أمين ابو وردة ورنا خموس
كثيرا ما يتم الحديث عن الفارق العمري بين الشاب والفتاة لدى اقترانهما معا دون ان يكترث البعض للفارق لكن تبقى في داخل الفتاة هاجس الفارق حاضرا بسبب تداعياته المستقبلية.
وتختلف وجهات النظر من فتاة لاخرى فيما الرجل يفضل دوما الفتاة التي تصغره كثيرا شعورا منه بانه صاحب السلطان والناهي في بيت الزوجية.
وتبدي إكرام أبو عيشة استعدادها بالارتباط بمن يكبرها بالعمر، وتعتقد أن توفر صفة الثراء في شريك حياتها حاجة ماسة وشرط أساسي لاقترانها بعريس المستقبل، فالفتاة تحلم بليلة زفافها وتحلم بشريك حياة يسعدها ويوفر لها كل احتياجاتها ومتطلباتها سواء مهمة أو غير مهمة، المهم أن تعيش حياة هانئة، وان لا تشغل تفكيرها بكيفية توفير لقمة العيش لها ولأبنائها.
وتضيف إكرام" أنا مستعدة بان ارتبط بشخص يكبرني ب15 عاما، فالعمر ليس بالأمر المهم، ولكن شرط أن يكون ثري، فأنا فتاة مثقفة ومتعلمة وبإمكاني تجاوز عمره بالتفاهم، ولي مقدرة بالتعامل مع كبار السن، ولن يكون عمره حاجز لسعادتنا، ولكن الفقر هو الحاجز الوحيد الذي يعرقل حياة أي شخص.
وعن تجربتها، تقول رنا كلبونة: لقد ارتبطت بشخص يكبرني ب17 عاما، كنت حينها بعمر 26 عاما وكان يبلغ من العمر 42 عاما، لم التفت إلى العمر، وجدت فيه الصفات المناسبة، ولكن بعد عام من زواجنا كانت الفجوة بيننا تتسع، لم اعد أتحمل الحياة، كانت الحياة الأسرية له محور مهم وليست من الأولويات وكنت أراها أمر ضروري وأولوية، عشت معه بالخليج لمدة عام وعندما حملت بطفلة قررت العودة وان أضع طفلتي بين عائلتي، عدت وبعد عام وأربعة شهور، لم اعد قادرة على الاستمرار والعودة، طلبت الطلاق بعد تفكير عميق، وكان الأنسب بيننا أن نفترق.
وتتابع رنا حديثها : لا أمانع من الارتباط مرة أخرى وان كان فرق العمر كبير، فما زلت أرى أن العمر ليس سبب رئيسي لعدم تفاهم الزوجين وان كنت أفضل التوافق بينهما، وان مرت ابنتي بظروفي، فلن أقف بوجهها أن أرادت الارتباط بمن يفوقها عمرا، ولكن المهم أن يكونوا متفاهمين وان تختار وهي مقتنعة به اقتناع تام.
أما إياد الديك، الذي يشير إلى أن هناك منحى لدى الفتيات في اختيار شريك حياتهم بان يكون مقتدر ماليا، فالفتيات لا يأبهن للشاب إن لم يلبي لهن احتياجاتهن فلا يترددن بفسخ الخطوبة، وهناك حالات كثيرة اعرفها كانت علاقتهما تنتهي قبل البدء بها بسبب الوضع المادي للشاب، لهذا أنا لا أمانع بان تكون شريكة حياتي اكبر مني بأكثر من عشر سنوات، خاصة إن كانت تملك المال وان واجهت رفض من عائلتي، المهم أن تنفق علي.
عوامل مشجعة
فيما ترجع سمية الصفدي مديرة مركز شؤون المرأة والأسرة اختيار الفتيات بكبار السن إلى عدة عوامل مختلفة حسب الأسرة والمجتمع وثقافة الفتاة نفسها.
