يصعب على الآباء تصور مقدار الضرر الذي تسببه تصرفاتهم "المساعدة" لأبنائهم. وهذا جوهر بحث أعدته مديرة مكتب الارتباط الأسري بكلية بارنارد الأميركية ناتالي فريدمان بشأن كيفية التعامل مع طلاب الجامعات لمواجهة العديد من المشاكل التي تعترض مسيرتهم الدراسية، واختتمه بتقديم أربع تقنيات لتنمية ذواتهم وحلّ مشاكلهم.
وتضيف الباحثة أن "الذين يتدخلون بشكل مبالغ فيه بحياة أبنائهم في سن الدراسة الجامعية يعبرون عن رفضهم القاطع لتصنيفهم ضمن المقصرين وأن أدوارهم الأسرية لا تعدو كونها هامشية"، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز تلخيصا لبحثها.
وتقول الباحثة "رغم أن هذا التقييم مقبول نوعا ما، فإنني لا أعتقد أنه من المفيد دمغ الأمهات والآباء بهذه الصفات السلبية، بينما كل ما يلزم فعله هو القليل من التوجيه لكيفية تراجعهم عن مواقفهم إزاء انتقال أبنائهم وبناتهم إلى مرحلة البلوغ".
حين تلعب الأسر دور الوسيط
وفى تعليق لها على اتصال تلقته من أب لطالبة جامعية، اشتكى فيه من أن ابنته لا تجيد الدفاع عن نفسها، قالت فريدمان "بصفتي عميدة ومديرة لمكتب الارتباط الأسري في كلية بارنارد كثيرا ما سمعت هذا النوع من الادعاء".
وهو ادعاء يفتقر للصحة غالبا، وتتمنى أن يدرك الآباء والأمهات مآلات الإفراط في فرض الهيمنة الأسرية بكل نتائجها السلبية.
وتؤكد الباحثة أن هذا البحث يربط بين الهيمنة الأسرية المفرطة ومجموعة من النتائج السلبية، بما فيها انخفاض الكفاءة الذاتية والاكتئاب وتدني المشاركة المدرسية وضعف التكيّف الأكاديمي.
وأوضحت أن الأسوأ من ذلك كله هو سعي الأسر للعب دور الوسيط، ومن ثم الانقضاض لحل كل مشكلة مهما صغرت، مما يعمق إحساس الشباب باعتقاد آبائهم بأنهم يفتقرون للكفاءة وعاجزون عن الدفاع عن أنفسهم.
أفعالهم مقرونة بدافع الحب
وتوضح الدراسة أن إمعان النظر في هذه النوايا المدعومة بالإيثار سيكون مفيدا للوصول إلى أرضية مشتركة مع أولياء الأمور الذين يتصلون بمكتب الارتباط الأسري للشكوى من أن بناتهم عاجزات عن التسجيل في فصولهن الدراسية المفضلة، أو أنهن يتعرضن للترهيب من قبل أساتذتهن.
وتروي فريدمان عن اتصال غاضب من والد إحدى الطالبات بمكتب رئيس الكلية للتعبير عن مخاوفه من عدم تسجيل ابنته في "الفصل المناسب". وتضيف أنها تابعت الموضوع مع الطالبة المعنية مباشرة، وبعد التقصي اتضح أنها ووالدها على طرفي نقيض بشأن خيارات ابنته الدراسية.
ووفق فريدمان، فقد اتضح أن تلك الطالبة لم تكن فقط راضية عن تسجيل خياراتها الدراسية فحسب، بل لم يخطر ببالها قط أن والدها كان ينوي التدخل لاتخاذ القرار نيابة عنها. وتعرضت الطالبة لاحقا للتعنيف والقهر النفسي من قبل والدها.
دعم الشباب الجامعي
وفى تعليق لها على هذا الموقف، تقول فريدمان "أن تظل معرضا للحرج من قبل أولياء الأمور الذين يتدخلون في شؤونك يعتبر استجابة طبيعية وصحية للطالب الجامعي". وتضيف أن ما يقلقها هو ماذا سيحل بالأشخاص الذين تدربوا ليظلوا عاجزين عن اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، في حال غياب الأمهات والآباء لحل مشاكلهم.
وتؤكد أنه لحسن الحظ هناك العديد من التقنيات المتعلقة بدعم الشباب وهم يتعلمون التحدث عن أنفسهم وحل مشكلاتهم واتخاذ القرارات الهامة، ومنها:
1- تشجيع الطلاب على اتخاذ القرارات الملائمة
تقول الباحثة إذا أفضى أحد الطلاب بأن شيئا ما ليس مشرفا، كوجود زميل في الغرفة يستخدم المخدرات، أو إحراز نتيجة امتحان أقل من المستوى المطلوب، في مثل هذه الحالات يجب حث الطالب على اتخاذ الخطوة الأولى وإرسال رسالة بالبريد الإلكتروني لأحد مستشاري الحرم الجامعي، أو النقر على صفحة التذكير عبر الهاتف للاتصال بالشخص المناسب وتحديد موعد للمقابلة لحل المشكلة.
2- حث الطلاب على التواصل كتابة
إذا كان الطالب يخشى التحدث مع أستاذه، أو يواجه تهديدا أو رهبة من عميد الكلية، هنا يجب أن نمد إليه يد المساعدة لمواجهة الموقف، وتنصح الباحثة بتعليم الطلاب كيفية استخدام العبارات الملائمة كتابةً خاصة أولئك الطلاب الذين يواجهون صعوبات في مخاطبة أساتذتهم.
3- متابعة خطوات الحلول والتعايش مع السلبيات
توضح الدراسة أهمية حث الطلاب على متابعة الخطوات التي تفضي إلى حل مشاكلهم خاصة عند تلقيهم أخبارا محبطة كالفشل في اجتياز الامتحانات.
وتضيف أن بعض الطلاب يتخذون من الأخبار المخيبة للآمال ذريعة، ومن ثم يشعرون بالفزع جراء التحدث سلبا عن أنفسهم. وتشير إلى أهمية حصول هؤلاء الطلاب على المزيد من المعلومات مما يساعدهم في اتخاذ قرارات أفضل.
وتضيف الباحثة أنه يجب تذكيرهم بأن التعايش مع خيبة الأمل أحد مظاهر الدفاع عن الذات، وحتى الطلاب الذين يجيدون السؤال عما يحتاجون إليه قد لا يحصلون على الاستجابة التي يريدونها. وعليه، تضيف الباحثة "لا بد من تذكيرهم بأن هذا الموقف مقبول وأن الرفض هو جزء من الحياة".
4- القبول بازدواجية النتائج سلبا وإيجابا
تؤكد الدراسة أن الطلاب بحاجة لإدراك الوقت الملائم لقول "لا" كإجابة نهائية، وكذلك متى يكون من المناسب التراجع عن المواقف مرة أخرى أو طرح المزيد من الأسئلة.
وتختتم الباحثة دراستها قائلة إنه "بمرور الوقت، يصبح الطلاب بوضع أفضل للتعبير عن ذواتهم، ولكن فقط إذا تراجع الآباء وأولياء الأمور عن مواقفهم ليتيحوا لهم فرص ممارسة تمارينهم لتنمية ذواتهم وحل مشاكلهم"