه ، أجدني لا أنام حتى اطمئن عليه ، أجدني وقد خشيت أن أرفع عيني في عينه حتى لا يلحظ لهفتي فتكون كارثة أنا وأولادي ضحيتها الأولي .

ازداد تعلقي به يوما بعد يوم في نفس الوقت الذي يستميت زوجي فيه في فعل كل ما يكدر صفو حياتي ويزيدني فيه كرها ومقتا . وبرغم اهتمامي بأخيه في ملبسه الذي أعده بنفسي وبرغم اهتمام أخيه بي والذي لم أفهمه في البداية ، إلا أنه لم يعلن تبرم أو غيرة أو امتعاض ولم يوجه لي أي لوم أو حتى لفت نظر .

تعاملت معه بمنتهي الحكمة حتى يظل أخ لي رغم مشاعري التي فعلت المستحيل حتى أخفيها عن الجميع خاصة هو .

واليوم حدث ما لم أتوقعه ولم أضعه في حسباني ، إنه يبحث عن زوجة ، ويطلب مني أنا أن أساعده في البحث عنها ، ويشترط أن تكون تلك العروس المنتظرة أن تكون مثلي في أخلاقي وتصرفاتي ومرحي وتحملي ، ولو استطعت أن أجد فيها ملامحي فيكون خيرا ـ هكذا طلب مني ـ ورغم علمي بحتمية تلك اللحظة فقد صدمني الأمر أي صدمة ، لم أحتمل تخيله مع أخري ، تصوري كيف وصل الحال معي ؟لم يعد يضيرني ما يفعله بي زوجي ، بل إنني احتمل منه الأكثر من ذلك في سبيل أن أبقي وأحبه في صمت دون أن يدري بي أو يعلم مكنون قلبي .

أسقط في يدي ولم أدري ما أقول لها غير أن أذكرها بالله وأن هذا الذي يحدث ما هو إلا خيانة لله أولا ثم للزوج الذي جعل الله عز وجل من صفات الزوجة المؤمنة أن تحفظه في ماله وعرضها ـ مهما كان حاله ـ وان قسوة الزوج أو سوء عشرته ليست مبررا بأن تعيش حتى لو بخيالها مع غيره في عواطف هي من حقه وحده طالما أنها في بيته وتحمل اسمه ، وان رب العالمين جعل لها مخرجا إن استحالت العشرة بينهما وهو الانفصال ، وهو أكرم لها من الخيانة ، وبرغم ألمي من أجلها إلا أنني لم استطع أن أبرئها من الإثم ، وأنه عليها أن تختار بين أمرينلا ثالث لهما : إما تعيش مع زوجه وتتحمله ارضاءا لله ورغبة فيما عنده وفي هذه الحالة يجب ألا تمتد عينيها إلي غيره ولا تدخل بيتها من يمكن أن يحملها علي ذلك حتى لو كان أخيه من باب الطاعة لنبي الله صلي الله عليه وسلم حين سأل عن اختلاط بالحمو فقال " الحمو الموت "

وإما أن تنجو من ذلك العذاب إن لم تقدر علي الصبر وقد كفله الله لها ، تنفصل عنه وتتزوج غيره بدلا من أن يكون استمرارها معه سبب فتنتها وفتنة غيرها من المسلمين .    
ومع كثرة نصائحي لها إلا أنني فكرت  كثيرا في تلك الدوافع التي أدت بها إلي تلك الحالة المتردية من العذاب النفسي  والذي ربما يصل بها إلي حالة من التدهور الإنساني حتى تصبح غير صالحة لأن تكون أما أو زوجة ، وكما طلبت من تلك المرأة الحائرة أن تتقي الله في دينها  عرضها وزوجها وأولادها وأن تبحث في حلول مشكلاتها الحياتية عن مخرج شرعي لا يغضب الله ولا يخل بالعرف الطاهر النظيف .

وكان لزاما علي وأنا أذكرها بتلك الكلمات أن أعود إلي الزوج وأهمس في أذنه أن يتقي الله في الأمانة التي يحملها وفي الأسيرة التي يملكها ، لم يفعل بها ما يفعل وهو المنوط به حفظ دينها وعفتها وكرامتها ؟ ، أيجد بعض الرجال شعورا بالقوة في إذلال نسائهم أو بالتقصير في حقوقهم ؟ . إن النبي صلي الله عليه وسلم قال في حديثه الشريف " استوصوا بالنساء  خيرا " ووصف من يكرم المرأة بالكريم ومن يهينها باللئيم ، لم نجدك في وجه الآخرين بشوشا مرحا بينما حين تصل إلي بيتك نجد رجلا آخر يتسم بالفظاظة والقسوة وكأنه يجد متعته في إدخال الألم والحزن علي أهل بيته ؟ .

عزيزي الرجل : إنك للمرأة حصن حصين حين تزوجتها وأخذتها من بيت أهلها التي طالما أكرموها فيه ، حصنا يمنعها من النار ومن غضب الله ومن الخطأ ومن عيون الناس وكلامهم ، فعذرا إن لمت تكن علي قدر ما يتطلبه منك الأمر كي تكون ذلك الحصن فدعها لسبيلها ولا تكون كمن حبست القطة فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض فكانت من أهل النار

|خاص ينابيع تربوية

JoomShaper