حنان يوسف - بصوت واضح وملامح صامدة لامرأة أثقلت تجربتها السنوات قالت معالي (38 سنة) «في الذكرى السادسة عشرة لزواجي، اكتشفت وجود امرأة أخرى وتحديدا زوجة ثانية في حياة زوجي، ارتبط بها منذ سنة كثرت خلالها شكوكي ووساوسي، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة وتأكدت حينما واجهته بمخاوفي. اعترف بالزواج منها رافضا مناقشة الموضوع أو الأسباب والدخول بالتفاصيل،..لم أسمع سوى عبارة «زين أنك عرفتي» متجاهلا مشاعري وأحاسيسي وتلك السنوات والأعوام، ووقوفي إلى جانبه وصبري عليه حينما تعرض للأزمات المالية».
تساقطت الدموع من عينيها تباعا، لم تستطع الكلام، فجأة اختفت تلك المرأة الصلبة القوية لتكشف من داخلها عن أنثى ضعيفة مصدومة، وبصوت خافت همست «لماذا؟.. أنا امراة جميلة بشهادة كل من هم حولي، متعلمة، أعمل طبيبة في أحد المستشفيات الحكومية، ناجحة في عملي، لم أقصر معه في أي شيء، بل بالعكس علاقتنا الزوجية دائما كانت مثار حسد الجميع.. أطفالي متفوقون لا يوجد سبب يدعو لذلك، أريد أن أعرف
ما ذنبي!! أحس رأسي يكاد ينفجر لا أستطيع التحمل».
تمر الأيام طويلة مملة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة عند معالي.. تستسلم للواقع بالرغم من إحساسها بالإهانة، هي تريد الطلاق ولكن ماذا عن أطفالها؟ وحفاظا على استقرارهم النفسي سكتت على مضض لعل الايام القادمة تحمل في طياتها أملا في أن تستعيد زوجها مرة أخرى. تركتنا وغادرت المكان، إنه شعور مؤلم لا طاقة لأي امرأة عليه... «أوان» رصدت آراء قطبي القضية في محاولة للوقوف على الأسباب الحقيقة للرفض أو القبول من جانب الرجل أو المرأة للزواج الثاني.
المجتمع الكويتي يحمل سمات أغلب المجتمعات العربية الخليجية من حيث التركيبة الاجتماعية والعادات والتقاليد والمفاهيم والاتجاهات الفكرية التي يتبناها الرجل أو المرأة، وبما أنه مجتمع إسلامي، رأينا أن نطرح الموضوع للرجل والمرأة من منظور اجتماعي إنساني في إطار رأي الدين المؤيد لتعدد الزوجات، وتشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل للعام 2009 إلى إن نسبة المطلقات وصل إلى 35 % من عدد المتزوجات، وأن معدل العنوسة عند الفتيات في زيادة وشارف على الـ 30 %.
بداية استوقفنا: ل.م (ذات الـ 27 ربيعا)، وكانت تحمل بيدها أوراقا خاصة بمعاملات الطلاق متوجهة إلى المحكمة، وبنبرة التحدي والثقة بالنفس وإن كانت لا تخلو من المرارة أقسمت على أنها مصرة على الطلاق حتى لو كلفها الأمر فقدان عائلتها والتي ترفض ذلك بشكل قاطع وتضيف «أقدر أتكفل بمعيشتي.. راتبي الشهري يكفيني ولن أحتاج إلى وجود رجل في حياتي، حتى لو كان أبي، فإذا كان من حقه أن يتزوج ويختار، فمن حقي أن أقول لا وأرفض، هو اختار وأنا اخترت فأين المشكلة؟
تؤيدها (ع.أ) موظفة حكومية (35سنة)، موضحة أن الزواج قائم على رضاء وقبول الطرفين وبالرغم من صعوبة الطلاق خصوصا مع وجود أطفال إلا أن هذا الوضع الذي فرض علي لم يخضعني أو يجعلني أفرط في حقوقي، وحتما أطالب بالطلاق إذا مضى زوجي بمشروع زواجه من امرأة أخرى وبتمتمة مشوبه بالغضب صبت جام غضبها على المرأة الأخرى التي تقبل أن تهدم حياة هادئة وبيتا مستقرا.. وتعيش على حساب غيرها
تجارب مؤلمة
تؤكد ليالي (ربة بيت 43 سنة) التي مرت بتجربتي زواج، أو بالأحرى نزوات الزوج انتهت بالطلاق في كل مرة ! ان المرأة هي التي تدفع الثمن الأكبر وتتحول الضرة شبحا يطاردها وينغص عيشها بيد أن الاستسلام للأمر الواقع في بعض الأحيان يصبح خيارها الوحيد نزولا عند العادات والتقاليد والمجتمع الذي ينظر للمرأة بعين الاتهام في حال وقع الطلاق. وتأسف ليالي إلى حال الرجال الذين ينظرون للزواج على أنه متعة عابرة....ليس إلا.
