د. جاسم الياقوت
ما أجمل الصداقة .. وما أحسن الحياة مع الأصدقاء وما أتعس الحياة بلا صداقة صادقة.
فقد اشتقت الصداقة من الصدق، فكل واحد من الصديقين يصدق في حبه لأخيه وإخلاصه له، والصداقة مشاركة في السراء والضراء والبذل والعطاء.
فالصديق الحق هو الذي يكون بجوار صديقه وقت الشدة، ولا يتخلى عنه حين يحتاج إليه.
صديق يسترك.. يشعرك وجوده بالأمان يمد لك ذراعيه يفتح لك قلبه ويجوع كي يطعمك ويظمأ كي يسقيك ويقتطع من نفسه كي يغطيك.
وسؤال يلح علينا من حين لآخر مع ما يمر علينا من مواقف مختلفة عبر قطار الزمن: هل تغير مفهوم كلمة الصديق في زماننا وأصبحت هناك صداقة واحدة تسمى صداقة المصالح؟
إن عملية اختيار الأصدقاء من أصعب الأمور التي تمر على الإنسان، حيث صدق القول الذي يقول: اختر «الصديق قبل الطريق».
وهذا الاختيار تبنى عليه أجزاء رئيسة من مستقبل الإنسان، لان الصحبة لها تأثير كبير على سلوكيات الفرد، ويتأثر بها في حياته وبعد مماته.
تستمر الصداقة لأوقات طويلة، ربما تشمل عمر الإنسان بأكمله منذ طفولته وحتى شيخوخته، بل إن هذه الصداقة ربما تتجاوز الحياة أيضاً، فكم من صديق خصص الكثير من وقته ليحيي سيرة حياة صديقه.
وقد أورد القرآن الكريم الصديق بمعنى الصاحب في أروع مثال للصداقة بين الرسول المصطفى وصاحبه سيدنا أبوبكر الصديق: « إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا» (سورة التوبة – الآية 40).
وكذلك من أروع الأمثلة أيضاً على الصحبة، عندما تتحول العلاقة الزوجية إلى صداقة.
فنحن نرى مشكلات كثيرة قد تحدث بين الزوجين وتستمر خلافات، ولا يتغلب على هذه الخلافات إلا إذا تحولت العلاقة بين الزوجين ما يطلق عليه «حسن العشرة»، و»الصحبة المباركة» والصداقة.
ومن أروع الأمثلة على ذلك قصة ذلك الفلاح الهندي الذي حفر جبلا وشق داخله طريقا.
ففي قرية تحيطها الجبال من كل ناحية وقعت فيه زوجة فلاح هندي يسمى «دسارت» أثناء عملها على رأسها، وأصيبت إصابة خطيرة جدا، وبسبب بعد المسافة بين المستشفى والقرية والطريق الطويل ماتت رفيقة الدرب بين يدي زوجها وهو عاجز لا يملك من أمره شيئا.
لذلك وبعد دفنها قرر الفلاح قليل الحيلة أن يتصرف بيديه، كي ينهي تلك المأساة التي يعيشها هو وأهل قريته فأحضر معداته وقرر أن يحفر بيديه طريقا صخريا بريا بين الجبل، ليقلل مسافة السفر من يوم كامل إلى ساعة واحدة، ويحفر الطريق وحده وبيديه لمدة اثنين وعشرين عاماً.
وإذا بحثنا عن الصداقة الحقيقية التي وضحت من خلال الأمثلة السابقة، نرى أن الصديق نوعان: كحامل المسك، ونافخ الكير.
صديق يساعدك .. يقف بجوارك وينتشلك من ضياعك ويأتي بك إلى الحياة يمنحك شهادة ميلاد جديدة وقلبا جديدا ودما جديدا وكأنه يوفر لك لحظة ميلاد جديدة كنت بحاجة إليها ولم تجدها.
وصديق يهدمك.. يهد بنيانك القوي ويكسر حصونك المنيعة يشعل النيران في حياتك ويعيث الخراب في أعماقك ويدمر كل الأشياء الجميلة من حولك.
ومن الأقوال التي أعجبتني في أنواع الأصدقاء:
صديق يخذلك.. يتعامل معك بسلبية يمارس دور المتفرج عليك يتجاهل ضياعك ويسد أذنيه أمام صرخاتك حين يحتاجك، يسعى إليك بشتى الطرق، وحين تحتاجه يتبخر كفقاعات الماء.
وصديق يخدرك.. يسيطر عليك يحركك بإرادته يحصي عليك أنفاسك يتفنن في تمزيقك فلا تشعر بطعناته ولا تصحو من غفوتك إلا بعد فوات الأوان.
وصديق يسترك.. ويشعرك وجوده بالأمان يمد لك ذراعيه يفتح لك قلبه ويجوع كي يطعمك ويظمأ كي يسقيك ويقتطع من نفسه كي يغطيك.
وصديق يتعسك.. يبيعك التعاسة بلا ثمن ويقدم لك الحزن بلا مقدمات تفوح منه رائحة الهم فلا تسمع منه سوى الآه، ولا ترى منه سوى الدموع، ينقل إليك عدوى الألم، وتصيبك رؤيته بالحزن.
إن الصديق الحقيقي هو الصديق الذي تكون معه .. كما تكون وحدك أي هو الإنسان الذي تعتبره بمثابة النفس.
خلاصة القول: الصداقة لها معان سامية وحقوق وواجبات يجب أن تراعى من كل الزوايا.
فالصديق الصالح والوفي والقرين الطيب هو أساس في تكوين المجتمع وإكماله, فقد قيل عن الصداقة: إنها عروس مهرُها الإخلاص.

JoomShaper