سحر محمد يسري
صحبة الورد أنتِ وصديقاتك الطيبات..وقد اجتمعتن على الخير والفائدة في أمر الدين والدنيا
أم تراكنّ أعواد المسك.. قد انضمت ليفوح عبيرها الرائع فيملأ دنيانا عطرًا ونفوسنا بهجة..!
هي أنتِ ..زهرتنا الحبيبة، وجليساتك الصالحات..
ابنتي زهرة..
إذا كانت الدنيا لا تخلو من الهموم والأنكاد، فإن الله تعالى جعل الأصدقاء والأصحاب من أسباب جلاء الهم والغم، شريطة أن يكونوا صالحين.
وفي عمرك النديّ تكون لا تستغنين عن الصديقات، وتقضين معهن جزءًا كبيرًا من وقتك، تدرسنَ أو تتزاورن، أو تجمعكن الزيارات المتبادلة..
فإلى كل زهرة أهدي هذه السطور حتى تكون أوقاتها مع الصديقات عبيرًا دائمًا في الدنيا، وفرحًا غامرًا، وظلًا تحت عرش الرحمن يوم القيامة.
قبل أن تزوري:
- وازني بين العزلة والمخالطة:
لُبّ الفضيلة التوسط في الأمور، وكلا طرفي الأمور ذميم..
لذلك فالاقتصار على العزلة دائمًا، أو الانفتاح على المخالطة بدون ضوابط، كلاهما خطأ ومذموم شرعًا وعقلًا، فالإسلام دين تجمع وألفة، وقد بيّن لنا الرسول r أنّ المسلم الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خيرٌ من ذلك الذي هجرهم ونأى عنهم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"،وإلا فلن يكون الإحسان للجيران والأقارب إلا بمواصلتهم ومعرفة أحوالهم.
فكم من زيارة دلّت على خير في الدنيا والآخرة، تبادلت فيها الصديقات منافع الدين والدنيا، فنرى في هذه الزيارات ما تقرّ به العين من تعلم الجديد من العلوم والمهارات ونقل الفوائد وتبادل الخبرات، إلى غير ذلك من المساندة والمشاركة في الأفراح والأتراح.
أما المخالطة العشوائية التي لا يأبه لها كثير من الفتيات: فما هي إلا مظهر من مظاهر الفوضى الداخلية، وانعدام الهدف الواضح الذي قد تعانيه الفتاة، فتكون تلك الزيارات والتجمعات العشوائية المتكررة بدون داعٍ صورة من صور الهروب من التبعات والمسئوليات إلى فترات اللهو واللغو، وإهدار الوقت بلا فائدة.
فحريّ بالفتاة أن تسعى حثيثًا لعلاج قبل أن يأتي يوم تندم فيه على تلك الأوقات المهدرة، والجلسات الفارغة من الهدف والمضمون، فضلًا عن تلك التي اجتمعت فيها مع نافخات الكير على ما نهى الله تعالى عنه، وقد جسّد لنا القرآن الكريم تلك الصورة كأننا نراها رأي العين، وإنها لآتية لا محالة..قال تعالى: {ويَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا ويْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:27-29].
-     تذكري أهمية الوقت وشرف الزمان:
بنيتي..
كفى شرفًا للوقت أن جعله الله تعالى محلًا للعبادة؛ فقد وقّّت لنا الله تعالى الشعائر والعبادات بمواقيت معينة لا نتعداها إلا لضرورة، مثل الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، فكل عبادة لها وقت تؤدي فيها.
وبلغت قيمة الوقت أن جعله الله تعالى آية عظمى يأمرنا بالتفكر فيها وتدبرها، حيث قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]
فلا تهدريه في غير فائدة، ولا ترحبي بمن يهدر وقتك، فإنّ وقتك هو حياتك، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (فينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور، بما لا يعجز عنه البدن من العمل). (عصام محمد الشريف:مجالس النساء في الميزان،ص:15،بتصرف)
- وتعرفي على فضل الزيارة في الله تعالى:
إنّ التزاور بينك وبين أخواتك وصديقاتك المسلمات من الأعمال الصالحة التي تتقربين بها إلى مولاك جلّ وعلا، وهو من أسباب محبة الله تعالى لك، شريطة أن يكون هذا التزاور في الله تعالى، بمعنى: أن يكون الدافع المحرّك لكِ للقيام بهذه الزيارة أو استقبالها، هو محبة صديقتك في الله لأنها مطيعة لله تعالى، ومعينة لكِ على طاعته، وليس الهدف من الزيارة مجرد تحصيل منفعة دنيوية فقط، أو العبث وقتل الوقت كما يجري على لسان الفارغات. فباستحضار النية الصالحة في تزاورك مع صديقاتك تحولين الزيارة من مجرد عمل ترفيهي أو عادة جوفاء إلى عبادة جليلة تنالين بسببها ما أعده الله - عز وجل- للمتزاورات من الأجر العظيم. (خولة درويش:الزيارة بين النساء،ص: 30 بتصرف
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله؛ ناداه مناد: بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلًا). وعن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في)، بل من صفات أهل الجنة أنهم كانوا يتزاورون في الدنيا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة: النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله عزّ وجلّ..)
