هند بنت مصطفى شريفي
تتميز الدعوة الإسلامية بأنها دعوة أخلاقية، تشتمل على المبادئ الأخلاقية السامية والقيم السلوكية الرفيعة، حتى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حصر مقصد بعثته في الأخلاق، في قوله: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق))[1]، كما تضافرت نصوص الوحيين على الحث على الأخلاق الحسنة، والترغيب في فضائل الأخلاق، هذا من جانب، ومن جانب آخر: النهي والتحذير من رذائل الأخلاق، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ﴾ [2]، وجاء في وصف نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم - أنه ((لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً)) وأنه كان يقول: ((خياركم أحاسنكم أخلاقًا))[3]، وبهذا يتبن عناية الإسلام بحسن الخلق، الأمر الذي جعل موضوعات الأخلاق تحتل مساحة كبيرة ومكانة بارزة من بين موضوعات الدعوة في المرحلة الثانوية.
مفهوم الأخلاق:
تُعرف الأخلاق لغة: جمع خلق، وهو ما خُلق عليه الإنسان من الطبع، ومنه قول أم المؤمنين رضي الله عنها: ((فإن خلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن))[4]، أي: كان متمسكا به وبآدابه وأوامره ونواهيه، وما يشتمل عليه من المكارم والمحاسن والألطاف[5].
كما يجيء الخلق بمعنى الدين والطبع والسجية[6]، وهو وصف لصورة الإنسان الباطنية، و(يقال: فلان حسن الخَلق والخُلُق: أي حسن الباطن والظاهر، فيراد بالخَلق الصورة الظاهرة، ويراد بالخُلُق الصورة الباطنة)[7].
وفي الاصطلاح:
(عبارة عن هيئة للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر ورويّة، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة عقلا وشرعا بسهولة، سميت الهيئة: خلقا حسنا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة، سميت الهيئة التي هي المصدر: خلقاً سيئًا)[8].
والمفهوم العام للأخلاق الإسلامية:
اتباع المرء كل ما يحبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عن قناعة ومحبة ورضا، كما يؤكد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بقوله: (وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم -، فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقا... وحقيقته: المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر)[9].
أما المفهوم الخاص لها:
فهو الخصال والصفات السلوكية التي حسَّنها الشرع، وتقبلتها الفطرة السليمة النقية، واتفق الناس على حسن التحلي بها، فالنفس البشرية مجبولة ومفطورة على التحلي بالأخلاق الحميدة، وعلى الالتزام بالقواعد والقيم الأخلاقية العالية، ويتمايز الناس في قدرتهم على الالتزام بها تحت ضابط الضمير الأخلاقي والوازع الديني فقط، دون الحاجة إلى الرقيب الخارجي.
كما يتميز الإنسان بالقدرة على اكتساب الخلق، بتنمية الميول الفطرية السليمة وتقويتها، وإزالة الميول المنحرفة ومعالجتها، ويوضح ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعائه: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها))[10].
ذلك أن الأخلاق تنقسم إلى قسمين:
1)) أخلاق فطرية: تظهر مع الإنسان من أول حياته وبداية نشأته.
2)) أخلاق مكتسبة من البيئة الطبيعية أو الاجتماعية، أو توالي الخبرات والتجارب.[11]
ولاكتساب خلق ما، لا بد من وجود الاستعداد الفطري لاكتسابه، وهذا أمر تتفاوت حظوظ الناس فيه من إنسان لآخر، تبعا لسلامة فطرتهم وصحتها، فالفطرة قد تفسد إذا تعاقبت عليها عوامل الفساد، فلا تتقبل اكتساب الأخلاق الفاضلة بل تنكرها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (والفعل إذا صادف محلا قابلا تمّ، وإلا لم يتم، والعلم بالمحبوب يورث طلبه، والعلم بالمكروه يورث تركه...وهذا كله إنما يحصل مع صحة الفطرة وسلامتها، وأما مع فسادها فقد يحس الإنسان باللذيذ فلا يجد له لذة، بل يؤلمه، وكذلك يلتذ بالمؤلم لفساد الفطرة)[12].
