علاء الدين عرنوس-ريف دمشق
يتنقل السوري مصطفى أبو حمزة بين حارات مدينة داريا المحاصرة على كرسيه المتحرك، دون أن يكترث للقصف أو البراميل التي تتساقط دون سابق إنذار، فمرة يذهب إلى البساتين ليقطف ما تيسر له من خضراوات، وأخرى لزيارة منزل عمته في أطراف المدينة.
يضطر مصطفى (22 عاما) للسير أحياناً مسافة تتجاوز كيلومترين، معتمداً على ساعديه في دفع عجلات الكرسي المتحرك. وبعد محاولات حثيثة، استطاع أخيراً أن يودّع كرسيه المتحرك إلى الأبد، ويستعين بعكازين محاولاً السير في أرجاء بيته المتواضع دون مساعدة أحد، متعالياً على آلام قدمه الوحيدة مفتتة العظام.
قصة مصطفى تحاكي رواية الشباب السوري، الذين باتوا قتلى أو معتقلين أو مهجرين، فهذا الشاب لم تكن حاله أفضل من أقرانه، حيث ألقي القبض عليه أثناء مداهمات الجيش النظامي مزارع داريّا، وأطلق النار عليه في مشهد إعدام جماعي لسكان الحي، لم يخرج منه سوى بضعة أحياء.ويروي مصطفى أن "المشاهد المروعة للأيام التي تلت المجزرة، كانت الشرارة التي أشعلت حرب الكرامة بداريّا، فهي لم تترك خياراً لنا سوى أن نحمل سلاح المواجهة".
إعاقة وإرادة
إصابة مصطفى أدت إلى بتر ساقه اليسرى، فضلاً عن بضعة كسور في اليمنى وأصابع يديه، مما أقعده في السرير طويلاً تحت عناية أطباء المشفى الوحيد في المدينة، وكحال العديد ممن فقدوا أطرافهم جراء أعمال القصف، فإن مصطفى لم يحظَ بطرفٍ صناعي يعينه على الحركة.
وتقول عمة مصطفى للجزيرة نت إن الدور الذي بذلته الفرق الطبية الميدانية في علاج ابن شقيقها كان كبيرا، حيث "كان بتر ساقه اليسرى خياراً أخيراً بعد أن استنفد الأطباء كل طاقاتهم، لكن مصطفى أبدى تقبلاً وتجاوباً خلال فترة تعافيه، ساعدته على استمرار حياته بطريقة أفضل".
عمته وشقيقه هما كل من بقي له من أسرته، فهو لا يخفي شوقه لوالديه، فآخر لقاء معهما كان عام 2012، كان على الأسرة أن تهاجر إلى خارج سوريا بعد أن بات ثالث أبنائها السبعة منشقاً عن جيش النظام، ويتساءل مصطفى -وفي قلبه غصه- "بأي وجهٍ سألقى أمي، وأنا برجلٍ واحدة ممزقة؟ فهي حتى اليوم لم تعرف ما حصل".
يرفض مصطفى أن يعامل معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة من قبل الآخرين، ويصرُّ على إنجاز أعماله اليومية دون معونةٍ من أحد، رغم أن وضع قدمه لا يزال حرجاً مع وجود عشرات الشظايا المغروزة في العظم وتفتت أجزاء منه.
رغبة في الزواج
في بيته المتواضع، تحدث مصطفى عن رغبته في الزواج من امرأة تؤنسه وتشاركه أوقاته، لا سيما أنه يعيش وحيداً بعد أن غادر شقيقه الأصغر للقتال مع رفاقه على الجبهات، لكنه يستدرك -وهو يدلك رجله المبتورة- "أين الفتاة التي تقبل بشاب لا يستطيع السير؟"
حديث الشاب يطول عن رحلة انشقاقه الأولى والثانية، من قاعدة صواريخ "الراموسة" بحلب وصولاً إلى طلائع مجموعات المعارضة المسلحة بداريّا قبل أكثر من عامين.
يضيف مصطفى "كثيراً ما تساقطت القذائف حول منزلي وأنا أرقد في فراشي وحيداً لا أستطيع الحراك، لا أنكر أنني كنت مستسلماً للقدر في ذروة الاشتباكات".
وحين سألناه: ماذا لو عاد بك الزمن لعامين ونصف العام للوراء، هل كنت ستختار أن تبقى جندياً في الجيش النظامي؟ أجاب مصطفى: "لا أظن، لم يكن خيار الانشقاق شيئاً اعتباطياً، لا يمكن أن يكون المرء شاهداً على جرائم القتل بحق أهله أو شريكاً فيها، ولو أكرهت سأطلق النار على نفسي".
إرادة مصطفى مكنته من الاستعانة بدراجة "أوتوماتيكية" خفيفة، تساعده في عمله الإداري الجديد في مكاتب المجلس المحلي للمدينة، يطلب من أحد المارة مساعدته في ركوب الدراجة ويمضي مردداً عبارته الأخيرة "الأمل يسير بلا قدمين".
المصدر : الجزيرة