- وانظري من تزورين ومن تجالسين:
لا تجعلي وقتك وطاقتك نهبًا لكل من أرادت أن تقتل وقتها وتهدر عمرها بلا هدف، والأكثر سوءًا أن تسحبك إلى المشاركة في ما يغب الله تعالى من قول أو فعل، فلن تعدو جليستك أن تكون واحدة من هذين الصنفين يقول النبي r: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة).
فانتقي جيدًا من تصاحبين وتجالسين، واحرصي على زيارة أهل الخير والصلاح اللاتي يذكرنك بالله تعالى، ويشحذن همتك للمسارعة في الخيرات. قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } -الكهف: 28-.
وصاحب إذا صاحبت حرًا مبرّزا         يزين ويزرى بالفتى قـرنـاؤه
واحذر مؤاخاة الدنيء لأنه                يُعدي كما يُعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخرًا             إنّ القرين إلى المقارن يُنسـب
- لابد من استئذان الوالدين ورضاهما:
عليك بالاستئذان من ولي أمرك سواء كان أبًا أو أمًا أو أخًا كبيرًا، واستئذان الوالدين في الخروج من المنزل ليست تسلطًا، ولا امتهانًا لكِ، أوانتقاصًا لشخصك، إنما هي من طاعة الله تعالى والقربات إليه التي تثاب عليها ويجب أن تعتز بها (عبد اللطيف البريجاوي:ذوقيات إسلامية،ص:15 بتصرف)
كذلك فإنّ رضا الوالدين عمن تخالطين وتصاحبين، هام جدًا، وهو لا يعني التحكم في ذاتك أو شخصك، ولكن لابد أنّ لهما وجهة نظر قد لا تدركيها أنت، فنظرتهما أعمق ولديهما القدرة على فحص شخصية الصديقة وبيئتها الأسرية أكبر بكثير مما لديك، ثم أنك قرة عينهما وأغلى شيء عندهما، فكيف يتركانك تدخلين بيتًا قد دخلهما القلق منه؟ وكيف يسمحان لك بإهدار وقتك مع من لا تعرف أصلًا قيمة الوقت، أومن لا تمتلك هدفًا جادًا واضحًا تسير نحوه وتأخذ بيدك معها نحو معالي الأمور؟ إنّ طاعتهما في ذلك من صميم البر، ومن أكبر الدلائل على قوة شخصيتك المؤمنة، التي تعظّم ما عظّمه الله تعالى .
ولكِ في "كَهْمَسْ الدَعّاء" التابعي الجليل قدوة حسنة، فقد عُرف واشتُهِر ببره لأمه، وكان له أصحابٌ من الصالحين، ولكنهم لا يعجبون أمه -الصالحة أيضًا-، وكان لها في جلوسهم معه وجهة نظرة أخرى، فماذا فعل.. ؟؟!
(كان "عمرو بن عبيد" يأتي "كهمس الدعّاء" يسلم عليه، ويجلس عنده هو وأصحابه، فقالت له أمه:إني أرى هذا وأصحابه، وأكرههم، وما يعجبوني، فلا تجالسهم"، قال: فجاء إليه عمرو وأصحابه، فأشرف عليهم، فقال:"إنّ أمي قد كرهتك وأصحابك، فلا تأتوني" (د.محمد إسماعيل:عودة الحجاب،ج/2،ص:178 نقلًا عن:حلية الأولياء، لأبي نعيم،ج/6،ص:212)
فرحمه الله، ويا عجبًا من طاعته المباشرة لأمه، واحترامه لوجهة نظرها التي يفهمها ضمنًا من غير أن تصرّح بها، وتقديم أمرها على مجالسة أصحابٍ لا ترضى هي عن جلوسه معهم،وإن كانوا صالحين..!!
تحلي بآداب الزيارة:
لقد أعلى الإسلام من شأن الأدب في كل أبوابه، والمجالس بلا أدب لهو وغوغاء وصخب، وزينة المجالس آدابها، فإليك طرفًا منها:
-لا تزوري أحدًا قبل أنّ تحدّدي موعدًا مسبقًا للزيارة، عن طريق الهاتف إنّ استطعت، وتجنبي الزيارات المفاجئة التي قد تسبب الضيق والإزعاج لصديقتك، فربما هشّت وبشّت في وجهك حلمًا وكرمًا، وهي في الأصل غير مهيأة للزيارة في ذلك الوقت.
- إلقاء السلام، والاستئذان عند الدخول، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r :"إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة"
- حفظ أسرار المجلس، فلا تنشري سرًا أذيع فيه، أو تكشفي عورة اطلعت عليها، ولا تعتادي إعادة الحديث الذي دار في المجلس إلى خارجه، إلا في خير أو إصلاح بين المسلمات فإفشاء السرّ من الأخلاق المرذولة، وهو من صور الخيانة؛ فليس بمؤتمن من لم يضبط لسانه، ولم يتسع صدره لحفظ ما يُسَرّ إليه به.
- اجلسي في المكان الذي تشير إليه صاحبة المنزل، ولا تكثري الالتفات والتفحّص في أرجاء المنزل، واجعلي خفة الزيارة هي سمتك الدائم.
وأخيرًا..
إنّ صديقاتك الصالحات.. من أجمل نعم الله تعالى عليك، وزيارتك لهن أو لقاءاتك المتجددة بهن من شأنها أن تزيد الودّ..وتقوي رابطة المحبة في الله تعالى بينكن..فحافظي عليها، والتزمي بآدابها..يصفو لكِ عبير المسك من حاملات المسك..!!
المراجع:
-       عودة الحجاب:د.محمد اسماعيل المقدم
-       مجالس النساء في الميزان:عصام محمد الشريف
-       الزيارة بين النساء:خولة محمد درويش
-       ذوقيات إسلامية:عبد اللطيف البريجاوي

 

مفكرة الإسلام

JoomShaper