وعلى الجانب الآخر أصر عدد من الرجال أصحاب تجربة التعدد على أن الأمر جائز ويمكن التعايش معه، بيد أن التعدد يحتاج أن يكون الرجل لدية القدرة على التوفيق بين الاثنتين، فيقول أبو محمد (50 سنة) متزوج من زوجتين «في البداية كانت الامور صعبة، زوجتي لم تتقبل بوجود زوجة ثانية ولكن بعد محاولات إقناع مني وافقت ومع مرور الوقت تقبلت كل منهما الأخرى وإن كانت المشاكل في بداية الأمر كثيرة. مضيفا زمام الأمور يرجع لقدرة وشخصية الرجل على إدارة أمور حياته بين البيتين... مبينا أن المناوشات والخناقات «سببها الرئيسي الغيرة بين النساء....والأبناء.
ويرى سعود (35 سنة) إن الأمر سهل وبسيط وحق مشروع للرجل «لأنه قبل أن يتزوج المرة الأولى أخبر العروس وأهلها أنه يريد الزواج من امرأة أخرى والجميع وافق والآن لدية 4 أبناء من الزوجتين» ويكمل «الرجل إذا كان يرغب في التعدد عليه أن يكون واضحا وصريحا من البداية ليتجنب المشاكل مع الزوجة الأولى». يذكر أن انتشار زواج المسيار والعرفي وغيره من أنواع الزواج سهلت عملية التعدد دون علم الزوجة الأولى.
وتفضل أم محمد الانفصال على أن تشاركها امرأة أخرى زوجها الذي أفنت معه عمرها وتقول «الراجل يقدر يتجوز على زوجته في أي وقت حتى وإن كانت غير مقصرة في حقه ولكن أنا اعتبره ظلما لي ولا أقبله بأي شكل» على عكسها قالت عهد 30 سنة أنا مستعدة لأسعد زوجي بأي طريقة حتى لو كانت بالزواج علي ولكن يجب عليه أولا إقناعي وأن يختار امرأة ملائمة له ولنا
ضغوط اجتماعية
وللوقوف على رأي من لم يدخل التجربة بعد واختلاف وجهات النظر والتوجهات الفكرية من جيل لآخر رصدت «أوان» آراء الشباب ممن لم يقدموا على تجربة وهل يختلف مفهوم التعدد من جيل لآخر خاصة مع ظل حصول المرأة على عدد من الحقوق المساوية للرجل في عدد كبير من المجالات.
من جانبها تؤكد عهود (26 سنة) أن النظرة الاجتماعية للمرأة الوحيدة تجعلها في حاجة دائمة إلى رعاية الرجل سواء الأب أو الأخ أو الزوج ونحن كمجتمعات شرقية من الصعب والنادر أن تعيش امرأة وحيدة بلا عائلة فتكون تصرفاتها مثار نقد ومراقبة من الجميع ولكن لا يمنع هذا وجود الكثيرات من الناجحات اللاتي جاهدن ليكون لهن مكانة. لذا نجد أن أغلب النساء اللاتي ارتضين بوجود الزوجة الثانية يعتمدن ماديا على الرجل ولا يستطعن الاستغناء عنه وبالتالي يخضعن لتصرفاته. وسجلت علياء رفضها القاطع لمسألة إجبار المرأة على قبول التعدد.