أهمية موضوعات الأخلاق وحاجة الطالبات إليها:
إن مما يدل على عظم مكانة الأخلاق في الإسلام أن حَسنها يرتفع حتى يصل إلى مصاف الأعمال الصالحة المحبوبة عند الله تعالى، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))[13]، (وإنما أُعطي صاحب الخلق الحسن هذا الفضل العظيم، لأن الصائم والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما، وأما من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم، فكأنه يجاهد نفوسا كثيرة، فأدرك ما أدركه الصائم والقائم، فاستويا في الدرجة بل ربما زاد)[14].
ومنها أن حسن الخلق سبب من أسباب دخول الجنة، فقد ((سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: تقوى الله وحسن الخلق))[15]، قال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين تقوى الله وحسن الخلق، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته)[16].
وكذلك قد تكون رذائل الأخلاق سببا في إفساد العمل الحسن وإبطاله، كمن يُذهب ثواب ما يتصدق به بالمن والأذى، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [17].
كما أن الأخلاق السيئة منها يكون سببا يمنع من دخول الجنة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر))[18].
ومنها ما يكون سببا في الهلاك والخسارة يوم القيامة، كالظلم والشح، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم))[19].
وهناك العديد من السلوكيات الأخلاقية التي تظهر أثناء تعامل الطالبة المسلمة مع من حولها، وتكوِّن عندها القيم والمبادئ الأخلاقية، أو ما يمكن أن يسمى: (البناء الأخلاقي)، والدعوة الإسلامية تستهدف في موضوعاتها بناء الطالبة على الأخلاق الكريمة، وهي أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك فإن القرآن والسنة هما أساس هذا البناء، لأنهما لم يتركا خلقا طيبا كريما إلا حثا عليه، ولم يتركا خلقا سيئا ذميما إلا حذرا منه, كما تتأكد أهمية موضوعات الأخلاق وحاجة الطالبات إليها من خلال ما يأتي:
1)) الترابط القوي بين الأخلاق والعقيدة الإسلامية، وهذا يتضح من خلال ما يأتي:
أولا: أن الإيمان بالله تعالى دافع إلى الالتزام بالأخلاق التي يحبها تعالى ويرضاها، ويتجلى ذلك في حرص الإسلام على وجود وازع إيماني أخلاقي داخل نفس المؤمن، لتزكية هذه النفس والسمو بها دوما نحو تقوى الله، كما قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [20]، فالعقيدة الإسلامية هي الأساس الأول الذي يقام عليه صرح الأخلاق، فهي الحارس القائم في ضمير المؤمن والباعث على طاعة الله والاستقامة على شرعه، والدعوة الإسلامية حين تلزم الضمير الأخلاقي بمراقبة الله والأمانة في تنفيذ أوامره، فهي تعتمد عليه بعد الإلزام أن يدعم سلطان الدين وتقوى الله في النفس المؤمنة[21]، إضافة إلى ما تغرسه العقيدة من الإيمان بعلم الله تعالى واطلاعه على شؤون عباده، مما يقوي الرقابة الذاتية ويشعر بالرهبة من اقتراف أي خلق فاحش ذميم.
ثانيا: ويعتبر نتيجة للأمر السابق، فإذا كان الإيمان بالله هو الدافع للسلوك القويم والأخلاق الحميدة، فإن لهذه الأخلاق أثرا قويا يتناسب مع الإيمان تناسبا طرديا، فإذا التزمت المسلمة بأمهات الفضائل التي أمر بها الإسلام، وأتت بها مخلصة، واجتنبت الرذائل التي نهى عنها، فإنها تبلغ من الإيمان منزلة عالية، وكلما ارتقت وحسنت أخلاقها بلغت درجة أعلى من الإيمان، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله))[22]، وهذا يدل على (أن هناك تلازما بين الإيمان وحسن الخلق، فكلما كان العبد أحسن خلقا؛ كان أكمل إيمانا، وكلما أحسن إلى الناس بالبشاشة وطلاقة الوجه وكف الأذى وبذل الندى؛ كان أفضل عند ربه)[23].
