إن هذه الفترة التي تسبق فترة الامتحانات يطلق عليها البعض فترة التوتر وشد الأعصاب، وكثيرًا ما تكون كذلك، ففي هذه الأوقات يبذل الطلبة أضعافًا مضاعفة من المجهود والتعب كي يحصلوا ما فاتهم طوال العام كما يمنحوا وقتًا كبيرًا للاستذكار والمراجعة، ومن بين كل ذلك نلاحظ عن جلاء حرص الشباب على سؤال خبير أو مشورة ثقة أو تتبع آثار متفوق رغبة في الحصول على غايتهم المنشودة وهدفهم الكبير وهو التفوق والنجاج.
وكان من أهم ما تطرح حوله الأسئلة ويثير الاهتمام في حس كثير من الشباب هو (كيف نذاكر بفاعلية)، ولهذا كان جديرًا بالاهتمام أن نضع بين أيديكم تلك اللمسات الهامة والخطيرة في مسيرتكم على طريق المذاكرة الفعالة.

النقطة الأولى:

إن النقطة الأولى التي تحفزك وتدفعك إلى التفوق والاجتهاد وبذل كل ما في وسعك في فترة الامتحانات، أن تهفو نفسك إلى حلم ويستثير نفسك طموح، فأنت أيها الشاب لم تأت لهذه الأرض للهو ولا للعب، بل جئت لرسالة عظيمة خالدة مفادها تعمير هذه الأرض وبناؤها، قال الله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61]، وقال جل في علاه يبين مهمة الإنسان في هذه الحياة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، فلماذا لا تكون من بين هؤلاء ممن يصنعون الحضارة ويشاركون في إحداث نهضة الأمة وشعار كل واحد منهم: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].
فأنا أحدثك عن تحقيق حلمك أنت، فحلمك يعد أكثر ما يدفعك ويدفع أية نفس بشرية للاستمرار في التحدي والعزم على النجاح، وها أنا أضع بين يديك موقفًا لشخصية من واقعنا المعاصر يدلل لك على أهمية ما أقول فها هو الدكتور أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1999، كان دائمًا ما يكتب على دفاتره وعلى باب غرفته (الدكتور) وهو لم يزل طالبًا في المراحل الدراسية الأولى وكان والداه يناديانه بالدكتور أحمد، فقد امتلك هدفًا وقاده ذلك الهدف إلى الوصول لمناه.
وربما يتعلل بعض الشباب ويقولون ـ وهذا كثيرًا ما نسمعه ـ ولكن المذاكرة ثقيلة جدًا وأشعر أني لا أطيقها، وهنا يرد عليهم جيمس باري قائلًا: (سر السعادة ليس هو أن تفعل ما تحب، ولكن أن تحب ما تفعل.
بل حينما سئل الدكتور أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء قال: (النجاح هو تحديد الهدف، ومن هنا فلابد للباحث الذي يطمح في النبوغ وتحقيق الأمل الذي ينشده، أن يجمع بين المثابرة الحديدية، التي تجعله ينكب على عمله بجد واجتهاد، والموهبة التي هي هبة من الله سبحانه وتعالى، ويبقى شيء ثالث ينضم إلى هذين العنصرين، وهو وجود الهدف، وأنا أعتقد أن كلمة نجاح معناها تحديد الهدف، فالنجاح هو الابن الشرعي هذه العناصر معًا) [آفاق بلا حدود، محمد التكريتي، ص (50)].
ثلاثية الهدف:
بعض الشباب حينما يهم بتحديد الهدف نراه يقع في خطأين، أول هذه الأخطاء أن يحدد هدفًا، ثاني هذه الأخطاء أن يطلق الهدف، ربما ظننت أن الخطأ الأول كتب عن طريق الخطأ لكن لم يكن كذلك فهذا مقصود، فأولى الأخطاء فعلًا أنه يحدد هدفًا غير أن هذا الهدف يكون سلبيًا فيقول مثلًا: (أنا أريد ألا أرسب، أو لا أريد الحصول على درجة منخفضة)، ثاني هذه الأخطاء كما ذكرنا "إطلاق الهدف" فلا يضع هدفًا محددًا بل ويكون هذا الهدف غير قابل للقياس.
فخلاصة القول:
ضع هدفًا إيجابيًا، فلا تقل لا أريد أن أحصل على كذا، أو لا أريد أن أرسب، بل كن إيجابيًا في تحديدك لهدفك وقل: (أريد أن أنجح).
اجعل هدفك قابلًا للقياس فلا تقل أريد أن أنجح بأي درجة أو أي مجموع، ولكن قل أريد أن أنجح بمجموع فوق التسعين بالمائة مثلًا أو بتقدير كذا.
ومن المهم كذلك أن تكتب هدفك، فلابد أن يكون الهدف الذي ترمي إليه مكتوبًا؛ فإنك حينما تكتب الههدف تثبته في عقلك وتقيم الحجة على نفسك وتلزمها به.

