اعداد/ حوراء عطا الله
مرحلة تشكيل الاسرة:
للأسرة أهمية في حياة وتطور المجتمعات، واهتم الإسلام كثيرا في بنائها وتشكيلها، وأبدى نصائحه وإرشاداته وأحكامه، ليس بعد تشكيل الأسرة فحسب، إنّما قبل تشكيلها. فلقد دعا الإسلام العظيم كلاً من الرجل والمرأة إلى الحرص على أن يكون اختيار شريك العمر في رحلة الحياة مناطه الاعتصام بالدين والأخلاق الحسنة، فذلك هو السبيل الأمثل لبناء أسرة قويَّة تكون عماداً لمجتمع قوي جدير بالريادة والقيادة والخيرية،
والنصوص التي تحض على حسن الاختيار، وتحذر من الاهتمام بالأعراض الزائلة دون الاهتمام بالقيم الخالدة كثيرة...قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم : إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير . ويقول السيد الخامنئي دام ظله في هذا الصدد: إن الإسلام قد أولى المرأة كزوجة عناية خاصة في مختلف المراحل.في الدرجة الأولى: مسألة اختيار الزوج، فقد جعل الإسلام المرأة حرَّة في اختيارها لزوجها، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليها زوجاً. فلا الأقارب لهم أن يفرضوا عليها ذلك، ولا حتى إخوتها ووالدها، ليس لهم أن يجبروها على الزواج من شخص لا تريده، ولا يحق لهم ذلك.. لاحظن أن أحكام الإسلام منذ بدء تشكيل الأسرة تقف إلى جانب المرأة في اختيار زوجها .
مرحلة ما بعد تشكيل الأسرة:
لقد كان لخروج المرأة عن مسؤولياتها الأسرية في البلاد الغربية الوقع الخطير على استقرار العائلة وأمانها النفسي والعاطفي والسلوكي. وهذا ما ظهر ممَّا تقدَّم من كلام لسماحة القائد دام ظله . لذلك ولأجل أن لا يقع المجتمع الإسلامي بما وقع به الغربيون، أكَّد سماحته على ضرورة توازن المرأة المسلمة بين العمل والمنزل. يقول دام ظله : في صدر الإسلام كانت المرأة تتولَّى مهمَّة معالجة جرحى الحرب في ساحة المعركة، بل كانت تلبس النِّقاب وتبارز بالسيف خلال الحروب الشديدة، وفي نفس الوقت كانت تحتضن أبناءها داخل بيتها، وتربيهم تربية إسلامية، وتحافظ على حجابها، فليس هناك منافاة بين كل تلك الأمور. فمن يدقِّق في ذلك جيداً سيجد أن لا منافاة بينها. لكن البعض يعيش الإفراط والبعض الاخر يعيش التفريط. فالبعض يقول بما أن النشاط الاجتماعي لا يسمح لي بالاهتمام بالبيت والزوج والأولاد، لذا عليّ ترك النشاط الاجتماعي والبعض يقول بما أن البيت والزوج والأولاد لا يسمحون لي بمزاولة النشاط الاجتماعي، إذاً عليَّ أن أتخلَّى عن الزوج والأولاد. وكلا النظرتين خطأ، فلا يجوز ترك هذا لذاك، ولا ذاك لهذا . لديكن أعمال أيضاً، وتتواجدن خارج البيت، تزاولن الجراحة، وترين مرضاكنَّ، وتقمن بعمل علمي ما، وتعددن المشروع الفلاني، وتعطين الدرس الفلاني في الجامعة, كل ذلك له أهميته، لكن عليكنَّ مراعاة حصة البيت. طبعاً إن حصة البيت كسائر الأمور، قد تفدى كمية الحضور فيه لصالح الكيفية. إن لحضور المرأة في البيت خلال 24 ساعة معنى؛ فعندما تقللن من ساعات الحضور في البيت، عليكنَّ أن ترفعن كيفية حضوركنَّ، فسيكون لحضوركنَّ المميَّز هذا معنى اخر، وعندما ترين أن عملكنَّ يضر بتواجدكنَّ في البيت كثيراً, عليكن أن تجدن حلاً، فالأمر مهم وأساسي، إلاّ في موارد الضرورة، ففي كل أمر ضرورة تجعله خارجاً عن حدِّ القاعدة. وإنِّي أتحدَّث هنا عن القاعدة، ولا شأن لي بالاستثناءات . وبعد تأكيد سماحة القائد دام ظله على أهمية التوازن بين العمل والأسرة، أشار إلى مسألة مهمَّة وهي: أن المرأة كما أن لها أهمية تربوية في البيت، كذلك لها أهميَّة تأثيرية على جميع أفراد الأسرة خارج البيت أيضاً يقول دام ظله: في أي ساحة تدخل النساء بشكل مسؤول وواعٍ فإن التقدُّم في تلك الساحة سيتضاعف.