فهناك الثقافة والعادات والتقاليد التي تلعب دورا كبيرا في اختيار الفتاة لشريك حياتها، فهناك تقليد سائد بين الأفراد أن فرق العمر للرجل مهم، وان يكون كبير بالسن أمر ايجابي، لأنه أكثر حكمة وعقلانية، ويفضل أن يكون الرجل اكبر سنا من المرأة، لأنه أفضل بكل شيء، وهذه الفكرة متوارثة تنقلها الجدة للام وللابنة، كما أن هناك ثقافة دارجة بأن المرأة تكبر وتهرم أسرع من الرجل، لها عامل كبير في ذلك، فالمرأة كما هو سائد في مجتمعنا أن الصغيرة لن يتزوج عليها زوجها لأنها تبقى يافعة وجميلة بنظر زوجها، لهذا لا تمانع الفتاة من اقترانها بكبار السن.
ومن جهة ثانية، تذكر الصفدي: تعويض الحنان إن كان غائب في الأسرة، وعلى أساس ذلك تريد الفتاة إن تعوض حنان الأب إن كان متوفى أو في حالة فراق أو حتى فكرة مقدار حنان الأب الذي ينتقص من رجولة الرجل، والتي تغيب عن أولاده وبناته بالأسرة، فالفتاة بهذا العمر تبحث عن ذلك الدفء الأسري الذي تراه بمن يكبرها سنا.
أما عن الآثار المترتبة على هذا الشكل من الزواج، ستكون هناك عواقب كثيرة لا بد منها، بعد مضي سنوات من الزواج ستدرك أن الزواج ليس فقط مال، فهناك أمور ستترتب على حياتها فيما بعد، وسيكون الوضع مختلف بالتفكير والثقافة والآراء والحوار، وسينعكس على تربيتها للأطفال وعلى حياتها اليومية مع زوجها، وستبحث عن عما يسد ثغرات زواجها بطرق تؤثر على حياتها.
ارفض بشدة
وفي المقابل، لا توافق سماح الشامي أن تقترن بمن يكبرها بأكثر من عشر سنوات، فالزواج بنظرها ليس فقط حفلة فاخرة وسيارة وبيت فخم، ومن ينظر إلى الناحية المادية عند اختيار شريك الحياة تشك بأنه لن يندم بالمستقبل البعيد.
وتصف الزواج بالرباط المقدس، وبالبناء الذي يعمره كلا الطرفين، فالحياة الزوجية تعني المشاركة على الحلوة والمرة كما يقال، وما يأتي خلاف ذلك شكليات زائلة، لان المال لا يبني البيوت، بل التفاهم والحب هون ما يبني البيت والسعادة.
وتضيف، أن للأهل تأثير كبير على الفتاة في اختيار شريك حياتها، وخاصة إن كانت أوضاعهم الاقتصادية صعبة والعائلة الكبيرة ونحن نعيش بمجتمع متوسط أفراد العائلة فيه ستة أفراد، ونمر بوضاع اقتصادية ليست بالجيدة، فهذا الزواج يكون مهرب للفتاة من وضعها المعيشي والاجتماعي، لهذا لا تهتم بالعمر والتوافق الفكري كشرط أساسي، بل يكون الجانب المادي من أولوياتها في تلك الحالة.
حنان شملاوي ترى أن الحياة السريعة التي يعيشها جيل اليوم لهو عامل أساسي في اختيار شريك حياتهم، فالفتاة تبحث عن الراحة، لا ترغب بإنسان تتعب معه في حياتها، خاصة إن كانت خلفية البنت من أسرة فقيرة، ولكن ذلك سيترتب عليه آثار لاحقة عندما تمضي عليهم سنين الزواج، ويكبر الزوج وهي لا تزال صغيرة بمقتبل العمر، حينها ستبدأ المتاعب والمشاكل بالظهور وسنطبق عليهم المثل القائل " يا ماخدة القرد على مالو..بروح المال وبضل القرد على حالو".
وتضيف :أنا شخصيا إن تقدم احدهم لخطبة ابنتي وكان يكبرها بأكثر من عشر سنوات سأرفض بشدة، فالفتاة بهذا العمر لا تعرف مصلحتها، وزواجها سيكون عبء عليها لاحقا، فالمشكلة هذه لم تعد مرتبطة بالعادات والتقاليد بقدر ما أنها ثقافة أصبحن الفتيات مقتنعات فيها، فالبحث عن عريس ثري، أمر مهم وباقي الأمور تأتي لاحقا.