2)) الترابط القوي بين الأخلاق والشريعة: وهذا كذلك يتضح من جانبين:
الجانب الأول: أنه مع كل أمر شرعي يوجد أمر أخلاقي يعطي الإنسان المعنى الروحي الذي يرتفع به عن مستوى الأداء التكليفي، ويشيع في جوانبه الإحسان والإخلاص، فالمؤمنة حين تقوم بالعبادات والفرائض الإسلامية من صلاة وصيام وغيرها تتحلى بآدابها وأخلاقها الخاصة بها، وتستمتع بجني ثمراتها الأخلاقية، فهي حين تصلي تنهاها صلاتها عن الفحشاء والمنكر، وحين تبذل زكاتها تطهر وتزكي نفسها، وحين تحج تتعود على الصبر والإيثار والبذل[24]، فقيامها بأنواع العبادات يقوِّم أخلاقها، لما للعبادة من أثر مبارك في تزكية النفس وتسهيل اكتساب الأخلاق الحسنة ومحو الأخلاق السيئة.
الجانب الثاني: أن الالتزام بالأخلاق الفاضلة يدفع المسلمة إلى تطبيق الشريعة الإلهية، فمن كانت متّصفة بحب الحق وإيثاره، دفعها ذلك إلى طاعة الله والقيام بشرائعه الحق التي فرضها على عباده، وكذلك الابتعاد عما نهى عنه من المحرمات، ودفعها إلى شكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، كما أن من تتمتع بخلق العدل، فإنها تلتزم بأحكام المعاملات المالية[25]، وتقوم بأداء الأمانات والحقوق إلى أهلها، ومن تحلّت بخلق حب الخير للناس والبعد عن الأثرة والأنانية، زادها ذلك حرصا عليهم وحبا لهدايتهم، وعملا على استقامتهم على طريق الخير والفلاح، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
3)) إن دائرة الأخلاق في الإسلام واسعة شاملة: فالأخلاق الإسلامية ليست هي التي تُعرف عند بعض الناس بالأخلاق الدينية، التي تتمثل في أداء الشعائر التعبدية واجتناب المحرمات فحسب؛ بل هي أخلاق تسع الحياة بكل جوانبها، فهي لم تدع جانبا من جوانب الحياة الإنسانية: روحية أو جسمية، دينية أو دنيوية، عقلية أو عاطفية، فردية أو جماعية، إلا ورسمت لها المنهج الأمثل للسلوك الرفيع، فما فرّقه الناس في مجال الأخلاق باسم الدين، وباسم الفلسفة، وباسم الأعراف والتقاليد، قد ضمه النظام الأخلاقي في الإسلام في تناسق وترابط؛ وزاد عليه وأكمله[26].
4)) مما يؤكد أهمية موضوعات الأخلاق في دعوة الطالبات، صدور الأمر بشكل صريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بالتزامه، كقوله: ((وخالق الناس بخلق حسن))[27]، وأمره الفتاة المسلمة بالالتزام الخلقي في جزئيات الحياة، مثل الزواج، فالخلق شرط أساس في قبول زواج الفتاة المسلمة من الرجل الصالح، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير))[28]، فجمع بين الدين الذي تتحقق به تقوى الله وصلاح النفس، وبين حسن الخلق الذي تتحقق به الألفة بين الزوجين وتدوم العشرة الحسنة والسعادة الأسرية.
5)) أن للأخلاق الفاضلة آثارا مباركةً على الدعوة الإسلامية وعلى الحياة الاجتماعية قديما وحديثا، فهذا الأكثم بن صيفي[29] يرسل من قومه رجلين ليأتياه بخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذهبا فسألاه عن رسالته فقال: ((أنا محمد بن عبد الله، وأنا عبد الله ورسوله، ثم تلا عليهما قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[30]، فرجعا بذلك إلى الأكثم فقال: أي قوم إنه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوسا ولا تكونوا أذنابا.[31]
وقال مسلم معاصر من بلاد الهنّد يدعى (رودريك): (إن تعاليم الإسلام الخلقية تحقق امتزاجا تاما بين المثالية والواقعية، فيستطيع الإنسان بفضلها أن يتعرف إلى الله، ويصبح ربانيا، بينما يكون منهمكا في شؤون حياته اليومية... فمن واجب الدولة المسلمة أن تراعي معاملاتها نفس المبادئ الخلقية المفروضة على الأفراد، فالسياسة في الإسلام أخلاق أولا وقبل كل شيء).[32]
ومثله المسلم الهولندي د. ميلما، الذي شعر برابطة الأخوة الإسلامية وتأثر بها، وبدأ يكتشف قيم الإسلام العظيمة، فقال: (إن شعب باكستان المسلم جعلني أفهم أن الإسلام ليس فقط مجموعة من الشرائع والقوانين، وإنما تعلمت منهم أن الفضائل الخلقية في الإسلام تأتي أولا، وإن العلم لا بد أن يؤدي إلى الإيمان)[33].