ويؤكد صالح (25 سنة) أن محاربة المرأة الزواج الثاني لزوجها أمر مشروع وينبع من حرصها على بيتها وحبها لزوجها فلا يمكننا أن نلوم امرأة تريد زوجها لها وحدها، ولكن بالمقابل عليها أن تفعل كل ما هو واجب لإرضاء زوجها والاحتفاظ بحبه خاصة انه يتعرض للكثير من الإغراءات اليومية في العمل والشارع وفي الغالب لا يلجأ له الرجل إلا بسبب قصور واضح من الزوجة.
وتعارض خلود (20 سنة) فكرة التعدد مؤكدة على أن التعدد لا ضرورة له ولا يجلب سوى المشاكل على المجتمع مثل تعدد حالات الطلاق بسبب الزواج الثاني وتوضح قائلة «المرأة اليوم لديها القدرة على أن ترفض والمجتمع تغير ولا يمكن أن نفرض عليها قبول التعدد وجرح كرامتها».
فيما قاطعتها أخرى معلنة رفضها للتعدد خصوصا في الوقت الحاضر لأنه الرجل لن يعدل بشرع الله وبالتالي ستتعرض الزوجات لظلم كبير. وبالتأكيد لا يمكن رفضه شرعا وتساءلت لماذا يبحث الرجل عن حقه في الشرع ولا يطبق الشرع في كل شيء؟!!
أمر مشروع
وهناك من يقبل من الفتيات معللات ذلك بأن هذا شرع وحق للرجل وعلى المرأة أن تستسلم للأمر الواقع وتطبق شرع الله ولكن على الرجل أن يعدل ولكن الحريم لا يقبلن بسهولة، وتؤيدها أبرار مشددة على أنها مع التعدد وبقوة لان الله شرعه لسبب وليس عبثا وهو حماية المجتمع وصون المرأة والرجل عن الوقوع في المحظورات.
وبلهجة المستنكر يقول عبد الرحمن (25 سنة) «ليش تنكر الحريم التعدد» هو شرع الله ولا يمكن معارضته أو تحريمه.. وأشار «أنا أوافق على التعدد وإذا وجدت حاجة له هتزوج تاني لكن حريمنا يرون الأمر من زاوية ضيقة وبعدين شنو يعود على الحريم إذا حاربت التعدد طالما لا يأتي على حقوقها والرجل لدية القدرة على أن يعدل بينهن؟.
وهنا يتساءل وليد الراجح (23 سنة) أليس الزواج أفضل من عنوسة البنات وأكثر حفاظا على الشباب والرجال والمجتمع من انتشار المحرمات لماذا نحرم ما أحل الله؟!
إيجابيات التعدد
ولا يمكن إنكار أن التعدد له فوائد وهو مشرع لسبب وهدف معين فالسماح به منح الكثير من النساء فرصة العيش في أمن الرجل من قسوة الحياة والحفاظ على أنفسهن بعيدا عن أعين الطامعين، بالإضافة إلى أنه يحد من مشاكل اجتماعية خاصة مع ارتفاع أعداد النساء عن الرجال في الوقت الحاضر، كما انه يعد وفقا للدراسات الحديثة صونا للمرأة والرجل من الانجراف نحو المحرمات وهذا ما دفع عضوا في أحد البرلمانات الغربية إلى أن يدعو إلى السماح بالتعدد بسبب تزايد أعداد الأطفال غير الشرعيين في البلاد وانتشار البغاء، ودعا الرئيس الشيشاني إلى التعدد رغبة في القضاء على العنوسة، وفي أغلب الحالات التي يلجأ فيها الرجل إلى الزواج بأكثر من واحدة يكون لعدم قدرة الزوجة الأولى على الإنجاب أو لتقصير من جانبها أو رغبته الشخصية في الزواج بأخرى ودائما ما يعلل الرجل رغبة الزواج الثاني لمجرد المتعة فقط بحمايته من الحرام، وهو الأمر الذي يوافق عليه الكثير من المتخصصين مؤكدين أيضا أن الاحتكام للمنطق والعقل لابد أن يكون قائما فإذا كان التعدد لا يمنح الأسرة الاستقرار ويجلب معه الكثير من المشاكل بجانب انه في أحيان كثيرة لا تتوفر حاجة ملحة له في الأصل، فيجب على الرجل غض النظر عنه والبحث عن حاجته داخل المنزل ولا يتحقق هذا سوى بالتفاهم والاحترام المتبادل لرغبات الشريك ومراعاته في كل الجوانب، والرجل والمرأة مشتركان فيما يطرأ على الأسرة من خلل أو عدم اتزان فلا يمكن أن يتحمل طرف كل العبء في حين يبحث الآخر عن راحته الكاملة.
