بدر بن سليمان العامر
القضيّة التي تواجه أرباب البيوت في هذا الوقت ليست فقط "توفير الضّرورات" التي لا تستقيم الحياة بدونها من الملبس والمأكل والمسكن، وإنّما توسّع النّاس في الكماليّات حتى أجّلت الأشياء الضّروريّة إلى أجل غير مسمّى.
إنّ نمط العيش الذي يعيشه أبناء المملكة ربّما لا يوجد له شبيه في العالم، والأب عليه مسؤوليّة مضاعفة في توفير المال ليصرف على كماليّات أبنائه من جوّالات وكمبيوترات وغيرها، فإن جاءت مواسم "الأفراح" و"الأعياد" تضاعف الصّرف بشكل لا يمكن أن يكون مقبولاً.
إنّنا لو أخذنا مثالاً واحدًا فقط للأسرة السّعوديّة، وهو ما يتعلّق بـ"الأفراح" لوجدنا أنّ التّكلفة الأساسيّة ليست على كاهل العروس فقط – وإن كان هذا أصبح مجال تنافس وبذخ خطير ـ بل إنّ كلّ مدعوّ في الحفل – وخاصّة من النّساء – هو همّ وحده؛ فالثّوب الذي تلبسه المرأة أو الفتاة في زواج لا يمكن – عرفًا نسائيًّا – أن يُرى عليها مرّة أخرى، وتكلفته بالآلاف، يُلبس مرّة واحدة، ثم يُرمى حتى لا يُرى عليها فتتقاذفها الأعين النّاقدة التي لا تطيقها تلك المسكينة، فإن جاء يوم الفرح فالمشاغل النّسائيّة يتمّ التّعامل معها بالحجز المبكّر، وتكلّف كلّ فتاة أو امرأة ما بين (500) ريال إلى (1500) ريال بالمتوسط للتّجميل، إضافة إلى الأحذية والهدايا التي تُقدّم، وهذا كلّه على كاهل الأب العامل والأمّ العاملة اللّذين تذهب أموالهما في سبيل مجاملات اجتماعيّة وضغوطات عرفيّة لا يستطيع النّاس الفرار منها، وهي تتصاعد في كلّ يوم، فضلاً عن تلك الأطعمة التي يكون مصيرها إلى الأودية أو حاويات النّفايات، تتراكم كالجبال، بينما يعيش بعض النّاس تحت خطّ الفقر.

لقد أثبتت بعض الدّراسات أنّ السّعوديّين ينفقون في الأعياد -وهي ثلاثة أيّام- تقريبًا (13) مليارًا في السّنة، وينفقون (5) مليارات على الأفراح سنويًّا، وينفقون (80) مليونًا على أدوية التّخسيس، و(20) مليار دولار سنويًّا على السّفر إلى الخارج، وينفقون راتب شهرين على الأثاث سنويًّا، وغيرها من المصروفات الكماليّة التي توسّع فيها النّاس فأرهقتهم، فكثير منهم يضطرّ إلى الدّيون التي يكون أوّلها غنمًا وآخرها غرمًا وهمًا، وتجديد القروض البنكيّة كلّ سنة حتى يصرفها على أمور ليست ضروريّة.

إنّ هذا لا يعني الوقوف أمام التّرفيه والسّياحة والتّمتّع، ولكن المقصد هو المطالبة بالاعتدال في هذا وتربية النّاس عليه: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين)، (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملومًا محسورًا).

إنّ قضيّة "إدارة المال" مطلب ملحّ حتى لو أدخل في المناهج الدّراسيّة، فإنّ كثيرًا من الأسر التي تشكو العوز لها مدخولات كثيرة، ولكنّ التّصرّف المالي سيّئ؛ إذ لم يرزقوا بمن يقوم على صرفه بوجهه الصّحيح، والادّخار هو مبدأ نادر في واقع النّاس اليوم، والتّخطيط للاستثمار الطّويل هو كذلك، والاستجابة للبنات والشّباب الصّغار أمر شائع تحمله العاطفة الجيّاشة تجاههم دون تفكير في أولويّات الصّرف ومجالاته الضّروريّة.

إنّ تصاعد هذا الأمر هو الذي سوف يخلق أزمة كبيرة تؤدّي إلى تلاشي الطّبقة المتوسّطة لتكون طبقة فقيرة، وخاصّة مع وجود التّضخّم في الأسعار، التي تجعل الأب المتقاعد ربّما ينفق ثلاثة أرباع راتبه في جوال لأحد أبنائه، ثم يجلس بقيّة الشّهر يستجدي الموسرين وأهل الخير، وعليه فإنّ على المؤسّسات الخيريّة، والمتخصّصة في رعاية الأسر المحتاجة أن يكون لها برامج توعويّة مكثّفة في ترشيد الإنفاق، ومحاولة المقاربة بين الدّخل ومتطلّبات الأسرة، وهذا جزء من الرّسالة التي ينبغي أن يعتني بها الخطباء في منابرهم، والدّعاة في محاضراتهم، والمرشدون في نواديهم الاجتماعيّة حتى يخفّف من هذه الظّاهرة الخطيرة.

JoomShaper