6)) إن للأخلاق ثمارا مباركة فيما تتركه على المؤمنة من آثار في علاقتها مع ربها ومع نفسها ومع الآخرين، فتحليها بالأخلاق الإسلامية يكسبها رضا الله تعالى، ومحبة الله تتحقق مع خلق الصبر كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [34]، كما تتحقق مع القسط والعدل، كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾[35]، كما تنال المؤمنة الصادقة رضوان الله وجناته ونعيمه يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾[36].
ويعود حسن الخلق عليها بالراحة النفسية وانشراح الصدر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن أثر التحلي بالمكارم: (فالبر والتقوى يبسط النفس، ويشرح الصدر، بحيث يجد الإنسان في نفسه اتساعا وبسطا عما كان عليه قبل ذلك، فإنه لما اتسع بالبر والتقوى والإحسان بسطه الله وشرح صدره، والفجور والبخل يقمع النفس ويضعها ويهينها، بحيث يجد البخيل في نفسه أنه ضيق) [37]، كما أن الطالبة إذا حسنت أخلاقها قويت علاقاتها الاجتماعية بمن حولها؛ فيكثر أحباؤها ويقلّ أعداؤها، وتلين قلوب الناس لها، وينقلب العدو لها صديقا، وذلك كما قال تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾[38].
7)) إن هذه المرحلة تتميز بتكامل النمو العقلي والنفسي والاجتماعي، وارتباط ذلك كله بالنمو الخلقي، وهذا التكامل في النمو أساس التكليف وتحمل المسؤولية أمام الله تعالى، ففي (هذه المرحلة - وهي مرحلة البلوغ والمراهقة - يبدأ النمو الخلقي في الرسوخ والثبات، ويتكامل بتكامل النضوج العقلي والنفسي والاجتماعي في نهايتها، وبذلك يصبح الإنسان قادرا على ضبط نوازعه، والتحكم في دوافعه، وإخضاع ذاته للمثل العليا التي تشربّها ورسخها في داخل نفسه، وجعلها معيارا لمواقفه الأخلاقية وتصرفاته السلوكية، والالتزام الذاتي بها، بغضّ النظر عن وجود السلطة الخارجية، المتمثلة في القوانين والنظم والعرف والعادات والتقاليد والرقابة الاجتماعية أو غيابها)[39].
8)) إن الأخلاق مهما رسخت في نفس الطالبة، فهي قابلة للتغيير والتعديل، وقد حث تعالى على مخالفة هوى النفس، وأمر بمجاهدتها لئلا تصده عن الخير، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [40]، ومن ذلك تغيير ما جبلت عليه أو اكتسبته من أخلاق ذميمة، وإبدالها بالفضائل والمحاسن، ولو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما أمر الشارع بوجوب تحسين الأخلاق في آيات وأحاديث كثيرة، وإن كانت أخلاق البهائم قابلة للتغيير، فخلق الإنسان من باب أولى، وتغيير الخلق يكون بالمجاهدة ورياضة النفس، والمقصود بالرياضة: حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب، والمواظبة عليها وتكلّفها، حتى يصير ذلك طبعا وصفة راسخة في النفس، فتيسر على الإنسان صدور تلك الأخلاق منه بيسر وسهولة[41].
فتُعرّف الطالبة على وسائل اكتساب الأخلاق الحميدة، وإزالة الأخلاق السيئة، كالتدريب العملي والرياضة النفسية، والغمس في البيئات الصالحة، وإبراز القدوة الحسنة أمامها، ومراعاة الأعراف والضغوط الاجتماعية، مع تصيد المناسبات الملائمة للتوجيه الأخلاقي، والعمل على إيجاد الحافز الأخلاقي الذاتي لديها.[42] ولو لم تنجح دعوة الطالبة في محو وإزالة بعض الأخلاق السيئة وتغييرها لدى الطالبة، فلا أقل من تهذيبها وضبطها ما أمكن، للتقليل من آثارها السيئة على الطالبة ومن حولها.
