بقلم/أ. فؤاد أبو سعيد .
تنتشرُ هذه الأيامِ ومنذُ زمنٍ خُصُومَاتٌ أُسَرِيَّةٌ، وَنِزَاعَاتٌ عَائِلِيَّةٌ، تؤدِّي إلى التفكُّكِ بين الأُسَرِ، والتعادي بينَ الأفراد، والاختلافِ والتفرقِ في الأمة، وهذا ما يحدثُ بين الخاطبِ ومخطوبتِه، والأزواجِ والزوجات، والأولادِ والبناتِ مع الآباءِ والأمَّهات، والإخوانِ والأخوات، والجيران وجيرانهم، وأذكر أمثلةً على ذلك:

يفرحُ الشابُّ إذا وجدَ فتاةَ أحلامِه، وتفرحُ الفتاةُ إذا تقدَّمَ لِخطبتِها فارسُ أحلامِها، الخاطبُ ومخطوبتُه، وهذه بدايةُ الحياةِ الزوجيَّة، وأوَّلُ عَلاقةٍ من العلاقاتِ الأسريَّة، وبعد الوفاقِ والاتفاق؛ يبدأُ الاختلافُ على أمورٍ بسيطةٍ يمكنُ تلافيها، والتغاضي عنها وتحاشيْها، مثلُ الاختلافِ على قدْرِ المهرِ المعجَّلِ والمؤجَّل، أو بدعةِ عفش البيت، أو صالةِ الأفراح، أو بطاقاتِ الدعوات، أو عددِ السيارات الناقلة ونوعِها، أو كيفيةِ إقامةِ الحفْل، وعددِ "المعازيم" أي المدعوِّين من أهلِه أو أهلِها، ونوعيَّةِ وقدْرِ المطعومِ والمشروب الذي سيوزَّع إلى غيرِ ذلك من الأمورِ الثانويَّةِ الهامِشيَّة.

لقد رفَضَت مخطوبةٌ خاطبَها، وعندما طلبوا مِنِّي الوساطةَ وجدتُ أن الخاطبَ عندما أراد أن يعلمَها تلاوةَ القرآن؛ اعترضَ على بعضِ مخارجِ الحروف عندَها، كما أخبرتني هي بذلك.

ورفض خاطبٌ مخطوبتَه لأنَّه اشتُرِط عليه المداومة على الصلاة.

ورفضوا خاطبَ أختِهم لأنَّ شعرَه طويلٌ رفض قصَّة أو تقصيرَه, وهكذا.

إنَّ المخطوبةُ إذا رفضت الخاطبَ فلا شيء لها ولا عليها، وإن كان الرفض من الخاطب فطلَّقها؛ فلا له ولا عليه قبل تسمية المهر، ولكن! إن سُمِّيَ المهرُ وبُتَّ فيه؛ فلها النصفُ، إلاَّ إن كان هناك عفوٌ وصفح، قال سبحانه: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة237],وإن طلَّقها بعد الدخول فلها المهرُ كاملاً، ويكونُ الدخولُ بالخلوةِ وإرخاءِ الستور, أما النـزاعات بين الأزواج وزوجاتِهم فحدِّث ولا حرج.

قبل الزواج/ يكون الزوج منشرحاً، مسروراً فرِحاُ، يُتعِب نفسَه بجمعِ المهر، وتجهيزِ البيت، وإقامة الوليمة، وغيرِ ذلك مما يكلِّفُ الأزواجُ بها أنفسَهم، وما تطلبُه مخطوبته منه يُنَفِّذُه فوراً، وكأنَّه حملٌ وديع، وزوجُ المستقبلِ المطيع، فعندما وصلت فتاةُ أحلامِه إليه، وأَمْسَتْ بين يديه، أصبحَ عليها أسداً غضنفراً، وشجاعاً لا يشق له غبار، ولإثباتِ رجولته، وتعريفِها مدى فحولتِه، يصفعُها ويَلطِمُها، وفي وجهها يلْكُمُها، ويرفِسُها وبرجله يركُلُها، ويعلوها بالدِّرَّةِ، ويمشُقُها بالسَّوْطِ، ويخْفِقُها بالنَّعْلِ والحذاء، ناهيك عن الألفاظ النابية؛ من سبِّها ولعنِها، وسبِّ أبيها وأهلِها، أو وصفِها وأهلِها بالألقابِ القبيحة، والأوصافِ الذميمة.

شكت امرأةٌ زوجَها؛ الذي جعلَ وجهَها مرتفعاتٍ ومنخفضاتٍ مختلفاً ألوانُها، فيه جُدَدٌ زرقٌ وخضرٌ وغرابيبُ سودٌ، وكأنّ رُوحَ هذا الزوجِ ونفسَه وإنسانيتَه غابَ عنها إيمانُها، وبخِلَت بعفوِها وصفحِها وإحسانِها، لم يجدْ عصاً مناسبة، أو هراوةً مواتية، فاقتلع رجلَ السرير وقائمتَه، فراغَ عَليها ضرباً بِاليمينِ، وكأنه ينفِّذُ قوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء34]؛بل كأنَّه جلاَّدٌ فارقتْه شفقتُه ورحمتُه، وسجَّانٌ يؤدي مَهَمتَه ووظيفته، ونسي قولَ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ). حديث صحيح

وتناسى قولَه: (لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ اليَوْمِ). حديث صحيح

وتغاضى عن قولِه صلى الله عليه وسلم: (أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ) "يَعْنِي: أَسْرَى فِي أَيْدِيكُمْ" . سنن الترمذي (1163)

عَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟) قَالَ: (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ)، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ["وَلَا تُقَبِّحْ"؛ أَنْ تَقُولَ: قَبَّحَكِ اللَّهُ] سنن أبي داود (2142),فضَرَبَها هذا الضربَ المبرِّحَ لأسباب تافهة، وقبَّحها أشدّ تقبيح.

عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا ,يَعْنِي الْبَذَاءَ) قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَطَلِّقْهَا إِذاً"، قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ)، قَالَ: فَمُرْهَا يَقُولُ: (عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَفْعَلْ، وَلاَ تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ) سنن أبي داود (142)، وعند ابن حبان: "وَلاَ تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ إِبِلَكَ".صحيح ابن حبان (10/ 368، رقم 4510) أي: [أَنْ لَا يَضْرِبَهَا كَمَا يَضْرِبُ أَمَتَهُ، "أي خادمتَه أو بعيرَه أو ناقتَه"، وَلَكِنْ يَضْرِبُهَا ضَرْبًا دُونَ ذَلِكَ, وَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَبَاحَ ضَرْبَهُنَّ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}]. (النساء: 34)، شرح مشكل الآثار (6/  342)

فالضرب المباحُ هو الضرب غيرُ المبرِّح، الذي لا يكسرُ عظماً، ولا يمزِّق لحماً، ولا يسيل دماً.

ورسالتي إلى الشاب: إذا تزوجت فتاة؛ فكن لها أبا وأما وأخا؛ لأنها تركت أباها وأمها وإخوتها وتبعتك، فمن الحق أن ترى فيك رأفة الأب، وحنان الأم، ورفق الأخ؛ فاصبر عليها فإن أغضبك منها خلق، أرضاك منها آخر.

JoomShaper