منى السعيد الشريف
الجمال مطلب وأمنية كل نفس سوية، وقلما تجد نفسًا تستبشع المنظر الحسن إلا وبداخلها مشكلة نفسية أو أزمة اجتماعية، والجمال مطلوب بالأخص في الزوجين كي تتآلف النفوس وتدوم أواصر الود، فقد خلق الله المرأة مخلوقًا جميلًا يصعب مقاومة سحره، وخاصة من طرف الرجال، حيث يقول  " صلى الله عليه وسلم" : «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن».
والوصية النبوية في ضرورة نظر الخاطب لمخطوبته أشهر من أن تذكر، فعن المغيرة بن شعبة قال: خطبت جارية من الأنصار، فذكرت ذلك للنبي  " صلى الله عليه وسلم"  فقال لي: «رأيتها؟» فقلت: لا، فقال: «اذهب فانظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» فذكرت
ذلك لوالديها، فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقمت، فخرجت، فقالت الجارية: عليَّ بالرجل، قال: فرجعت، قال: فرفعت ناحية خدرها، وقالت: إن كان رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فإني أحرج عليك أن تنظر. قال: فنظرت إليها فتزوجتها، فما تزوجت امرأة كانت أحب إليَّ، ولا أكرم عليَّ منها.
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة  "رضي الله عنه"  أن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  قال للرجل الذي تزوج امرأة من الأنصار: «أنظرت إليها؟» قال: لا، قال: «فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا».
إلا أن الجمال على أهميته ليس المقوم الوحيد والأوحد لحياة زوجية هنية، وأكثر ما في الأمر أنه أحد أركان منظومة متعددة الجوانب، وعامل من عدة عوامل، لا ينفرد عنها بأهمية خاصة ولا ميزة فردية، فالجمال لا قيمة له مع الزوجة البلهاء ضعيفة العقل أو ممسوخة

الشخصية، وما ينفع الجمال مع المرأة غير النظيفة، وهل للجمال فائدة مع الزوجة الملولة أو الكسولة أو الكذوبة.. والنماذج كثير.

النفس ملولة

لكن المشكلة تتجلى وبوضوح عند البحث عن شريكة الحياة اقترانًا مع ضعف خبرة الشباب بجوانب الحياة الزوجية النموذجية، حيث يتوق جميع الشباب إلى الزوجة الصارخة الجمال، وصار الأمر كحال الجائع الذي يجول خاطره في صنوف الطعام، ويتصور أنه يمكن أن يلتهم طعام الدنيا بأسرها لو تهيأ له.

والكل يتناسى أن النفس ملولة، وأنها تمل حتى أنعم النعم لو طال العهد بها، وتتشوق دومًا للتجديد والتغيير، ولو استرسل المرء مع رغباته ونزواته لما دامت عشرة بين زوجين.

ولذلك كان للتجديد دور لا يستهان به في استقرار الحياة الزوجية، والقضاء على سحابة الفتور والملل التي تغيم عليها، من تجديد في المظهر وفي الثقافة، والتجديد حتى في طبيعة التحاور والتواصل (الهدية نموذجًا) والعلاقات الخارجية بالأسرة وترتيب المنزل.

بل ربما صارت الزوجة الجميلة بلاءً وشقاءً لزوجها، خاصة إذا كانت متكبرة ترى في جمالها منحة لا يستحقها زوجها، وأنها ببهاء منظرها الخلّاب كان يمكن أن تتزوج الأقوى أو الأعلم أو الأغنى.. وهنا مكمن الخطر الذي ربما يهدد استقرار الحياة الزوجية، فمثل هذه

الزوجة لا تلين لها قناة مع زوجها، وهي أشبه بالناقة الشاردة عن مسيرة القافلة، منوعة متمردة دومًا، وهي إلى الخيانة أقرب، وحينها تقع المصيبة العظمى التي تأتي على كيان الأسرة بالكامل.

العبد والسيد

والطامة الكبرى لو تسرب هذا المفهوم المدمر لقناعة ونفسية الزوج، فاعتقد أن زوجته الفاتنة أكبر منه بمراحل، وأعظم مكانة بمسافات، فهو بينها ممسوخ الشخصية، كالعبد بين يديّ سيده، وكالأسير بين يديّ آسره، يبذل قصارى جهده لينال الرضا، وهيهات له النيل، فهو

المكدود المتعب، بل ربما شقي في هواها، وتحمل عنها ما هو منوط بها من طبخ وغسل ومسح ورعاية ولد.. لا يرد لها طلبًا ولو فوق إمكاناته، ولا يعصي لها أمرًا ولو بان له خطأه وجوره، بل ربما استدان ليرضيها، واختلس ليكفيها، وقطع رحمه ليحتويها، لا يبالي في هواها بصواب من خطأ، أو حلال من حرام.

