ريهام عاطف
الطيبة وطهارة القلب وصفاء النية، من الصفات المحمودة المتأصلة في نفوس كثير من البشر؛ لكنها في هذا الزمن الذي طغت عليه الماديات أصبحت أشبه بالعملة النادرة، والطيبة هي صفة أخلاقية جميلة، وأحد أوجه الرحمة التي زرعها الله بين مخلوقاته، وعلى الرغم من معناها الأخلاقي الجميل، إلا أنها تحولت لدى البعض إلى مرادف للسذاجة، بحجة أن ظروف الحياة المعيشية وقسوتها أجبرت الإنسان على أن يعيش بنظرية الغابة..
وفي هذا الصدد، تعتبر سها محمود (24 عامًا)، أن طيبة القلب نعمة يمنحها الله لمن يحب، لكن للأسف في هذا الزمان صارت الطيبة نقمة على صاحبها، وتجلب له كثير من المعاناة والمشاكل؛ لأنها تجعل صاحبها يتنازل دومًا من أجل الآخرين، فيرون هذا التنازل ضعفًا فيه؛ ما يؤدي إلى طمعهم واستهانتهم به.

أما محمود علي (27 عامًا) فيقول: طيبة القلب لم تعد موجودة حاليًا بالمعنى المفهوم، بل أصبح الناس يتهمون صاحبها بالسذاجة، وقد جلبت لي طيبة القلب العديد من المشكلات في حياتي، فسلامة نيتي دفعتني ذات يوم إلى أن أخبر صديقي عن وظيفة تطلبها إحدى شركات الاتصال ليتقدم بالطب معي، لعلنا نجد لنا مكانًا يجمعنا ونعمل معًا، وقبل ميعاد المقابلة بيوم واحد مرضت مرضًا شديدًا جعلني طريح الفراش، فطلبت من صديقي أن يتصل بالشركة ويعتذر لهم عن عدم مجيئي وأن يأخذ لي ميعادًا آخر، ثم أوهمني أنه قام بالاتصال بهم، وأنهم قاموا بتبليغه أن هناك من جاء قبلنا بيوم لعمل مقابلة مع المدير ونجح في أن يلتحق بالوظيفة، ومرت أيامًا وأسابيع عديدة حتى علمت من أحد العاملين بالشركة مصادفة أن صديقي هذا هو من نجح في الالتحاق بالوظيفة، وأنه ذهب بمفرده إلى مقابلة العمل أثناء فترة مرضي، وأخبرهم بتراجعي عن التقدم؛ لعدم رغبتي في العمل بهذا المجال.

بينما يقول حسام أحمد (29 عامًا): لا أعتقد أن الطيبة أصبحت صفة مذمومة في زماننا هذا، على الرغم من عدم اعتراف كثيرين بها، واعتبارها إحدى الصفات السلبية، إلا أن الطيبة في حدودها المعقولة صفة محمودة، عندما لا تعرض صاحبها لاستغلال الآخرين، إلا أن هناك نوعًا آخر من الطيبة الزائدة، والمبالغ فيها، والتي تصل إلى حد الاستغفال، واستغلال الآخرين؛ لهذا فهذا النوع من الطيبة يكون مذمومًا.

بدورها، تؤكد مريم أشرف (25 عامًا): أرفض التعامل بطيبة مع أي شخص، فقد تأكدت من مواقف عديدة أنه ليس هناك من يستحق أن أعامله بصفاء نية وسلامة قلب، فلأكثر من مرة تعرضت لمواقف علّمتني أن طيبة القلب تجعل الآخرين يسخرون مني، ويستغلونني بمختلف الطرق، فعلى من كان طيب القلب، أن يتعامل مع الآخرين بحذر، فللأسف نحن نعيش في مجتمع لا يقدر الطيب، بل يستهزأ به ويعتبره ضعيفًا.

أنماط الشخصية
إلى ذلك، يقسِّم استشاري الصحة النفسية وتطوير الذات وأستاذ علوم الطاقة والتفكير د.فتحي سعيد الشخصيات إلى عدة أنماط، منها الشخصية "الساذجة"، وهى التي تثق في جميع الناس ثقة عمياء دون حذر أو وعي، وهذا النمط من الأنماط الخاطئة للشخصيات، بينما هناك شخصية أخرى يسيطر عليها الشك وما تسمى بالشخصية "الشكاكة"، وهذا النمط يعاني من وساوس مستمرة يفقد من خلالها ثقته بكل من حوله، وهو أحد الأنماط الخاطئة أيضًا، بينما هناك شخصية وسطية وتلك "الطيبة" والمقصود هنا بالطيبة الواعية، بمعنى أن يأخذ الفرد حذره مع كل من حوله، وفي الوقت ذاته يتعامل بصفاء نية ولا يخون من أمامه بسهولة، فعليك أن تثق في الناس بالتدرج، وتهدم ثقتك بهم بالتدرج أيضًا، فلا تجعل حدوث موقف سيء واحد سببًا في قطع علاقتك بصديق، بل انتظر وتأنى وأعط له فرصة أخرى، فديننا الإسلامي بُني على التأمين وليس التخوين، والعطاء وليس الأخذ، كذلك التسامح والعفو وليس الكره، فالمؤمن الحق هو من لا يتسرع بحكمه على الناس، على أن يكون في نفس الوقت حذرًا وواعيًا ويتعلم من أخطائه، فكما يقول صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ".

ذكاء وسيطرة
من ناحية أخرى، يؤكد خبير التنمية البشرية إسماعيل فوزي أن هناك فرقًا كبيرًا بين الطيبة والسذاجة أو ضعف الشخصية، فالطيبة وطهارة القلب هي التي تتحلى بالذكاء وقوة السيطرة في ذات الوقت مع استحضار الحذر والوعي في كل التعاملات، وهى صفة حميدة يحسد عليها من يتحلى بها، إلا أن تحول هذه الطيبة إلى مادة لاستغلال وطمع الآخرين، يحولها إلى صفة مذمومة وهى "السذاجة"، ويصبح الفرد كالدمية في أيدي الناس، لذلك فالطيبة لا تعتبر عيبًا طالما أحيطت بالحذر والحيطة.

JoomShaper