سارة عوض
حينما تفقد التركيز من حولك، وتصاب برغبة في الانعزال، وعدم القدرة على التفاعل أو الاندماج مع الآخرين، فلتعلم أنك مصاب بحالة من السأم أو الملل، وعلى الرغم أن "الملل" يعتبره كثيرون آفة العصر، ويؤثر على قدرة الفرد على الإبداع والتركيز وإتمام مهامه، بل قد يدفعه هذا الشعور أيضًا إلى ترك واجباته وإهمالها، إلا أن دراسة جديدة أجراها علماء من جامعة "سنترال لانكشاير" البريطانية قلبت الموازين، وكشفت أنه من شأن الملل أن يزيد الطاقة الإبداعية، وذلك على عكس الانطباع السائد الذي مفاده أن الملل يعتبر أمرًا سلبيًا لا توجد فيه أية إيجابيات..

وبحسب نتائج الدراسة، فإن الملل يمنح الوقت لإطلاق أحلام اليقظة، مما ينعكس على القدرة الإبداعية، كما أفادت صحيفة "ساينس دايلي" العلمية، نقلاً عن الباحثتين ساندي مان، وربيكا كادمان، اللتان قامتا بدراستين مستقلتين، أجريت الدراسة الأولى على 40 متطوعًا طُلب منهم القيام بنسخ أرقام من دليل الهاتف في غضون ربع ساعة، ومن ثم طُلب منهم اقتراح استعمالات متنوعة لكوبين صُنعا من مادة البولسترين، لمعرفة مدى تأثير أداء مهام مملة على القدرة الإبداعية، فاتضح أن الأشخاص الـ40 أظهروا قدرات أكبر مقارنة بآخرين لم يمارسوا أي عمل سوى اقتراح استعمالات للأكواب.

أما الدراسة الثانية فكانت مشابهة إذ طُلب من 30 مشاركًا نسخ أرقام الهواتف، فيما قام 30 مشارك آخر بقراءة الأرقام، لتنتهي هذه الدراسة إلى أن القراءة أكثر مللاً من الكتابة، إذ كان أعضاء المجموعة الثانية أكثر قدرة على الإبداع، واستنتجت العالمتان أن القراءة وحضور الاجتماعات يعود بالفائدة على طاقة العقل في مجال الابتكار، وذلك لأنها أعمال مملة، مقارنة مع الكتابة التي تؤثر سلباً على أحلام اليقظة، وتحد من الإبداع، وحول هذا الأمر علقت الباحثة ساندي مان بالقول إنه دائماً ما يُنظر إلى الملل في العمل باعتباره شيئًا ينبغي التخلص منه، لكن ربما يجب علينا تقبله من أجل تعزيز قدرتنا الإبداعية.

عندي مشكلة نفسية
سها محمود تقول: أنا طالبة أبلغ من العمر 20 عامًا، عندي مشكلة نفسية منذ سنوات عديدة وهي أني دائمًا أشعر بالكآبة والملل والضيق واليأس والإحباط والفشل ورغبة شديدة في البكاء، ودائمًا أشعر بالقلق والتوتر ومتقلبة المزاج، حيث أصبحت لا أجد متعة في الحياة حتى الأشياء التي كنت استمتع بها لم أعد استمتع بها، فقدت الاهتمام بكل شيء، ومنها مظهري، لا أشعر بأن هناك شيئًا يشجعني لعمل أي شيء، أشعر بالأرق وعدم القدرة على النوم، وفي نهاية الليل وبداية النهار أشعر بالضيق الشديد.

طبيب نفسي
أما محمد علي "22 عامًا" فيقول: أنا طالب في كلية الطب البشري سنة رابعة، رسبت سنتين، بدأت مشكلتي منذ 4 سنوات أي في السنة الثانية بالجامعة؛ حيث بدأت أشعر بالملل وأتقاعس عن الدراسة، وأميل إلى الانعزال، وقد فكرت كثيرًا في الذهاب إلى طبيب نفسي لكن دون جدوى، لا أصلي أبدا ولا أذهب لصلاة الجمعة، مع أني كنت مواظبًا على الفرائض منذ صغري، أشعر كثيرًا بالضيق والملل والتوتر والقلق كلما اقترب وقت الامتحان، حتى أني لا أستطيع فتح الكتاب أبدًا، فأهرب من أي موضوع له علاقة بالدراسة، كما أنني منعزل في البيت تقريبًا ولا أخرج إلا نادرًا، وذلك بسبب تضايق والدي؛ حيث يريدني أن أبقى في المذاكرة طوال اليوم، حتى أني لا أذهب إلى الجامعة، وأصبحت كثير التفكير في أمور لا معنى لها، ودائم التوتر والقلق والخوف أيضًا، ولا أعرف لحالتي علاجًا.

نتائج نسبية
وحول نتائج الدراسة ومدى الاتفاق معها، ترىأستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس د.أمينة كاظم أن نتائجها نسبية تختلف من شخص لآخر، حسب طبيعته وشخصيته، وهو ما لا يُمكن أن نعممه على جميع البشر، فهناك من البشر من يتخذون من كربهم وضائقتهم مصدرًا لإخراج إبداعهم، والشعراء والأدباء الكبار خير مثال على ذلك، بينما هناك من يمثل الملل له مصدرًا للشعور بالإحباط واليأس وعدم الرغبة في الإنجاز.

نصائح
بينما يضع خبير التنمية البشرية عمرو السوري عددًا من النصائح التي تفيد في التخلص من الشعور بالملل المزمن، أولها ضرورة تجنب العزلة تمامًا، والعمد إلى التواجد في أماكن تجمعات الأصدقاء والأقارب والتفاعل معهم، فهذا التفاعل يعكس بداخلك طاقة إيجابية تبعدك عن شبح الملل واليـأس، أيضًا من الضروري أن تبحث عن طريقة مختلفة كل يوم لتنجز مهامك وواجباتك اليومية بعيدًا عن الروتين، فقد يكون أدائك لمهامك اليومية بنفس الطريقة سببا في إصابتك بشعور الملل والرتابة.

أخيرًا يعتبر الانخراط في وسائل التكنولوجية الحديثة، أحد الأسباب القوية لاستجلاب الشعور بالملل، لما تقوم به من فصل الفرد عن حياته الطبيعية وتدمجه في حياة أخرى غير واقعية، مما يشعره بالانعزال عن الواقع، ويزيد من شعوره بالملل والرتابة، وهو ما يتطلب إعادة الاندماج والتفاعل من جديد داخل الأسرة وخارجها.

JoomShaper