ديمة محبوبة
عمان- "كنت دائما الشخص الذي يلجأ إليه الأصدقاء عند الحاجة، أستمع إلى مشاكلهم وأحاول تقديم النصيحة والدعم بقدر ما أستطيع، لكن مع مرور الوقت، بدأت أشعر بالإرهاق العاطفي والاجهاد النفسي"، هكذا يقول خالد عبدلله الذي يبين أن بعض أصدقائه يعيشون في دوامة مستمرة من السلبية والضغوطات، وباللاشعور بات يتحمل جزءا من أعبائهم إن لم يكن جميعها.
ويؤكد أن صداقته وحسن استماعه جعلاه مثقلا بتلك العلاقات السلبية، كما يقول، فهو لا يجد مكانا يفرغ فيه هذه الطاقة السلبية، ولا يجد أصدقاءه عندما يواجه أي ظرف صعب، لأن مشاكلهم كثيرة ولا يتركون له متسعا من الوقت، أو يشعرونه بأن ظروفه سهلة أو قابلة للحل ولا تشبه ما يمرون به بشيء.
ويعبر عن مشاعره، قائلا: "أحيانا أشعر وكأن مشاكلهم تبتلعني بالكامل، لدرجة أنني أبدأ في الشعور بالضغط والقلق الذي يعانون منه. وليس الأمر أنهم لا يقدرون وجودي، بل هم غارقون في مشاكلهم الخاصة لدرجة أنهم لا يرون تأثيرها عليّ. حتى أن كل محادثة تنتهي بشكوى جديدة، وكل مرة نلتقي فيها، تتكرر القصص المحبطة نفسها".
عبدالله يحاول دائما أن يكون داعما، لكنه يشعر بحاجة إلى مساحة للتنفس ووقت لمشاكله الخاصة. كما يقول إنه يشعر أحيانا بصراع بين مشاكله ومشاكل من حوله الذين يعتمدون عليه في حلها. ففي ظل مشاكل الآخرين، يتم إهمال مشاكله.
يشعر عبدالله بالذنب أحيانا، خصوصا عندما يفكر في الابتعاد قليلا بسبب الإرهاق العاطفي الذي يشعر به دائما مع أصدقائه. يحاول الحفاظ على توازنه، مؤكدا أهمية إعادة تقييم هذه العلاقات وكيفية التعامل معها بطريقة لا تؤذيه.
في الحياة اليومية، نلتقي بأشخاص يمرون بتجارب قاسية وحوادث سلبية تؤثر في تفكيرهم وسلوكهم. هؤلاء الأشخاص قد يصبحون أصدقاء لنا، وفي بعض الأحيان نجد أنفسنا في مواجهة تحديات التعامل مع مشاعرهم السلبية والمتكررة.
"الأصدقاء المستنزفون عاطفيا"، مصطلح نفسي يوضحه اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، ويشير إلى أولئك الذين يشعرون بحزن مستمر أو قلق أو غضب نتيجة لتجارب حياتية سلبية، مثل فقدان شخص عزيز، الفشل في العلاقات، أو الضغوط المالية. هذا النوع من العلاقات قد يكون صعبا ومعقدا، لأن الأصدقاء المستنزفين يحتاجون إلى دعم عاطفي دائم، مما يدفع المقربين منهم للاستماع إلى شكاواهم بشكل متكرر.
ويؤكد مطارنة أن الاستماع المستمر لمشاكل الأصدقاء يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوتر والقلق. ويلفت إلى أن الفرد حينما يكون محاطا بالسلبية، يصبح من الصعب الحفاظ على نظرة إيجابية للحياة، مما يؤثر في صحته النفسية، وقد يؤدي إلى الاكتئاب أو الشعور بالإرهاق.
يعتقد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، أن بعض العلاقات تضيع الوقت بالسلبية. والعلاقات الطبيعية التي تحتوي على مشاعر سلبية وإيجابية بين الحين والآخر أمر طبيعي، خاصة إذا كانت متبادلة. أما الأشخاص الذين يتم الحديث عنهم هنا فهم من يقللون من مشاعر الآخرين، معتبرين أنها أقل أهمية من مشاعرهم الخاصة وغير ضرورية للنقاش. فعلى سبيل المثال، قد يقولون "ذلك لا شيء، فأنا أشعر بكذا وكذا"، ثم يعودون لمشاكلهم من دون المشاركة في مشاعر الآخرين.
ويضيف أن هذه العلاقات تؤثر في علاقة الفرد بالآخرين، فعندما ينشغل بمشاكل أصدقائه المستنزفين، يجد نفسه مبتعدا عن أشخاص آخرين أو يقلل من وقته الشخصي والعائلي. أما عن الشعور بالذنب لعدم الرغبة في التواجد بجانب هؤلاء الأصدقاء، يوضح مطارنة أنه إذا لم يتمكن الفرد من تقديم المساعدة المطلوبة أو قرر الابتعاد قليلا لحماية نفسه، فقد يشعر بالذنب، مما يزيد من الضغط العاطفي عليه. هنا ينصح مطارنة بوضع حدود والتوازن فيها.
ووفقا لمطارنة، "من المهم تقديم الدعم للأصدقاء، ولكن يجب أن نتذكر كأشخاص عاديين أننا لسنا معالجين نفسيين. من الجيد أن نكون موجودين عندما يحتاجون إلى التحدث، ولكن من الضروري أيضا وضع حدود لحماية صحتنا النفسية".
ويقدم مطارنة نصيحته بأهمية أن يلجأ الأصدقاء لطلب المساعدة المهنية إذا كانت مشاكلهم تتجاوز القدرة على المساعدة. في مثل هذه الحالات، قد يكون من الأفضل توجيههم نحو مساعدة متخصصة، مثل الاستشارة النفسية.
أما الفرد المحاط بمثل هذه العلاقات، فيجب أن يعتني بنفسه أولا قبل أن يتمكن من مساعدة الآخرين. عليه التأكد من أنه يقضي وقتا في فعل الأشياء التي تجعله سعيدا وتشحن طاقته.
ومن المهم أيضا أن يكون صريحا مع أصدقائه بشأن تأثير سلوكهم عليه، ويمكن أن يكون الحوار المفتوح حول المشاعر مفيدا لتوضيح الحدود وتقليل العبء العاطفي.
وأخيرا، يؤكد أن العلاقات مع الأصدقاء المستنزفين عاطفيا تمثل تحديا كبيرا، ومن الضروري أن يحقق الفرد التوازن بين تقديم الدعم وحماية صحته النفسية، ففي نهاية المطاف، من المهم أن يتذكر أن الحفاظ على صحته النفسية والاجتماعية تأتي في المقام الأول، وأنه ليس عليه تحميل نفسه عبئا أكثر مما يستطيع.
تقول مدربة العلاقات شيري جوردون، في مقالها المنشور عبر موقع "فيري ويل مايند": "رغم احتياج الجميع إلى متنفس للتعبير عن التحديات والظروف التي يواجهونها في وقت الشدة، غير أن بعض العلاقات التي يقوم فيها شخص واحد بتقديم المساعدة والدعم، بينما يقوم الآخر بالشكوى طوال الوقت، تتحول إلى عبء وشعور ضاغط بالاستنزاف والإرهاق العقلي والنفسي وأحيانا الجسدي أيضا".