سحر يسري
نعم..هذه هي الحقيقة التربوية التي وصلت إليها إحدى الأمهات بعد أن نجحت في فهم ابنتها المراهقة، واحتوائها بالكثير من الحب والاحترام.
أعزائي المربين...
من السمات المميزة لمرحلة المراهقة، إحساس المراهق بأنه قد أصبح شخصًا آخر، فالشاب يشعر بأنه قد أصبح رجلًا، له عقله المفكر، وشخصيته التي لابد أن تُحتَرم، وآراؤه التي يجب أن تُنال من الآباء كل تقدير واحترام، كما أن الفتاة تشعر بأنها أصبحت امرأة ناضجة، لها شخصيتها، وآراؤها التي يجب أن تُحترم.
وفي الوقت الذي يحاول المراهقون والمراهقات أن يُثبتوا فيه وجودهم وشخصيتهم التي يشعرون بها تتبلور يومًا بعد يوم، نجد الآباء والأمهات مندهشون من أصواتهم التي غدت عالية، ومن هذه النزعة الاستقلالية والاتجاه إلى المخالفة في أكثر الأمور.
والحقيقة أن كل طرف يرى وجهًا واحدًا من الصورة.
الآباء يقولون إنهم متمردون..!!
والأبناء يقولون.... لا يفهموننا ولا يحترمون آراءنا..!!
وفي عالم البنات..قد لا نرضى بهذه النظرة المندهشة من الأم؛ إذ أن الأم أقرب إلى ابنتها، وأكثر الناس إحساسًا بها فهي تدرك جيدًا طبيعة المرحلة التي تمر بها الفتاة، وأنها كبرت بالفعل وصارت لها شخصيتها المستقلة.
عزيزتي الأم..ابنتك ليست أنتِ..!
إن فترة المراهقة من أخطر مراحل الحياة؛ لأنهاتعج بالكثير من المتغيرات النفسية والعقلية والجسمية والعاطفية، وهي تحتاج إلىعناية خاصة، وتوجيه خاص، ذلك أن مسيرة حياة الفتاة قد تتحدد خلال هذهالمرحلة، فإن كانت هذه المرحلة معالجًا تربويًا بصورة صحيحة، فإن أثرها هذا سينعكسعلى بقية مراحل العمر.
كما تشعر الفتاة في هذه المرحلة أنه قدأصبحت امرأة كاملةالشخصية،ولم تعد طفلة تُقَاد كما يحلو لوالديها؛ بل قد تسعى من أجل التحرر من قيود الأسرة، وأعرافالمجتمع، لتثبت للجميع أنها تجاوزت مرحلة الطفولة.
ولكي نستوعب فوران هذه المرحلة بكل أعراضه التي قد ينزعج منها الوالدان، لابد أن نضع في اعتبارنا اختلاف الزمان وتطوره، وأنّ الأسلوب الذي تربينا به منذ عقود لا يصلح تطبيقه بشكل مماثل مع أبنائنا وبناتنا اليوم ، ورضي الله عن الإمام علي بن أبي طالب عندما قال هذه الكلمة الخالدة (ربُّوا أبناءكم لزمان غير زمانكم).
ثم نعتمد أسلوب البدء بالعطاء ..امنحي ابنتك حبًا واحترامًا وستندهشين من ردود أفعالها لقاء تلك المعاملة التي تشعرها باحترامك وتقديرك لها..!
وإليكِ عزيزتي الأم ... طائفة من الوسائل التي تعبرين من خلالها لابنتك عن هذا التقدير والاحترام:
- الوعظالمباشرقد لا يجدي غالبًا مع الفتاة في عمر المراهقة، فاعتمدي منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعريض بالنصيحة، فقدكان يقول إذا بلغه شيء عن أحد من أصحابه: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)، ولا يذكر الشخصبعينه حتى لا يجرحه، هذا الأسلوب الراقي يجب أن يتبع من باب أولي مع البنات لفرط حساسيتهن ورقة مشاعرهن.