الإناث أشد رفضاً للتعدد
ظهر العديد من الدراسات التي تناولت مسألة تعدد الزوجات من منظور فكري أو ديني أو قانوني إلا أن دراسة كويتية بعنوان «تعدد الزوجات في المجتمع الكويتي.. من منظور سوسيولوجي) رصدت مدى رفض المجتمع الكويتي للتعدد ويقول القائم بالدراسة د. فهد الناصر: «الإناث أشد رفضا للتعدد مقارنة بالذكور» وخاصة الأكثر تعليما بينهن حيث يبدين إصرارا كبيرا على الرفض. ويرجع الناصر ذلك إلى وجود عوامل أخرى تتدخل في هذا الاتجاه غير عامل التعليم كالقدرات المادية والظروف الاجتماعية والمعرفة بحقيقة التعدد من منظور شرعي مؤكدا على إن فكرة التعدد ليست مرفوضة تمامًا ولا مقبولة تمامًا، وإنما الرفض هو الغالب على تقبلها، وأشار الناصر إلى أن الدراسة أجريت على 200 فرد، وتوزعت بنسبة 42 % للذكور و58 % للإناث. جاءت نتائجها لتعلن أن نحو 60 % من العينة يرفضون مقولة إن تعدد الزوجات يفيد في توسيع الروابط بين العائلات، لكن هناك 23 % يتفقون معها.
موضحا أن المرأة عادة هي الأكثر تضررا في حال ارتبط زوجها بأخرى أو هكذا تعتقد معظم الزوجات، ويرجع ذلك إلى المشاعر السلبية التي تسيطر عليها مثل الرفض وتقلل من القيمة الاجتماعية للذات».
مشيرا إلى أن الجانب الآخر وهو (الزوج) يظهر العكس تماما فالرجل قد يرى في ذلك إثباتا لقوة الشخصية الاجتماعية تدعمها قوة مادية تمنحه تحقيق العدل بين الزوجات.
وحول الافتراض القائل إن التعدد يقضي على العنوسة التي يصل نسبتها في الكويت وفقا لعدد من الإحصائيات إلى 30 % يقول الناصر
إن التعدد قد يساهم في حل مثل هذه الظاهرة التي باتت تجتاح العالم العربي وفقا لعدد من الاتجاهات والأفكار التي ظهرت مؤخرا في هذا الشأن، إلا أن المشاكل الاجتماعية التي قد تترتب على الإسراف في استخدام الرخصة الشرعية قد يكون لها الكثير من الآثار السلبية على المجتمع.
الرأي القانوني
للوقوف على الجانب القانوني للقضية توجهت «أوان» بالسؤال إلى د. سعد العنزي حول مدى سماح القانون أن يتضمن عقد الزواج شرطا يلزم الزوج بعدم الزواج من أخرى طوال فترة الحياة الزوجية.
يوضح العنزي أن الشريعة الإسلامية «لا تعتبر تعدد الزوجات ضررا يقع على المرأة، لأن الله أباح التعدد، ولابد أن يكون الهدف منه مصلحة للمسلمين، مؤكدا أن الضرر يقع من قبل المفاسد أي الاستغلال السيئ للرخصة الشرعية». ويضيف العنزي أن قانون الأحوال الشخصية الكويتي يوجب الالتزام بالشروط المنصوص عليها في العقد، وإذا تم تجاوز أي شرط يتضمنه العقد يحق للطرف الآخر فسخه، وذلك ينطبق على جميع أنواع العقود التي يكون عقد الزواج من بينها.
العنكبوت الالكترونية