[1] مسند الإمام أحمد، سبق تخريحه ص 69.
[2] سورة النحل: جزء من آية 90.
[3] متفق عليه: سبق تخريجه ص 71.
[4] صحيح مسلم ،سبق تخريجه ص 104.
[5] ينظر: تاج العروس من جواهر القاموس،، فصل الخاء من باب القاف 6/337.
[6] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/70.
[7] إحياء علوم الدين: الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي 3/53، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت ط: بدون ت: بدون.
[8] إحياء علوم الدين 3/53.
[9] مجموع الفتاوى 10/658.
[10] صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شؤم ما عمل ومن شر ما لم يعمل 4/2088 ح 2722.
[11] ينظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها: عيد الرحمن الميداني 1/178.
[12] باختصار: الإيمان: شيخ الإسلام ابن تيمية ص 22.
[13] سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في حسن الخلق ص 728 ح 4798، وقد صححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/178 ح4798.
[14] عون المعبود 4/154.
[15]سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق 4/363 ح 2004 وقال: حديث صحيح غريب واللفظ له، ومسند الإمام أحمد 2/442، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/194 ح 1629.
[16] الفوائد ص 81.
[17] سورة البقرة: جزء من آية 264.
[18] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 ح 91.
[19] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم 4/1996 ح 2578.
[20] سورة الشمس: الآيات 7-10.
[21] ينظر: دستور الأخلاق في القرآن، دراسة مقارنة للأخلاق النظرية في القرآن: د. محمد عبد الله دراز ص 678 تعريب وتحقيق: د. عبد الصبور شاهين، مؤسسة الرسالة ودار البحوث العلمية، ط:4، 1402هـ/1982م.
[22] سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه 5/9 ح 2612، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[23] نزهة المتقين شرح رياض الصالحين: د. مصطفى سعيد الخن وآخرون 1/527، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط:1، 1397هـ/1977م
[24] ينظر: الخصائص العامة للإسلام: د. يوسف القرضاوي ص 183، وثوابت ضرورية في فقه الصحوة الإسلامية: د. عبد الحليم عويس ص 122، دار الصحوة للنشر، القاهرة، ط:1، 1414هـ/1994م.
[25] ينظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها: عبد الرحمن الميداني 1/29.
[26] ينظر: الخصائص العامة للإسلام: د. يوسف القرضاوي ص 110.
[27] سنن الترمذي، سبق تخريجه ص 72.
[28] سنن الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه 3/386 ح 1085، وقال: حديث حسن غريب.
[29] الأكثم بن صيفي بن رباح التميمي، الحكيم المشهور، كان من المعمرين، قيل:إنه ركب متوجها إلى المدينة ليسلم، فمات في الطريق، فنزل فيه قوله تعالى: ومن يخرج من بيته مهاجرا.. وقيل نزلت في غيره.ينظر: الإصابة في أسماء الصحابة 1/110.
[30] سورة النحل: جزء من آية 90.
[31] ينظر: الإصابة في أسماء الصحابة1/110.
[32] رجال ونساء أسلموا: عرفات كامل العشي 6/114، دار القلم، الكويت ط:3، 1389هـ/1978م.
[33] رجال ونساء أسلموا :عرفات العشي 6/121. وينظر شواهد أخرى في كتاب قالوا عن الإسلام: د.عماد الدين خليل ص 184/195/199، من إصدارات الندوة العالمية للشباب الإسلامي الرياض ط:1، 1412هـ/1992م.
[34] سورة آل عمران: جزء من آية 146.
[35] سورة المائدة: جزء من آية 42
[36] سورة المائدة: جزء من آية 119.
[37] مجموع الفتاوى 10/629.
[38] سورة فصلت: جزء من آية 34.
[39] أسس التربية الإسلامية: د. عبد الحميد الزنتاني ص 660.
[40] سورة النازعات: الآيتان 40-41.
[41] ينظر: إحياء علوم الدين 3/55-59، وينظر: دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية: د. محمد عبد الله دراز ص 93-110، دار القلم، الكويت، ط:4، 1414هـ/1994م.
[42] ينظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها: عبد الرحمن الميداني 1/207-221.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/68042/#ixzz2xkVuPL8S
مفهوم الأخلاق وحاجة الطالبات إليها
- التفاصيل