وهذا عين المذمة وأبشع فخ تنصبه الزوجات للأزواج، وهو «الهوى» الذي يهوي بصاحبه إلى أتون الشقاء في الدنيا والآخرة، ولذلك يقول الماوردي: (وقد كرهوا شدة الجمال البارع؛ لما يحدث عنه من شدة الإدلال المؤدي إلى قبضة الإذلال).

الزوج التعس

ويقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في وصف حال هذا الزوج التعيس: (هؤلاء عشاق الصور، من أعظم الناس عذابًا وأقلهم ثوابًا، فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقًا بها مستعبدًا لها اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من فعل الفاحشة الكبرى فدوام تعلق القلب بها بلا فعل الفاحشة أشد ضررًا عليه ممن يفعل ذنبًا ثم يتوب منه ويزول أثره من قلبه، وهؤلاء يشبّهون بالسكارى والمجانين).

إلى أن قال ـ رحمه الله-: (وإذا كان العبد مخلصًا لله اجتباه ربه فأحيا قلبه واجتذبه إليه، فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء ويخاف من حصول ضد ذلك، بخلاف القلب الذي لم يخلص لله فإن فيه طلبًا وإرادة وحبًا مطلقًا فيهوى ما يسنح له ويتشبث بما يهواه ( كالغصن) أيُّ نسيم مر به عطفه وأماله، فتارة تجتذبه الصور المحرمة وغير المحرمة فيبقى أسيرًا عبدًا لمن لو اتخذه هو عبدًا له لكان ذلك عيبًا ونقصًا وذمًا).

العش الزوجي

أما الزوجة الجميلة مع الرجل الغيور غيرة مرضية، فحياتها في جحيم كجحيم السجون بل أشد، فقائمة الممنوعات طويلة، وتصرفاتها دومًا تحوم حولها الشكوك والظنون من زوج لا يرحم مشاعرها ولا يعتبر لنفسيتها، فهي في استجوابات مستمرة وحصار محكم لا تنفك منه

أبدًا. وتهمة الخيانة أقرب ما تكون منها، ويمكن أن يقذفها بها الزوج في أي وقت، فحياتها مهددة، وثقتها بنفسها مبتورة، وعشها الزوجي أتون نار وقوده الرقابة الصارمة والتخوين البشع والريبة العمياء.

وآفة الارتكان على الجمال وحده أنه لا يبقى على حال، خاصة مع تفلت السنوات وذهاب الشباب، أو حلول مرض يؤثر على نضارة لطالما أثرت قلوب ناظريها، وتلك حال الأيام، وحينها يبقى للعشرة الحسنة والدين القويم الأثر الخالد الذي لا تمحوه تقلبات السنون، ولذلك كان أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق كما قال النبي العدنان  " صلى الله عليه وسلم" .

أما إن كان الجمال وحده هو لب الحياة الزوجية؛ فهي حياة فقر ونضب لا حياة نماء ورخاء، وصدق رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «فاظفر بذات الدين تربت يداك» أي: افتقرتا، أو لصقتا بالتراب من شدة الفقر إن لم تفعل. قال القاضي: «عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى أربع خصال (المال، الجمال، الحسب، الدين)، واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره، فلذلك حث المصطفى  " صلى الله عليه وسلم"  بآكد وجه وأبلغه فأمر بالظفر بذات الدين الذي هو غاية البغية ومنتهى الاختيار والطلب، الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة. وقوله: «تربت» أصله دعاء لكن يستعمل لمعان أخر كالمعاتبة والإنكار والتعجب وتعظيم الأمر والحث على الشيء، وهو المراد أيضًا هنا».

إن من أشد الغبن أن نختار شريكة العمر على أساس جمال الشكل وحده، فالجمال شجرة وارفة الظلال كما يزينها جمال الهيئة، هناك أيضًا جمال الروح، وجمال الطاعة، وجمال العقل والتدبير.. وجمال الدين الذي معه سعادة ربانية لا تدانيها سعادة، ومن ذاق عرف.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الوعي الإسلامي

 

JoomShaper