- تجنبي مثلهذه العبارات: "عندما كنتفي مثل سنك كنت أفعل كذا وكذا، أو أنجح في المدرسة بتفوق أو..." فهذه العبارات تسيءأكثر مما تنفع، لأن المقارنة دائمًا تحمل معنى الدونية، فأنتِ لست ابنتك وابنتك ليستأنتِ، فكل منكما شخصية مستقلة ومختلفة تمامًا عنالأخرى.
- ارفعي مستوى التعامل مع ابنتك على أساس هذا التغيير النوعي والكمي الذي طرأ عليها في التفكير والطاقة والقدرات، وكذلك مستوى المخاطبة والتعامل اللفظي والتوجيهي، فلا تستعملي التلقين والأمر والنهي بقدر ما تستعملي أسلوب العرض والمناقشة والأساليب الغير مباشرة. [الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان الطوري، ص(122)، بتصرف].
- البنات شديدات الحساسية فيما يخص الثقة بالنفس خاصة في بواكير المراهقة وتبلغ هذه الحساسية ذروتها في الرابعة عشرة؛ فعليكِ انتهاز هذه الميزة في تشجيع ابنتك على أن تصبح شخصية اجتماعية واثقة من نفسها، شجعيها على الحوار والنقاش مع أفراد العائلة، واسمحي لها بالتعبير عن رأيها حتى لو خالفتكِ الرأي فهي تُحسّ بالثقة من كونها أقلية ضد الآخرين أحيانًا. [بناتي حياتي، أسماء محفوظ، ص(17)].
- كلإنسان معرض للخطأ، وابنتك المراهقة لا خبرة لها في الحياة، فاحتمال وقوعها في الخطأ وارد بشكل أكبر، لهذا تقبلي فكرة الوقوع في الخطأ، وعلميها أن الخطأ وسيلة لمعرفة الصواب، وأعطيها فرصةالرجوع والتصحيح، وتجنبي تمامًا أسلوب الفضح والتشهير أمام الآخرين، حتى تستعيدابنتك توازنها النفسي، كذلك لا تذكريها بسلوكها الخاطيء، بل فرِّقي بين ذاتها وأفعالها؛ فقد أشارت الدراسات النفسية إلى أنّ الأشخاص الأسوياء كان آباؤهم يلتفتونإلى محاسنهم ويمدحونهم علي أعمالهم الحسنة أكثر من نقد الأخطاء.
- احترميأفكارهاوأصغي إليهاباهتمام، وأشعريها أنّأفكارها ذات قيمة حتى لو لم تكن كذلك، وشاوريها في الأمور المهمة في المنزل، والتي تقوم بها الأسرة، وأتيحي لها الفرصة لمشاركتك في الأعمال المنزلية وإتقانها؛ مثل دخولالمطبخ، وتنظيف المنزل، وطريقة إعداد الميزانية، وحسن التصرف في الادخاروالإنفاق...إنّكِ بذلك تدربيها على تحمل المسئولية وتشبعي رغبتها في إبداء الرأي والمشورة. [أخطاء شائعة في تربية البنات، عادل فتحي عبد الله، ص(30)].
- أثني عليهاعند نجاحها في أي جانب من جوانب الحياة، سواء دراسي أو فني أو خيري، أوفي أي مجال آخر، ولا تجعلي ثناءك فقط علي الجانب الدراسي، فربما كان عند ابنتكِالمراهقة انخفاض في المستوي الدراسي، وقتها تذكري مزاياها الأخرى،وامدحيها عليآرائها الصائبة، وتغاضي عن أوجه القصور، وشجعيها إذا أخفقت لتبدأ من جديد مرةأخري.
