وليد السليم
في خضم الحياة ومشاكلها المستعصية ومعضلاتها الشائكة وعوائقها التي لا تنتهي يبرز دائما ضوء في نهاية النفق، وليس ثمة استحكام دائم للحلقات فكلما ظن الإنسان أنها عصية على الحل فرجت وكان يظن أنها لا تفرج.
هي طبيعة الحياة فهي جبلت على كدر ونحن نظنها صفوا من الأقذاء والأكدار لكن الظلمة تلك ليست إلا ابتداء لفجر جديد وإشراقة مفعمة بالضياء ومسكونة بالفرح والوفاء.
ويبقى الوفاء ما بقيت الحياة وعندما حدثني صديقي عن وفاء زوجته له وصلت إلى يقين لا يقبل الشك أن الزوجات والنساء أكثر وفاءً من الرجال ذلك ما تؤكده المواقف وتدلل عليه أحداث أكثر من أن تحصى أو تذكر.
الأزواج أكثر من يتنكر للعشرة الطويلة وقد يتخلى كثير منهم عن زوجته لأقل الأسباب وقد ينفصل عنها وهي أحوج ما تكون إليه وكثير منهن أصبن بصدمات عصبية وأمراض نفسية وجسدية بسبب تلك المواقف المؤلمة التي فيها نكران للجميل والمعروف .الزوجات يحفظن المعروف ويقمن بواجبهن في أحلك الظروف فلقد ألم بصاحبي مرض خطير وكان طريح الفراش لأشهر وطوال فترة وجوده على السرير الأبيض كانت زوجته مرافقة له، لم تفارقه ولا للحظة واحدة، ولم تكن زوجته مرافقة له فحسب بل كانت تخدمه وتقوم على راحته وتدعمه نفسياً في كل وقت وحين، كانت هي من تناوله الدواء وتتابع حالته الصحية بكل دقة مع الأطباء والممرضات.
الممرضات في المستشفى أصبحن يتناقلن هذه الخدمة منقطعة النظير التي تقدمها هذه الزوجة الوفية لزوجها ويؤكدن بينهن كم هي وفية هذه الزوجة وصرحن لها أكثر من مرة أنها قامت بدورهن وواجبهن التمريضي تجاه زوجها المريض على أكمل وجه.
يقول صديقي: لم ألحظ خلال فترة علاجي الطويلة أي تقصير من زوجتي ولم تشعرني أبداً بالضيق أو الضجر أو الملل من خدمتها لي وسهرها على راحتي.
ويقول أيضاً: كانت زوجتي الحبيبة صارمة في كل ما يتعلق ببرنامجي العلاجي والحفاظ على صحتي من أي مؤثرات خارجية، كانت تطبق تعليمات الطبيب بكل اهتمام، ولكوني كنت أتعالج في إحدى مستشفيات العاصمة الرياض التخصصية وبعد إجرائي لإحدى العمليات فضل الأطباء إيقاف الزيارة عني لأيام وأتذكر وقتها أنه جاء لزيارتي عدد من الأصدقاء من الأحساء ولكن زوجتي كانت قد أبلغت مسبقا الاستقبال بعدم السماح لأي زائر بالدخول إلي. حاول الزائرون مع الاستقبال كونهم أتوا من مسافة بعيدة لكنها كانت صارمة في منع أي زائر حفاظاً على صحتي من أي عدوى قد تسبب انتكاسة لصحتي.
أما الموقف الذي لا أنساه ما حييت يقول صديقي هو أنني لاحظت ذات مساء أن زوجتي يبدو على ملامحها الحزن فسألتها عن السبب فكانت الإجابة المفاجئة لي حد الذهول، فقد أبلغتني أنها كانت تظن قيامها بواجبها على أكمل وجه هذه الشهور الطويلة وأنا طريح الفراش ولكنها قالت: أنا أشعر بالذنب لأنني قصرت معك ولم أعرف مدى تقصيري حتى رأيت في الغرفة القريبة امرأة تتلقى العلاج بعد أن تبرعت بإحدى كليتيها لزوجها وأن هذه الزوجة المتبرعة بكليتها لزوجها هي الزوجة الأولى لهذا الزوج الذي تزوج عليها لكن العشرة الطويلة بينهما منعتها من التخلي عنه.
أي وفاء تحمله هاتان الزوجتان وأي تضحية قاما بها تجاه زوجيهما؟، بالفعل الدنيا بخير وستبقى بخير ما دام الوفاء موجودا.
وكما قيل فبضدها تتميز الأشياء فالأزواج أكثر من يتنكر للعشرة الطويلة وقد يتخلى كثير منهم عن زوجته لأقل الأسباب وقد ينفصل عنها وهي أحوج ما تكون إليه وكثير منهن أصبن بصدمات عصبية وأمراض نفسية وجسدية بسبب تلك المواقف المؤلمة التي فيها نكران للجميل والمعروف فليس أسهل على كثير من الرجال أن يترك زوجته وربما أبناءه وبناته دون رعاية أو نفقة ليتزوج بأخرى فيميل بقلبه وماله وكل ما يملك للثانية ويترك الأولى تعيش في حالة من الحزن والمرض والخوف والأسى فيعطون أشباه الرجال أولئك أسوأ صور الظلم والتعدي واللؤم.

JoomShaper