ليلى حلاوة
بذل الجهد في تعليم صغارنا منذ نعومة أظفارهم الأخلاق الكريمة والسلوكيات الحميدة يضمن لهم شخصيات متميزة حينما يكبرون، كما أنهم يتركون بصمتهم على جميع من حولهم وعلى المجتمع بأثره فيما بعد، وتعليم أبنائنا "التطوع" ومساعدة الآخرين بمفهومه الإرادي وغير الربحى سيعكس فيما بعد مدى الوجه الحضاري للوطن بما يحويه من أفراد يدركون أهميّة الفعل العام والعمل الاجتماعي بما يبذلونه تطوعًا وطواعية من وقتهم وجهدهم ومالهم.. وقد حثّنا إسلامنا على التطوع فيقول سبحانه وتعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا"، و"من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره".
ولا يخفى علينا أيضًا ما حدث أثناء الثورات العربيّة عندما وقف الشباب وبينهم الأطفال يحمون الشوارع وينظمون المرور بعدما تخاذل الجهاز الأمني عن حماية الشوارع والبيوت والناس، فقد كانت الصورة جليَّة للعيان بأن ما يحدث في ميادين الثورات العربيّة هو صورة حضاريّة عندما رأى العالم بأسرة كيف تكونت لجان التنظيم ولجان النظافة ولجان الحماية والمستشفيات الميداينّة التي يعالج أطباؤها جميع مصابي الثورة بدون مقابل.
ولكن كيف نعلّم صغارنا كيفيّة التطوع.. هل يكون ذلك بالكلام النظري أم من خلال الفعل العملي؟ وهل لابد أن يكون الأهل قدوة لأبنائهم؟

تقول همت 27 عامًا: اشتركت أنا وابنتي الصغيرة ذات الـ6 أعوام في جمعية خيريَّة بجوار منزلنا، وكنت آخذها يومًا في الأسبوع لتقوم بعمل شيء مختلف تساعد فيه القائمين على الجمعية في أي شيء كتجهيز شنط رمضان أو عمل حفل خيري لجمع التبرعات لمساعدة الأيتام.

أما عادل محمد 35 عامًا فيقول: عودني أبي منذ صغري على مساعدة الآخرين في كل شىء، فإذا احتاج الجيران إلى من يحضر لهم شيئا من الأسفل ذهبت، وإذا كان هناك فريق في الشارع قرّر القيام بأعمال النظافة كنت معهم، وفيما بعد أدركت أهمية ما حثني عليه والدي.. فقد استفدت العديد من الخبرات وأصبح لديّ العديد من الأصدقاء، وقد استكملت المسيرة مع أولادي بالطبع.

مميزات التطوع للأطفال

وفي الإجابة على سؤالنا الرئيسي: ما هي الخطوات العمليّة لتعويد أبنائنا على فعل التطوع تشرح د.دعاء راجح المستشارة التربوية باستفاضة قائلة: تعودنا نحن الآباء على أسلوبين لا ثالث لهما هما أسلوبا الترهيب والترغيب في تربية أبنائنا وفى تعويدهم على العادات الإيجابيّة ويتفاوت الآباء في تغليب أحد الأساليب على الآخر فمنهم من يغلب عليه أسلوب الترغيب ومنهم من يغلب عليه أسلوب الترهيب في محاولة لحث الطفل على السلوك المرغوب، وننسى أو نتناسى أن الطفل كائن متكامل يحمل عقلا وقلبًا وروحًا وجسدًا وأنه يحيط به جو اجتماعي يؤثر عليه بالسلب أو بالإيجاب، فعندما أرغب طفلي في سلوك إيجابي معين لابد أن أخاطب جميع مكوناته وأن أيسر له البيئة المشجعة على السلوك نفسه.

والعمل التطوعي من السلوكيات الإيجابيّة الرائعة التي تثقل شخصية الطفل وتؤثر فيه بشكل إيجابي رائع.

فالتطوع يرسي في الطفل مبدأ العطاء بلا مقابل.. ومبدأ العطف على الضعيف أيًا كان نوعية ضعفه مادية (الفقراء) أو جسدية (ذوى الاحتياجات الخاصة) أو معنوية (الأيتام والمسنين)، كما يشعره بالمسئولية تجاه هؤلاء الضعفاء.

