محمد السيد عبد الرازق
تطور الرؤية
تحدثنا في مقالات سابقة عن الرؤية، وفي هذا المقال نتحدث عن الرؤية والرسالة معًا، ونبدأ بالحديث عن تطور الرؤية، فحتى نتمكن من صياغة رؤية ملهمة، تترجم رسالتنا في الحياة، وينتج عنها منظومة من الأهداف السنوية والشهرية والأسبوعية واليومية، لابد أن نعلم أن الوصول إلى تلك الرؤية يمر بمراحل من التطور الطبيعي، وهي:
1.    وجود مركز أوحد في الحياة: مركز المبادئ.
2.    صياغة رسالة الحياة بطريقة فعالة.
3.    وضع الرؤية الملهمة.
4.    تحويل الرؤية إلى أهداف مرحلية.
5.    تحويل الأهداف المرحلية إلى أهداف سنوية وشهرية وأسبوعية.

وبعد هذه الإجمال يأتي شيء من التفصيل يوضح، بعض ما أشرنا إليه في النقاط السابقة:
(فأما مركز الحياة: فهو محور حياتك الذي تدور حياتك حولها، هو همك الأول في هذه الحياة، هو الشيء الذي تعيش لأجله في هذه الحياة الدنيا.
وتكمن أهمية مركز الحياة في أنه حتى تكون رسالتك فعالة في الحياة، فلا يكفي مجرد أن تكتبها أو تعلمها بل يجب أن يكون مركز حياتك قائمًا على المبادئ وأن تكون رسالتك في الحياة نابعة من هذه المبادئ.

وأما الرسالة تختلف كثيرًا عن الرؤية، فهي المهمة الكبرى أو الدور الأكبر الذي يعيش المرء من أجل تحقيقه، فهي الحلم الحقيقي الذي ينام المرء ويستيقظ عليه.
الرسالة هي مجموعة القيم التي يحيا الإنسان من أجلها مثل: إرضاء الله تعالى، العدل، الرحمة، المحبة، تعليم الآخرين، نشر الخير، إنها مجموعة القيم والمبادئ التي يعيش في ضوئها الإنسان، والتي يرجع إليها في اتخاذ قرارات حياته) [الرؤية الملهمة، د.محمد العطار].

ولذلك يصفها ستيفن ر.كوفي (بأنها "الدستور الشخصي للإنسان" على غرار الدستور الأمريكي حيث أنه لم يتغير كثيرًا، فعلى الرغم من مضي أكثر من مائتي عام على إصداره، لم يدخل عليه سوى ستة وعشرين تعديلًا، عشرة منها قد جاءت في صلب الوثيقة الأصلية للحقوق) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي، ص(149)].

وأما الرؤية فهي أقصى صورة واقعية يمكن من خلالها تحقيق الرسالة على أكمل وجه، أو في كلمة واحدة: (الرؤية=الطموح).

فالرؤية هي الهدف الاستراتيجي بعيد المدى الذي يحقق رسالة الإنسان في الحياة: مثل إقامة شرع الله، تحقيق نهضة الأمة، النهوض بالتعليم في الأمة،....وهكذا [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي، ص(149)].

وأما الأهداف: هي النتائج الواقعية التي يريد الإنسان تحقيقها، وهي تشمل ثلاثة أنواع من الأهداف:
أ‌.       أهداف قصيرة الأجل:
وهي الأهداف التي يحققها الإنسان في فترة قصيرة تتراوح في الغالب من يوم إلى سنة؛ ومثالها: الحصول على دورة تدريبية لمدة شهر في برنامج Windows Vista.

ب‌.   أهداف متوسطة الأجل:
وهي الأهداف التي يحققها الإنسان في فترة متوسطة تتراوح في الغالب من سنة إلى خمس سنوات؛ ومثالها: الحصول على "دبلومة" في إدارة الأعمال.

ت‌.   أهداف طويلة الأجل أو استراتيجية:
وهي الأهداف التي يحققها الإنسان في فترة طويلة تتراوح في الغالب من خمس سنوات إلى خمس وعشرين سنة أو أكثر؛ ومثالها: الحصول على درجة الدكتوراه في علوم القرآن، وتطلق كلمة الرؤية غالبًا على الأهداف طويلة الأجل، وقد تشمل أيضًا بقية أنواع الأهداف.

رحلة قصيرة:
إننا وبعد أ تعرفنا على مفهوم مركز الحياة والرسالة والرؤية والأهداف بصورة عامة، لابد لنا من رحلة نغوص من خلالها في أعماق هذه الكلمات فنسبر أغوارها ونكون على دراية كافية بها وفهم أعمق وأشمل، ونبدأ بمراكز الحياة..

مراكز الحياة:
(إذا  أردت أن ترسم قطرًا للدائرة، وهو يمثل أطول خط مستقيم بين نقطتين داخل محيط الدائرة، فلابد أن يمر هذا الخط بمركز تلك الدائرة، وإن أردت أن تحسب نصف قطر الدائرة، محيطها ومساحتها وكل قياساتها، فلابد أيضًا أن تبدأ القياس من مركز تلك الدائرة) [الرؤية الملهمة، د.محمد العطار].
وعلى نفس المنوال يكون مسار حياة كل منا، فلكل منا مركز اهتمام يدور في فلكه، فكل أفعاله وتصرفاته تنبع من هذا المركز، يقول ستيفن كوفي: (حتى نستطيع أن نسجل رسالة حياتنا الشخصية يجب أن نبدأ من المركز الفعلي لدائرة التأثير والذي يضم معظم التصورات الذهنية الأساسية إضافة إلى أنه العين التي نرى من خلالها) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي، ص(151)].
وتتنوع مراكز حياة الناس بتنوع همومهم، فتجد بعض الناس مركز حياتهم المال، وآخرين مركز حياتهم المتعة، وآخرين مركز حياتهم الأصدقاء إلى غير ذلك.

ويتفرع عن كل مركز من مراكز الحياة أربع نقاط هامة، وهي:
1.    مصدر الأمان:
أي شعورك بقيمتك وشخصيتك وملاذك الشعوري، وتقديرك لذاتك وقوتك الشخصية الأساسية.

2.    مصدر الحكمة:
أي منظورك للحياة وشعورك بالتوازن وهي تتضمن حسن الحكم على الأمور وصواب الرأي والتفهم.

3.    مصدر التوجيه:
أي مصدر توجهك في الحياة، وهو الأمر الحاكم لتصرفاتك، والمؤثر على قراراتك وخيارتك.

4.    مصدر القوة:
وهي القدرة أو ملكة التنفيذ، والقدرة على إكمال الشيء، وهي أيضا تتضمن القدرة على التغلب على العادات الثابتة العميقة الأثر، وإيجاد بدائل لها أكثر سموًا وفعالية.
ولذا ينبغي لكل منا أن يحدد المركز الأساسي الذي تنبع منه كل اهتماماته وتصرفاته، فهذه أول خطوة في تحديد رسالة الحياة.

لاشك أن كلًا منا الآن يريد أن يتعرف بشكل أعمق على المراكز التي يدور الواحد في فلكها؛ حتى يقترب أكثر إلى هذه المراكز، ويفهم سبيله في تحقيق الأمان، ومفهومة للحكمة، وطريقته في التوجيه، وإدراكه للقوة، وهذا ما سنعرض له في المقال القادم إن شاء الله..

JoomShaper