ثانيًا: خارطة الطريق:

لقد اتفقنا سويًا على أهمية وضع الهدف، ولكن هذا لا يمنع من أن نقول إن تحديد الهدف ليس هو أهم ما في الأمر، فالأهم منه هو خطة السعي وراء تحقيق ذلك الهدف والالتزام بهذه الخطة، ولهذا يقول ستيفن إيه برينان: (يمكننا الوصول إلى أهدافنا فقط من خلال خطة نعتنقها بشدة ونعمل على تنفيذها بقوة ليس هناك طريق آخر إلى النجاح).
ولكن ماذا نعني بوضع الخطة:
نعني بذلك أن نأتي بكل مادة ثم نضع مجموعة الخطوات التي يجب أن نتبعها لتحقيق الهدف المطلوب، ولنعطي مثالًا على ذلك: لو أننا نريد وضع خطة لمادة تتألف من 300 صفحة، فكيف تكون الخطوات العملية الطبيعية وزمن كل خطوة من الخطوات؟ تكون كالتالي:
·       قراءة فهرس المادة (ساعة واحدة).
·       قراءة المادة قراءة سريعة: (6 ساعات)، (فقراءة الدرس قراءةإجمالية سريهو تفيد كثيرًا في سرعة فهم الموضوع عند معاودة قراءته تفصيلًاودراسته بإمعان، كما تفيد في سرعة الحفظ والقدرة على التركيز والتغلب علىالسرحان) [د.حاتم محمد آدم، الصحة النفسية للمراهقين، ص (138)].
·       الحفظ (15 ساعة تقريبًا).
·       المراجعة (6 ساعات).
·       إذًا فإن مجموع الساعات التي تحتاجها هذه المادة 28 ساعة، وهذا على سبيل المثال، وبالتالي لو كنت أذاكر في اليوم مثلًا سبع ساعات فهذه المادة تحتاج إلى أربعة أيام مذاكرة، وهكذا تفعل في كل مادة ثم بعد ذلك تضع الجدول الزمني لهذه الخطة التي شملت جميع المواد فربما تذاكرة مادة واحدة في اليوم أو مادتين أنت واختياراتك حسب الخطة والجدول الزمني الذي قد وضعته بنفسك.

نصائح تهمك:

·       إذا ما سرت على الخطة التي حددتها والجدول الزمني الذي وضعته لكل يوم فاحرص على أن تترك مناخ مذاكرتك جذابًا للمرة التالية: ثم (استغل الدقائق الأخيرةفي إعادة ترتيب المكان، والاستعداد لجلسةالمذاكرة التالية، وهو أفضل توقيت للتخطيط مقدمًا لما ستفعله فيما بعد.
·        ثم كافئ نفسك فورًا عن كل فترة استذكار مثمرة، لأن مفتاح النجاح في العمل هو أن تجعل المكافآت بسيطة وفورية، بعد العمل مباشرة وليس قبله) [الاتجاهات الحديثة في دراسة مهارات الاستذكار، د. محمد عبد السميع رزق، ص (4)]، فنحن نستمتع بأداء الأشياء التي ننتظر المكافأة عند الانتهاء منها وهذا لاشك سيدفعك دومًا للعمل.
·       ابدأ بالأسهل والأكثر متعة في البداية: وهذا قد يخالف قاعدة مزعومة بأن تؤدي الأصعب والأقل متعة أولًا، فأداء الأسهل أولًا سيهيئك للمذاكرة، وستشعر أنك أنجزت شيئًا، مما يحفزك على الدخول فيما هو أصعب منه [قوائم الحياة للمراهقين، باملا اسبلاند].
·       ذاكر في نفس المكان كل يوم: ففي هذا المكان يتكون لك رابط المذاكرة، وتتعود على الجدية في العمل، ولذا حافظ عليه، ولا تذاكر على الفراش وإلا سيغلبك النعاس، ولتجلس على مكتب أو منضدة، واحرص على الإضاءة الجيدة في مكان المذاكرة، وابتعد عن مصادر التشويش [قوائم الحياة للمراهقين، باملا اسبلاند].
·       حين الانتهاء: لاشك أن الشعور الذي ستترك به المذاكرة هو الذي سيعلق بذهنك، وحينما تفكر في المعاودة مرة أخرى سيندفع إليك ذلك الشعور، فعليك إذًا كما أحسنت الابتداء أن تحسن الانتهاء، وذلك بطريقة تساعدك على استكمال المذاكرة فيما بعد، وإليك طريقتان لإنهاء المذاكرة بصورة جيدة وفعالة:
·       احفظ عملك بطريقة تسهل عليك الوصول إليه: في نهاية المذاكرة استخرج مادتك، واحفظها في ملف، احفظ المعلومات والملاحظات التي دونتها في مكان محدد؛ حتى لا تضيع وقتك في البحث عن المعلومات أو الملحوظات، التي حفظتها ونسيت مكانها بعد ذلك.
·       كن عبدًا شكورًا: فالمولى تبارك وتعالى يقول: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: ٧]، فلتحمد الله تعالى، ولتشكره على ما وفقك إليه من العمل، وسيزيدك من فضله بإذن الله تعالى، وسيهبك من عطاياه.
وفي الختام أنشدك أبياتًا حسناء رصعها الزمخشري في حسن وبهاء:
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي          من وصل غانية وطيب عناق
وتمايلي طربًا لحل عويصـة              أحلى وأشهى من مدارة ساق
وصرير أقلامي على أوراقها        أحلى من الدوكاء والعشاق
وألذ من نقر الفتاة لدفها                    نقري لألقي الرمل عن أوراقي
أأبيت سهران الدجـى                    وتبيته نومًا وتريد بعد ذاك لحاقي
المصادر:
الاتجاهات الحديثة في دراسة مهارات الاستذكار د. محمد عبد السميع رزق.
د.حاتم محمد آدم      الصحة النفسية للمراهقين.
قوائم الحياة للمراهقين باملا اسبلاند.
آفاق بلا حدود        محمد التكريتي.

 

مفكرة الإسلام

JoomShaper