والطفل في عمله التطوعي يتعرف على أشخاص مختلفين فيتعلم معاني العمل الجماعي والتعاون على تحقيق الهدف كما ينمو ذكائه الاجتماعي بتعامله مع أنماط مختلفة عن الأطفال والكبار.

والعمل التطوعى يغرس في شخصيّة الطفل قيمة الوقت وقيمة الحياة فبدلا من استثمار وقته في ألعاب تسعده هو شخصيا يتعلم أن استثمار الوقت في إسعاد الآخرين وما يجلبه ذلك من سعادة شخصيّة.

ويختلف هذا الأثر تبعا لشخصية الطفل والوسط التطوعي الذي يتفاعل معه، ولكن يأتي السؤال.. كيف نحفّز أطفالنا للمشاركة في العمل التطوعي؟

تحفيز الأطفال

تستطرد راجح قائلة: كما سبق وقلنا أننا نحتاج أن نخاطب الطفل عقلا وقلبًا وروحًا ونيسّر له البيئة المساعدة وذلك يتفاوت حسب عمر الطفل، فمخاطبة العقل باقناع الطفل بأهمية هذا العمل له شخصيًا ولمن يقوم بحقه، فأنت سوف تتعرف على أشخاص جدد وتتعلم كيف تتعامل وتتعاون معهم، وكيف تتحمل مسئولية الضعفاء وما قلناه من فوائد العمل التطوعي وما سيجنيه هو شخصيًا.

ومخاطبة القلب والمشاعر بإثارة أحاسيس التعاطف مع المحتاجين والضعفاء.. الطفل لا يفهم ولا يعرف كيف يعيش هؤلاء على سبيل المثال: الأيتام، كيف أنهم محرومون من الأب والأم وتقوم الأم البديلة بذلك لعدة أطفال وليس لطفل واحد وكيف أنهم محرومون من الحب والحنان والألعاب والتنزّه وربما التعليم.. وأنهم بفقدهم هذا الحب يخرجون ناقمون على المجتمع بسبب الحرمان الذى عاشوا فيه، وهذا يؤتي أكله مع الطفل العاطفي وغالبًا ما يكونون من البنات.

أما الطفل الأكثر منطقية وغالبا ما يكونون من الأولاد فبإثارة مشاعر المسئولية تجاه هذا الطفل المحروم، وكما سبق وقلنا يختلف الخطاب تبعًا لسن الطفل، فطفل العاشرة يفهم جيدًا معاني المسئوليّة أما طفل الخامسة فلا يفهمها بالتأكيد.

ومخاطبة الروح بالحديث عن حب الله تعالى للعبد المتطوع.. فمجرد الابتسامة صدقة.. والمصافحة مغفرة للذنب.. وإدخال السرور على قلب المؤمن هو أحب الأعمال إلى الله.. وأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، والسعي في حاجة أخى أفضل عند الله من الاعتكاف، والله في عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه، وضرب أمثلة لمثل هذه الأحاديث حتى يعلم ويوقن بأن حب الله تعالى مرتبط بحبه للضعفاء.

ثم يأتي توفير بيئة تطوعيّة محبّبة للطفل.. بإختيار المكان المناسب ومشاركته على الأقل في البدايات، واختيار العمل المناسب له والذى يميل إليه أو بتجربة كل الأعمال حتى يكتشف حبه لعمل معين.

من المهمّ أن يعود الطفل بنفس الأسلوب السابق على التطوع بماله وبملابسه وبلعبه وحلوياته في مراحل حياته الأولى من أول سن أربع سنوات.

ولنبدأ بـ(الحصالة) وبأقل القليل الذى لا يؤثر على مصروفه، أو الفائض من مصروفه ولنعوده أن يجمع ملابسه وكتبه ولعبه التي لا يستعملها ونذهب معه إلى مؤسّسة التطوع لإيداعها فيه. أو شراء حلويات ولعب وتوزيعها على الأيتام، وأن يتعلَّم أن يعطى بقايا الأطعمة للعمال المحتاجين كعامل القمامة مثلا، أو تصحبه معك وأنت توزع لحوم الأضحية أو أموال الزكاة.

عندما يتعوّد الطفل على العطاء ويرى الكبار يفعلون ذلك سيحب العمل التطوعي في كبره وسيرسّخ لديه مفهوم التطوع مع بلوغه سنّ الرشد.

JoomShaper