د. رقية بنت محمد المحارب
إن التحديات المعاصرة التي يواجهها جيلنا ليست فريدة من نوعها.. لقد فتن كثيرون بالحضارة الغربية في وقت مضى، وسقطت أجيال أمام هذه الهجمة؛ لكن الحالين مختلفان والجيلين متباينان..عندما نادى بعض الناس بتبني مبادئ الحضارة الغربية لأنها السبيل الأوحد للنهضة؛ كانوا يجهلون تفاصيلها وما خدعوا ببهرجها إلا نفرا ممن استخدمهم الاستعمار، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان ذلك الجيل الذي توجه له الدعوات جيلاً بعيداً عن أصول دينه في مجمله، فالخرافات منتشرة، والفقر والجهل ضاربان بأطنابهما في رحاله، ومنابر التنوير الصحيح تغط في سبات عميق، والناس تموج بهم التيارات الوافدة, والعلماء كانوا يتناولون قضايا بعيدة كل البعد عن واقع الناس فحصل الفصام النكد، ووجدت الأفكار بيئة خصبة نمت فيها أشواك الفتنة، وأثمرت أشجار الضلالة.
واليوم يعيد التاريخ نفسه -إن صح التعبير- أناس ينادون بالأخذ بمعطيات ما يسمونه العقلانية والعصرنة و تيارات تسمي نفسها المستنيرة اجتمعت مع دعاة التغريب في النتيجة واختلفت في الوسيلة. أولئك كانوا يطعنون في الدين وهؤلاء يبجلونه ثم يفرغونه من محتواه، فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ينبغي أن تساير الواقع فتفسر وفقاً لذلك. لكن الحال مختلف بالنسبة لواقع الناس. فالتحديات التي نواجهها اليوم نعرفها تحديداً، وندرك خطرها تفصيلاً، ونستوعب مدى تأثيراتها، ونعلم تاريخها. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن هذا الجيل الذي نتحدث عنه جيل يملك من مقومات النهضة مالا يملكه الجيل السابق، ويحظى بانتشار العلم والفكر الصحيح. فالمكتبات منتشرة والعلم متيسر وآثار الصحوة الإسلامية لا يزال لها رصيد في حياة الناس وإن كان يميل إلى الضعف. ومع ذلك فالحذر الشديد له ما يبرره نظير ما نرى من عدم الجدية في التخطيط لمواجهة هذا السيل الجارف الذي تحمله لنا العولمة التي تمثل أخطر التحديات المعاصرة.

وأهم ما ينبغي تبنيه من قبل العلماء و المصلحين هو: تحصين المرأة و حمايتها، والمحافظة على حقوقها التي أقرتها الشريعة؛ لأن الخلل الحاصل أصبح فرصة مواتية لدعاة تحرير المرأة على طريقة مرقص فهمي وقاسم أمين وهدى شعراوي ونوال السعداوي ومن سار على دربهم.

لو أن صالحي المثقفين بينوا للأمة خطر السفور الماحق والاختلاط، و دافعوا عن حقوق المرأة وحملوا بيان ما يجب عليها ولها, وكذلك فضح أساليب الاستعمار في القديم والحديث والدور المشبوه الذي تقوم به بعض الدوائر الغربية في جر هذه الأمة إلى مستنقع الفساد، ولو أن الإعلاميين قدموا  للنشء مواداً إعلامية ترفيهية تدور كلها على تمجيد القيم العالية وتأصيل الأخلاق، وتيسير الثقافة مستخدمين معطيات التقنية لأوجدنا بدائل مشبعة… ولو أن الروائيين ساهموا في محاربة الرذيلة، و لو نشطر القصاص في مد الساحة بالإنتاج الهادي الممتع، ولو أن المعلمات وجهن البنات كل صباح إلى أن يتخذن من صالحات النساء لهن قدوات، وأن يبين لهن عظيم دورهن في المجتمع كصمام أمان من الفساد…أقول لو قام كل بدوره لأصبحت هذه التحديات فعلاً ماضياً..

الحق ـ كما هو معلوم ـ واضح بين قوي أبلج، يحتاج فقط إلى من يقدمه للناس بالصورة المناسبة المشوقة المقنعة.

والبنت تحتاج إلى أن نبين لها أنها بإسلامها عزيزة…وبحجابها عفيفة تقية…وبحسن أخلاقها تتمثل دينها…وبوعيها تقف شامخة أمام من يريدون بيعها في سوق النخاسة..
وأهم ما يراد بيانه من جملة أمور كثيرة قيمة الحب..
فالحب خلق عاطفي رفيع ينبغي أن يحمى من التلوث.. فهو حب لله رب العالمين لإنعامه، وهو للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه سبب هداية، وهو للوالدين اللذين سهرا وتعبا، وهو للزوج الرفيق الصاحب، وهو للولد فلذة الكبد، فقيمة الحب تعرضت لتشويه كبير لابد من تجميله، وقيمة الزواج المبكر وقيم الحقوق العظيمة التي أمر بها الله عز وجل تجاه الزوج، وألا نؤصل التمرد مهما حصل عند بعض الناس من سوء تصرف.
وقيمة أخرى هي دورها الكبير في بيتها مربية لأولادها، وغارسة لفضائل الأقوال والأعمال في العقل الباطن لذريتها…ومتى ما أدركت البنت واجباتها، ورأت القدوة أمامها، ووعت التيارات والأفكار الأخرى فإننا نستطيع القول إنها ستكون في حصانة من أي مؤثر خارجي.

 

لها أون لاين

JoomShaper