- تعاملي معها كصديقة بالغة، تعتزين بها وتجدين راحتك معها، بل يجب أن تشعر أنها أقرب إليك من أي شخص آخر، وأنك تستمتعين بالحديث معها وبكل الأعمال والأوقات المشتركة بينكما؛ فالابنة المراهقة إذا لم تشعر بالعاطفة والود والحب والتفهم، فقد تبحث عنهافي أي مكان آخر، وهذا ما نخافه ونرفضه. كما أن هذه العلاقة بينكما ستشجعها على أن تشكو همومها إليكِ بدلا من الالتجاء إلى الغرباء، فخصصي لها وقتًا كافيًا للجلوس معها يوميًا حتىتشعر بالدفء العاطفي والتواصل والاهتمام بها.
- احرصي على التعامل بالعدل والمساواة بين أبنائك عمومًا، وعدم تمييز أو تفضيل أحد منهم على الآخر، أو مقارنته بالآخرين، ويتأكد العدل مع ابنتك خاصة إذا كانت أقل حظًا من اخوتها في المواهب والقدرات، أو مستوى التحصيل الدراسي، فالمقارنة تولد في نفسهاالإحباط والانهزامية، و الضجر والتهكم عليها قد يطفئ همتها ويشعرها بخيبة الأمل ويزيد منخمولها وضعف مستواها..بينما التشجيع وإبراز الجوانب الإيجابية لديها من شأنه أن يدفعها للتقدم.
- تقبلي ابنتك واحتويها في كل أحوالها، وأظهري أنك تتفهمين مشاعرها خصوصًا وقت السخط وعدم الاستقرار، وقت الحزن، ففي هذه الأوقات يحسن أن تتغافلي عن الانفعالات التي تصدرمنها، مثل كثرة الصياح أو غلق الباب بعنف، أو التلفظ بألفاظغير مألوفة منها، فتحمليها وتسامحي معها، واحترمي رغبتها في الجلوس بمفردها أحيانًا.
- اجعلي نقدك لسلوكها قليلًا وفي موضعه الصحيح، فكثير من النقد الذي يوجهه الوالدين لأبنائهما لا يكون ضروريا، ولا يتناول أشياء جوهرية، بل هو في الغالب يكون فيأمور من الممكن أن تصوب في وقت لاحق أو بمرور الزمن، مثل نقد أسلوب الكلام أو المشيأو الأكل.
- امنحي ابنتك قدرًا أكبرمن الحرية المنضبطة تحت إشرافك وتوجيهك أنتي وأبيها، في اختيار صديقاتها، والتصرف في مصروفها الشخصي، واختيارملابسها في حدود المباح شرعًا، واحترمي ذوقها حتى لو كان ذلك مخالفا لذوقك مادام هذا الذوق لا يتعارض معالشرع أو العرف السليم.
- إن التقاء الأقران يثري خبراتالمراهقين؛ لذلك يجب إعطاؤها الفرصة في الاحتكاك بمن هم فيمثل عمرها على أن تساعديها في اختيار الصحبةالصالحةمن زميلاتها وقريباتها، ومن هن في مثل عمرها من المحيط العائلي والاجتماعي.
وأخيرًا عزيزتي الأم...
إن هذا التمرد الذي تشتكين منه هو بناء الشخصية من جديد، إنه القوة الدافعة نحو المغايرة والتطور..!
وبحسن التوجيه واللباقة تتقبل ابنتك كل ما تسدينه إليها بنفس راضية؛ فالمعامل التي تقوم على الاحترام هي مفتاح التفاهم مع زهرتك، إذ تعطيها الثقة بالنفس، وتدفعها دائما نحو الأفضل، أما التحقير والتوبيخ وفرض الأوامر، فهذا يصيبهابالتردد وضعف الشخصية، وهذا بالطبع ما لا نود لزهراتنا الحبيبات.
المصادر:
- بناتي حياتي، أسماء محفوظ.
- أخطاء شائعة في تربية البنات، عادل فتحي عبد الله.
- الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري.