مي عباس
ليس سهلًا أن تتعرضي للخيانة، إنها إحدى أصعب المشاعر وأكثرها تعقيدًا، صدمة وألم وغضب وتفكير في الانتقام والانزواء والابتعاد.. فقدان للثقة في جدوى الأشياء.. في الأشخاص وفي المشاعر، وفي النفس أيضًا.
ولك كل الحق أن يمنعك الحزن والغضب من اتخاذ قرارات متزنة، أو التفكير المنطقي، ولكن أسوأ الخيارات أن تجعلي الانفعال هو رد فعلك، تحرقي أعصابك كل يوم، وتتأرجحي بين الحسرة والصدمة والنقمة حتى مع مرور الأيام..
أسوأ الخيارات أن يظل الطلاق هاجسًا لا تقوين عليه ولكنه في الوقت نفسه يظل يشغل بالك ويطرأ على تفكيرك فقط ليعرقل أي حل آخر، وليعوقك عن أن تعيشي حياتك.. فتختاري الطلاق رد فعل بينك وبين نفسك، ولكنك في الوقت نفسه لا تصرين عليه ولا تتخذين القرار، لعشرات الاعتبارات الهامة، فلا تستفيدين من التفكير فيه سوى أنه يلقي بظلال رمادية باردة على أي تفكير أو خيار آخر.
لا أشجعك على الطلاق أبدًا، ولكنني أؤكد لك على أن ما هو أسوأ من الطلاق كثرة التفكير فيه، لأنك بهذا تحصدين كل الثمار المحروقة، فلا تستفيدين من الطلاق ولا تكملين حياتك الزوجية بشكل سليم وتنهضين بها، والأهم أنك لا تكسبين نفسك.. بل تستمرين في حالة النكد والألم.
الحياة لن تقف طويلا عند ألمك، وقصتك ستصبح قديمة حتى لدى أقرب الناس إليك، ومشاعر زوجك بالذنب أو التعاطف أو القلق ستتوارى، وسيسعد شيطانه باختيارك لخانة اللافعل، فيقوى عليه ويجره إلى الأسفل أكثر، ويجلب لك صدمات جديدة.

وعندما تعلنين لنفسك أنك اخترتِ البقاء.. فإليك بعض الرسائل الموجزة والهامة لتكسبي معركتك.. نعم فهي معركة، معركة للفوز بنفسك أولًا، وللفوز بالحياة الطيبة، وللفوز بالزوج أيضًا.. ولبناء بيت سوي لنشأة الصغار:

الرسالة الأولى: إلى الله المشتكى

قبل أن تلجئي لأقرب الناس.. قبل أن تشاركي همك على شبكة الإنترنت، الجئي إلى ربك، فلا يعلم مقدار حزنك إلا هو، ولا يقدر على جبر كسرك إلا هو.. ولن يتولاك في أي قرار غيره، فاجعلي نفسك في معيته، وألقي همومك على بابه، وفجري دموعك بين يديه.

الرسالة الثانية: حافظات للغيب

استري بيتك وزوجك ونفسك قدر استطاعتك، فالحديث عن الأعراض خطير، فلا تجعلي من نفسك قصة تلوكها الألسن، ويتسلى بها الحزانى والمعذبين!

ولا تنتظري من أحد كلمة تغير مجرى حياتك، أو تهدئ قلبك، فقد تنفعل لك إحداهن وتزايد على مشاعرك بعبارات من قبيل:" لو كنت مكانك لما صبرت".. أو "كيف تتحمل كرامتك هذا؟".. وقد تكون مبتلاة بأضعاف ابتلائك.. وإن لم تكن فالناس متفاوتون، ولكل علاقة خصوصياتها، وتفاصيلها الدقيقة.. فلا تلقي بأسرارك في الشارع، وأخفي ما استطعت.. واجعلي طلبك للمشورة في دائرة آمنة: "من يحبك ومن له عقل وقلب".. هذا شرطان أساسيان قبل البوح.

الرسالة الثالثة: استردي نفسك

تذكري أن ما وقع لك هو ابتلاء من الله، هذا هو التوصيف الحقيقي للأمر.. يريد الله أن يطهرك ويذهب عنك كل رجس وسوء، لتكوني ممن يأتيه بقلب سليم.

قال تعالى:{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. 88-89 الشعراء.

وهناك أسئلة مهمة يجب أن تطرحيها على نفسك:

هل كان تعلقي بزوجي زائدًا؟..

هل كان محور حياتي؟.. هل شغلتني محبته عن محبة ربي وديني؟..