المسؤولية التربوية للمرأة:
لقد تبيَّن مما سبق خطورة أن تترك المرأة مسؤولياتها التربوية داخل الأسرة، ولقد تأكَّد مما مرَّ أن الأسرة ليست ملهى ومرتعاً وإنما هي مؤسسة إلهية عظيمة لبناء الأجيال الصالحة، وأيُّ تقصير في التربية الأسرية سيؤثِّر سلباً على المجتمع ككل.فعلى الأم قبل أي شخص اخر أن تحمل هذه المسؤولية؛ بما لها من التأثير الأفعل على أولادها، بحكم أن الطفل يترعرع لمدَّة طويلة في حضن أمِّه، وهي غالباً تكون في البيت، بخلاف الرجل الذي يكون مشغولاً في عمله الخارجي. وقد أكَّد سماحة السيد القائد دام ظله على هذا الدَّور المحوري والأساسي للمرأة قائلاً: إن من جملة مهام المرأة داخل البيت والأسرة تربية الأطفال، فإن النساء اللواتي يمتنعن عن إنجاب الأولاد من أجل عملهن خارج البيت، فإنهن يتصرفن على خلاف طبيعتهن البشرية والنسوية. واللَّه لا يرضى بذلك. إن اللواتي يتركن تربية الطفل وإرضاعه واحتضانه وبذل المحبة والعطف له من أجل الأعمال التي لا تتوقف على وجودهن حصراً، إنَّهن يرتكبن خطأ.إن أفضل أسلوب لتربية الطفل هو أن يترعرع في حضن والدته وينهل من محبتها وعطفها. والنساء اللواتي يحرمن أطفالهنَّ من هذه الموهبة الإلهية يرتكبن خطأ، ويلحقن الضرر بأطفالهنَّ وبأنفسهنَّ وبمجتمعهنَّ. والإسلام لا يسمح بذلك لذا فإن أحد المهمَّات الكبرى للمرأة أن تحنو على ابنها بالعاطفة والتربية الصحيحة وتعيره انتباهها ورعايتها الدقيقة لتجعل من ذلك الموجود الإنساني فتاة كانت أم صبياً تجعله عندما يكبر إنساناً سالماً روحياً، يخلو من العقد والابتلاءات، لا يشعر بالمذلَّة، ولا يعاني من البؤس والقهر، كالذي تعاني منه الأجيال الشابة الغربية في أوروبا وأمريكا.إن الإسلام أكَّد على أهميَّة دور المرأة في الأسرة كثيراً، وعلَّة ذلك هي أن المرأة إذا كانت تحب أسرتها وتهتم بتربية الأبناء وترعى أطفالها وترضعهم وتحتضنهم...، وتزوِّدهم بالزاد الثقافي والقصصي وتعلمِّهم الأحكام والقصص القرانية والحكايات المفيدة، وتقدِّم ذلك لهم كتقديمها للطعام لهم، فإن أجيال ذلك المجتمع سيكونون سالمين راشدين. هذا هو فنُّ المرأة، وهو لا يتنافى مع دراستها وتدريسها وعملها ودخولها السياسة وأمثال ذلك .
المرأة صانعة الرجال:
إن الناس يتحدَّثون بإجلال وإكبار عن صانعي الأدوات المادِّية، ومخترعي الأمور المادِّية، ومبتكري الأعمال الأدبيَّة الشعريَّة والفنيَّة، ويقدِّمون لهم المنح والهدايا.يتحدَّثون بافتخار واحترام عن مكتشف الكهرباء وقانون الجاذبية وعن غيرهما من المكتشفين والمخترعين. إلا أن ما أغفله النَّاس ولم يعطوه الأهمية المطلوبة هو المرأة صانعة الرجال.إن كلَّ كلمة تلقيها المرأة في بيتها لها دويٌّ كبير على نفوس أولادها بل نفس زوجها بالذات.إن كلَّ سلوك تقوم به المرأة في أسرتها له تأثير قوي على سلوك أسرتها وحتى زوجها. فعلى المجتمع أن لا يستهين بدور المرأة الريادي والصناعي. بل على المرأة ذاتها أن لا تستهين بدورها في صناعة الرجال.
ألم يقل القائل: وراء كلِّ رجل عظيم امرأة عظيمة .
هذا المعنى أشار إليه السيد القائد دام ظله بقوله: ... إن أهم بناء هو بناء الإنسان، ليس بناء جسم الإنسان فقط، بل بناء عواطف الإنسان وأخلاقه، أن يربّين في أحضانهن بشراً دون عقد، وإنساناً صحيحاً وسالماً، تلك هي أهم قيمة لعمل المرأة . إن للمرأة المسلمة في الأسرة واجبات ومهام، وهي أن تمارس دورها كركن أساسي للأسرة، وأن تربي أولادها، وأن تكون عوناً روحياً لزوجها. خلال مرحلة المواجهة مع نظام الطاغوت في إيران، كان هناك رجال كثيرون يخوضون ساحة الصراع، لكن نساءهم لم تدعهم يكملوا المواجهة، لأنَّهن لم يطقن صعوبات المواجهة، ولم يكن لديهن إيثار. وهناك من كانوا على العكس من ذلك، حيث كان النساء يشجِّعن أزواجهنَّ على المواجهة ويقدِّمن لهم العون، ويشكِّلن بذلك الرافد والداعم الروحي لهم. ففي عامي 1979 ـ 1978م عندما كانت الشوارع والأزقة، مملوءة بالناس، كان للنساء دور مهم في تعبئة أزواجهنَّ وأبنائهنَّ وتوجيههم نحو ساحة الصراع والمواجهة والتظاهر انظر إلى دلهم بنت عمرو ، زوجة زهير بن القين التي قالت لزوجها عندما حطُّوا رحالهم في زرود ، وجاء إليه رسول الحسين عليه السلام ، فتحيَّر ووجم ولم يعرف جواباً فبادرته قائلة: سبحان اللَّه أيبعث إليك ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ولا تجيبه؟ ما ضرَّك لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت؟ فكان موقفها ودعمها الروحي وتشجيعها سبباً لتحويل زهير إلى معسكر الحسين عليه السلام. المصدر*دور المرأة في الأسرة, سلسلة في رحاب الولي .
المرأة المســـــلمـــة وبنــــاء الأســـرة
- التفاصيل