احمد النعيمي
من فترة دعيت لحضور عرس جمع بين شاب وفتاة على سنة الله ورسوله ، وتخلل هذا العرس كلمة ألقاها أحد الدكاترة ، عرج فيها قليلاً على مقاصد الشريعة من الزواج ودعمها بأحاديث نبوية تؤكد حرص الإسلام العظيم على حفظ النسل وحماية الفرد المسلم شاباً كان أو فتاة من الانجراف خلف الشهوات وذلك من خلال تحصينه ودفعه نحو الزواج واختيار الزوجة الصالحة واختيار الزوج صاحب الدين ، وكان حديثه عابراً وبعيداً عما يعانيه الشاب من مشاكل تعيقه من إكمال نصف دينه ومن أهم هذه المشاكل غلاء المهور وتأخير سن الزواج بحجة إتمام الدراسة وتحسين الواقع المعيشي ، والتي باتت تشكل عائقاً أمام الشباب في الإقدام على الزواج مما عمل على ازدياد نسبة العنوسة في مجتمعاتنا، لأن مسألة مثل هذه ستجعل الشاب عرضة للديون طوال حياته ، حتى ينال الفتاة التي تحفظ فرجه وتمنعه من الانغماس في هذه الفتن المظلمة ، ولكن تلك الحفلة لم تنتهي عند هذا ، فقد قام أحد العزاب ، وألقى مجموعة من الأبيات الشعرية تشكي حال الشاب والفتن التي تحيط به من كل جانب ، ودعا الآباء إلى أن يخففوا المهور ويستروا على هؤلاء الشباب ، لكي لا يكونوا عوناً للشيطان عليهم ، وانتهت تلك الحفلة ولكن لا أحد فهم أو وعي أو أدرك ، وبقيت المهور ترتفع ، والأسعار ترتفع ، والشباب يعانون الكبت والحرمان ، فأي حياة تلك التي نقود شبابنا إليها !؟
وبقي الكثير منا يحاولون دفن رؤوسهم في الرمال وخداع أنفسهم ، يعبدون المادة أكثر من أي شيء آخر ، متناسين حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " رواه الترمذي والحاكم وابن ماجه ، لا ينظرون إلا من جانب المادة والمال لا يهمهم في هذا دين ولا خلق ، وإن اهتم أحدهم فيكون هذا المعيار آخر شيء يبحث فيه ، يبيعون بناتهم بيعاً ، هذا إذا حالفهم الحظ برجل غني أو أنه يبقيها أسيرة لديه يمتص روحها وأحاسيسها وشبابها وراتبها ، وازدادت ظاهرة العنوسة وانتشرت الفاحشة بين الشباب المسلم كما حذر عليه أفضل الصلاة والسلام من هذه الفتنة والفساد العريض لأننا القينا كل تعاليمه خلف ظهورنا ، وأغرقنا شبابنا بالشهوات ولمن أراد الدليل على هذا فليدخل مواقع الشات على النت وليدخل إلى الجامعات والمنتزهات وليمر قرب سكن للطالبات ليسمع العجب العجاب ، وليرى ما تقشعر منه الأبدان ، وتشيب لهوله الولدان .
ولو أن أحدنا علم أن هذه الدنيا إلى زوال لما فعلنا ما نفعله الآن ، حيث حسبنا أننا سنعيش في هذه الدنيا أبداً ، ولما نظرنا من منظار المادة والمظهر ، لنتق الله ولنرحم شبابنا وبناتنا ونحصن فروجهم ، ونمنعهم من الانحراف خلف الرذيلة ، ونجنبهم الفتن التي تعج بها بلادنا ، بدل أن نكون طرفا مساعداً في تغذية الانحراف فيهم ، درينا هذا أم لم ندري به !؟ فقد زوج أحدهم ابنته لشخص ، ومرت أشهر ثم عادت البنت إلى بيت أهلها باكية شاكية زوجها الذي لم يغتسل من جنابة منذ تزوجها ، ولما سأله الأب عن هذا ذكر له الزوج أنه الأب لم يسأله عن دينه أو خلقه وإنما سأله هل لديه شقة هل لديه سيارة هل لديه رصيد بالبنك ، وقد كان الزوج صادقاً معه في هذا فزوجه .
ولنتذكر كيف زوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المرأة التي وهبت نفسها له لأحد صحابته مقابل ما يحفظ من سور القران الكريم كما جاء في البخاري ومسلم ، ولنتذكر كيف زُوج مبارك العبد من أبنت مالكه بعد أن اعتقه سيده لأخلاقه وتقواه فجاء العالم الجليل عبد الله بن المبارك ، ولنرى كيف قاد البحث أحدهم عندما أكل من تفاحة على الطريق إلى أن يتزوج ابنة صاحب البستان العمياء الخرساء الصماء فجاء الإمام أبو حنيفة النعمان ، فالهدوء والاستقرار والأمان والعطف والحنان والمودة ، أهم بكثير من المظاهر البراقة الخادعة ، التي مزقت الأسرة المسلمة وفرقت شملها ، وعجزت أرحام نسائها أن تلد أحراراً – إلا ما رحم ربك – وإنما باتت الأرحام مصانعا تخرج أشباه الرجال ولا رجال ، لنتق الله قليلاً في بناتنا وأخواتنا ، فبصلاحهن وتنشئتهن على حب الآخرة وكره الدنيا وعدم الانغماس بشهواتها ومقت المادة يصبحن عندها جاهزات لتصنيع الرجال ، كما كن من قبل زمن الجيل الأول جيل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الكرام من المهاجرين والأنصار والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وهم موجودون بيننا ولكن لا يكادون يعدون على أصابع اليد ، فطوبى للغرباء وطوبى لهم .
وماذا سنخسر لو أننا تفكرنا قليلاً ، واخترنا الآخرة على هذه الدنيا الفانية !؟ ولنسال أنفسنا ماذا سيحدث لو أننا استبدلنا بهذه المظاهر الخداعة والبراقة ، الجوهر والخلق والأمانة وصاحب الدين ، ماذا سيحصل لو أننا جعلنا من بناتنا وأخواتنا أمهات أكثر بركة واقل مهوراً ، لينجبن لنا رجالاً يعيدوا إلى المسلمين ماضيهم المشرق ، نقطة تأمل وليبدأ عندها العمل .
موقع وطن