لا يوجد توافق
أما الدكتورة سلام طبيلة طبيبة صحة المرأة ورعاية الحوامل، توضح أن فارق العمر بين الزوجين يأتي حسب عمر الفتاة لان جسد الفتاة هو المستهلك دائما، فهي التي تقع عليها مسؤوليات الحمل والولادة والرضاعة والأسرة والمنزل، وتلك أمور تنتقص من قوة جسدها، ويترتب عليه نقص بالحديد والكالسيوم وإنهاك من قوة جسدها، ولكن بالنسبة لفرق العمر إن كانت الفتاة بعمر الخامسة عشر وارتبطت بشخص يكبرها بأكثر من 10 سنوات، تكون مشكلة، لان جسدها أصلا بطور بناء ويكون هناك زواج مبكر، ولكن صحيا إن كانت تبلغ أكثر من الثامنة عشر، لا يوجد هناك مشاكل صحية مترتبة عليها أو على زوجها وان كان يكبرها.
وتذكر طبيلة: أن مجتمعنا يفضل أن يكون الرجل اكبر سنا من المرأة، لان جسد الرجل غير مستهلك، وجسد المرأة مستهلك بسبب الحمل والرضاعة وغيرها من المسوؤليات، وما متعارف عليه في مجتمعنا بان المرأة تهرم بشكل أسرع من الرجل نتيجة العوامل التي ذكرت آنفا لذلك يكون التفضيل باختيار من يصغرهن سنا.
آثار جمة
الدكتور ماهر أبو زنط رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية، يصف "فرق العمر" الكبير عند اختيار شريك الحياة بالمشكلة الاجتماعية، ويعزو ذلك إلى الآثار المترتبة على زواج لا يوجد فيه شرط أساسي من شروط الزواج الناجح وهو التوافق العمري والذي يترتب عليه أمور عدة، والذي نهايته خلافات وعدم تكيف أو خيانة زوجية.
ويفند ذلك إلى أسباب متعددة، أولها يعود إلى الفتاة نفسها ولعائلتها باختيار عريس ثري وغني ومقتدر ماليا يوفر متطلباتها، والبحث عن مركز اجتماعي معين من خلال شريك الحياة، بان يكون طبيب أو مهندس وغيره، وذو مكانة مرموقة مجتمعيا.
والبعض الآخر، تكون لديها تجربة سابقة أو تتأثر بتجارب الآخرين، إذ تعتبر أن الشاب المبتدئ يكون غير ناضج اجتماعيا، ولا توجد لديه القدرة الجدية للزواج، وسبب آخر يعود إلى أن هناك فتيات قد تجاوزن سن الزواج المتعارف عليه "سن العنوسة" أو تكون غير جميلة، لهذا تقبل بأزواج كبار بالسن.
يشير إلى أن الميل إلى المظاهر والعادات والتقاليد أصبح عاملا ومحرك باختيار شريك الحياة، فنظرة الفتاة قد تغيرت من جيل لآخر، فأصبحن يرغبن بعريس يوفر لهن متطلبات الحياة، جاهز من كل النواحي، وان يتصف بالاستقرار المادي، رغم أنهن لا يكن مقتنعات بالعريس ولكن يقبلن أن توفرت فيه ذاك العامل، الذي أصبح للأسف الشديد عامل أساسي للقبول بالزواج.
ولا يخفي أبو زنط، أن العامل السياسي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، والذي انعكس على الوضع الاقتصادي يعتبر عامل أساسي باختيار شريك الحياة، فمن غير الممكن أن يتوفر بشبابنا كل تلك الصفات ولا يوجد لديهم عمل، مع ارتفاع نسب البطالة، والحصار والحواجز المفروضة على المدن والقرى، فالفتاة أصبحت تبحث عن مخرج ومهرب من الفقر إن كانت الظروف المادية تحكم أسرهم في تلك الحالة، وان كان لا يوجد توافق بالعمر.
شبكة فلسطين الإخبارية