القاهرة - فايزة هنداوي
{شربت حجرين على الشيشة}، {أنا عامل دماغ تمام}، {شارب سيجارة بني} وغيرها من الأغاني التي تتمحور حول المخدرات تنتشر بقوة لدى فئات الشعب كافة وباتت تُستخدم كنغمات للهواتف المحمولة. الكارثة، أن الأطفال يردّدونها لأنهم يسمعونها في الشوارع والحافلات التي تنقل الطلاب إلى المدارس، فما هو سبب انتشار هذه الظاهرة وكيف يمكن مواجهتها؟ .
يعزو الشاعر إبراهيم عبد الفتاح انتشار هذه الأغاني إلى حالة التردّي التي تصيب المجتمع نتيجة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، ما يدفع الناس إلى إدمان المخدّرات هروباً من واقعهم الأليم.
يضيف عبد الفتاح أن هدف هذه الأغاني يكون في البداية انتشارها في الأفراح الشعبية التي توزَّع فيها المخدرات، إلا أنها لا تلبث أن تروَّج بين طبقات الشعب كافة نظراً إلى تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات في المجتمع بشكل كبير.
انعكاس للواقع
الفن انعكاسٌ للواقع، في رأي الشاعر الغنائي عوض بدوي، لذا لم يعد انتشار هذه النوعية من الأغاني غريباً في ظل حالة التردّي التي وصل إليها المجتمع المصري.
يضيف بدوي أن انتشار المخدّرات بشكل واسع وعلنيّ يعود إلى غياب دور الأسرة التي تحصر اهتمامها بالمال، وترويج الإعلام للمخدرات والعري والابتذال، وغياب الأمن ودور الدين أيضاً.
يرى بدوي أن مواجهة هذه الظاهرة ليست سهلة، لأن القضاء عليها يتطلب تغيير ظروف المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهذا أمر يحتاج إلى وقت طويل.
في هذا السياق، يوضح المغني عبد الوهاب محمد المشهور بـ{هوبا} وصاحب أغنية {شربت حجرين على الشيشة} أن هدفه من أداء هذه الأغنية نصح الشباب بالابتعاد عن المخدّرات بعد انتشارها في الفترة الأخيرة وتأثيرها السلبي عليهم.
يضيف محمد أن كل كلمة في الأغنية تحرّض على الابتعاد عن المخدرات نظراً إلى خطورتها، ومن يستمع إليها جيداً يتبين له ذلك، مشيراً إلى أن جملة {مش هعمل كده تاني} التي تكررت في الأغنية أكثر من ثماني مرات تؤكّد ندم من يسلك هذا السلوك.
الطريف أن لحن الأغنية الراقص تسبّب في انتشارها ومن ثم الترويج للمخدرات، ما ينفي تماماً مزاعم مؤديها، وهذا ما ينطبق على الأغنيات الأخرى التي تتميّز بإيقاعات راقصة.
بدوره، يؤكد أشرف وهبة الذي يغني {أنا عامل دماغ تمام} أن أغنيته ليست لها أيّ علاقة بالمخدرات، موضحاً أن عبارته {أنا عامل دماغ تمام مش بانجو ولا برشام}، تشير إلى أن السعادة قد تأتي عبر طرق أخرى غير المخدّرات، وفي هذا الأمر دعوة صريحة الى الابتعاد عن المخدرات.
رأي الطب النفسي
يعتبر الدكتور فاروق لطيف، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن انتشار هذه الأغاني يواكب التدهور العام الذي وصل إليه المجتمع العربي على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يقول: {أصبح الواقع صادماً وابتعد الناس عن الخيال وفقدوا الأمل في أي إصلاح، لذا نراهم يبحثون عن متنفس لهم يحررهم من هذا الواقع حتى لا يشعروا بالأسى والإحباط}.
يحمّل لطيف الإعلام المسؤولية في انتشار هذه الظاهرة، {إذ تسيطر عليه الإباحية والابتذال}، بالإضافة إلى غياب دور الأسرة التي تترك الأطفال ساعات طويلة أمام الإنترنت والتلفزيون، فيتلقّون قيماً غير سوية، ما يفسّر حماستهم لتلك الأغاني التي يسمعونها باستمرار.
في المقابل، يكشف د. سيد خطاب، رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، أن الرقابة بالتعاون مع مباحث المصنفات الفنية تصادر يومياً كمّاً من شرائط الكاسيت والأسطوانات التي تضمّ هذه الأغاني، إلا أن هذه الأخيرة تُطبع ثانيةً في أماكن غير معروفة وغير مرخص لها، وتوزّع في الأسواق، لأن طباعتها غير مكلفة وتحقق مكاسب كبيرة.
يلفت خطاب الى أن هذه النوعية من الأغاني منتشرة في أنحاء العالم وليست جديدة على المجتمع المصري، كما يعتقد البعض، إلا أن وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت والبلوتوث ساهمت في توسيع دائرة انتشارها ويتم تداولها بشكل فردي بعيداً عن سلطة الرقابة.
جريدة الجريدة