هل جعلني الزواج إنسانة راكدة الهمة ضعيفة الطموح.. ينحصر تفكيري في الهموم الصغيرة؟

لو أن قلبي اعتدل حاله.. هل سأكون إنسانة أفضل، متنوعة النشاطات، مقبلة على صلاتها وذكر ربها؟

فقد رأيت أن أغلب النساء اللاتي يتعرضن لمحنة الخيانة هنّ صاحبات التعلق القلبي الشديد بالزوج، وهذا التعلق قد يخنق الزوج دون أن يفيده.. فالمرأة الواثقة بنفسها، التي تعرف حق زوجها دون مبالغة وإفراط تكن أقدر على إسعاد نفسها وإسعاده.

فائدة هذه الأسئلة ليست هي التبكيت واللوم، وإنما أن تفتحي لنفسك آفاقًا أخرى بعيدًا عن دائرة الزوج.. عليك فورًا أن تبدئي أنشطة جديدة في حياتك، لن أسميها لك فلكل امرأة ظروفها وميولها، ولكن استردي نفسك.. وابحثي عن موطأ لقدميك تحققين فيه ذاتك، قد يكون الدراسة، أو العمل الخيري، أو النشاط الاجتماعي، قد يكون مكانًا أو صحبة أو كتب تقرأينها أو دورات...

لا تترددي فانخراطك في هذه الأمور ليس هروبًا من جرحك، وإنما هو تضميد لها، ومصدر قوة لتقفي على قدميك، وتنظري إلى العالم الواسع خارج ألمك الضيق، وعندها تأكدي أنك ستقدرين على رؤية أزمتك بشكل صحيح والتعامل معها بثقة لم تعهديها من نفسك من قبل.

الرسالة الرابعة: احذري لعبة القط والفأر

بعض الرجال يستمتعون بإثارة غيرة زوجاتهم، ومن لا يستمتع بهذا الأمر، فمع مراقبة الزوجة وتجسسها يحلو له أن يتلاعب بها.. وقد يجد في هذا نوعًا من الاهتمام، أو إثبات للذات، وبخاصة كلما تقدم في السن.

فاحذري أن يرى زوجك منك هذا.. فيستمتع بلعبة القط والفأر، بينما تدمرين أعصابك وتستمرين في تتبعه والتفكير والشك.

بالتزامن مع إصلاح حياتك، وإعادة تقييم علاقتك الزوجية، يجب أن تكفي عن شكوكك تمامًا.. فهذه الشكوك لن تنتهي، وفي فترة الإصلاح الزوجي التي تبدأينها بعد الخيانة من المتوقع أن تحدث ردات ومحاولات من الزوج أو الأطراف الأخرى لملاحقته، واطلاعك على التفاصيل سيوهن قوتك، ويملؤك يأسًا..

الرسالة الخامسة: نقطة ضعف زوجك

تفقد المرأة كثيرًا من ثقتها في نفسها في أعقاب الخيانة، وغالًبا ما تشك في نقاط قوتها.. فتهتز ثقتها أولَا في جمالها وأنوثتها، ثم في جاذبيتها ولطفها الإنساني، وتدخل في متاهة سخيفة من المقارنات، ورغم أنها تقول لنفسها وللغير أن خيانة زوجها غباء منه وضعف إيمان ولكن هذا لا ينفي أنها تتعرض لهزة قوية في نظرتها لنفسها.

إنها طريقة تفكير خاطئة، فالخيانة هي زلة الرجل، استغل فيها الشيطان ضعفه فأوقعه.. وفي تقييمك الصادق لنفسك بعد هدأة انفعالك، وترتيب أوراق حياتك الزوجية، يجب أن تبحثي عن نقطة ضعف زوجك..

فالبعض قد يخون بحثُا عن الاهتمام...

والبعض قد يخون لأنه لم يجد عفته..

والبعض قد يخون ليثبت رجولته واحتياج المرأة له في الوقت الذي تظهر زوجته كل استغناء واستقلال!

والبعض قد يخون بحثًا عن دلال وحنان.. ومشاعر حب متوقدة.

والأكثرية تخون من باب التسلية لضعف الأفكار وقلة المشاغل التي تستولي على الفكر والقلب..

ونقطة الضعف الأكيدة لدى كل خائن هي قلة إيمانه.. وغياب مراقبته لربه.. فالدعاء له بالصلاح، وتذكرته بالله هي أولى وسائل انتشاله..

وإدراكك لباب فتنته ومحل عثرته سيوفر عليكما عناءً كبيرًا، فقد تكونين في عينه الأجمل، ولكن جمالك خبا وذبل لأنه خلا من رقة أو ثقافة أو اهتمام أو حنو..

أنت أدرى الناس بزوجك، ولا بأس بحوار هاديء لا تبحثين فيه عن أدلة اتهام وإنما تسعين لفهمه بشكل أكبر.. لتعرفي من أين جاءته الفتنة؟.. وكيف استسلم لها؟..

نعم الخيانة هي خطيئة الرجل، ولكن بيدك – إن شاء الله- أن تحمي بيتك وحياتك من رجسها.

JoomShaper