أحمد عبد الجواد زايدة
تعد المفاهيم الأدوات التي يتم بها فهم الواقع وتعقيداته ؛ والمفاتيح التي يتم بها فك شفراته وألغازه ؛ ومن خلالها وبها يتم قراءة الظواهر وتحليلها واستقراء الحوادث واستنتاج النتائج ...
ومن ثم عنِي الشارع الكريم ببناء التصورات في بادىء الأمر وصياغة المفاهيم وصناعة أفكار الأذهان وبناء منهج التفكير وسبل المحاججة وأدوات الجدل والمنطق؛ وقد كان الأمر المِفتاحي لهذه السبل هو قول المولي (عز وجل) ... "اقرأ" ...
ولهذا كانت عناية الشارع ببناء تصورات الإنسان عن الأجوبة علي الأسئلة الوجودية عن الخالق وعن سؤال النشأة والمهمة والمصير وعن الكون وعن الحياة وأدوارها وعن العالم ؛ وبناء مفاهيم الإنسان عن (الحياة) و (الدنيا) و (العمل) و (الخير) و (الشر) لبناء تصورات مركبة ومتسقة تمثل الرؤية الإسلامية التي تكون حال تجسدها في ذهن وعقل الأمة الجمعي يستحيل واقعًا فاعلاً وفعالاً مولدا لقيم الخير مُجسدا للقيم الإسلامية التي تقيم الحياة الطيبة وتؤسس العمران بكافة مستوياته ؛ وتؤسس المدينة الصالحة بتعبير العلامة ولي الله الدهلوي.
فهل فتش أحد مِنا عمَا بعقله؟ وهل اختبر أي منا مفاهيمه وتصوراته ؟ هل هذا الأمر محل سؤال واختبار وأهمية بالأساس؟! بل هل هو مطروح؟! ... أمر يحتاج لوقفة.
ومن ثم نفهم وندرك حكمة الأوامر الإلهية بالتدبر والتفكر والحفز والدفع إليها والسير والنظر وتقليبه في مدارك وعواقب الأمم كي تري كيف أثرت التصورات والمفاهيم -صحة وفسادا- صوابا وخطأ- علي واقع الناس وحياتهم.
وفي هذا الصدد يقول الإمام ابن القيم في كتاب الفوائد:
(واعلم أن مبدأ كل علم اختياري هو الخواطر والأفكار ؛ فإنها توجب التصورات ؛ والتصورات تدعو إلي الإرادات؛ والإرادات تقتضي وقوع الفعل. وكثرة تكراره تعطي العادة. فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار؛ وفسادها بفسادها.
فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحَبِ الذي يوضع في الرَحي؛ ولا تبقي تلك الرَحي معطلة قط ؛ بل لا بد لها من شىء يوضع فيها؛ فمن الناس من تطحن رحاه حبا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره؛ وأكثرهم يطحن رملا وحصي وتبنا ونحو ذلك ! قإذا جاء وقت العجنِ والخبزِ تبين له حقيقة طحنه!!).
فتش في عقلك وأعد صياغته ودقق في مفاهيمك فتلك البداية ... وإن خَفت.
فتش في ....
الوعي الشبابي