ديمة محبوبة

تكاد لا تخلو أي جلسة من حديث عن اضطراب القولون العصبي، فقد أصبح هذا المرض واسع الانتشار ولم يعد يقتصر على كبار السن أو من يعيشون أنماط حياة خاملة، بل بشكل شائع وملحوظ بين الشباب وحتى المراهقين.

اليوم، يعاني الكثيرون من نوبات متكررة من آلام البطن، الانتفاخ، الغازات، والإمساك أو الإسهال دون سبب عضوي واضح، مما يجعل الحياة اليومية تحديا مستمرا، يرافقه ألم شديد وإحراج، سواء في بيئة العمل أو خلال التجمعات العائلية.سارة (28 عاما) موظفة في قطاع البنوك، واحدة من هؤلاء الذين يواجهون هذا الاضطراب بشكل يومي، حيث تعاني من آلام القولون العصبي منذ سنوات طويلة.

بدأت أول مرة عندما شعرت بالاختناق وصعوبة في التنفس، إلى جانب ألم حاد في كتفها، وذلك بعد أن تلقت خبر وفاة جدتها. حينها، نصحها عمها بالمشي حتى تخف من حدة الأعراض.

ومنذ ذلك الحين، تؤكد سارة أن هذه الحالة أصبحت ملازمة لها، خاصة في فترات الضغط الشديد في العمل، إذ تزداد اضطرابات القولون كلما زادت الاجتماعات والمواعيد النهائية. ووفق قولها فإن الأدوية التي تستخدمها ليست علاجا جذريا، فقد جربت العديد منها، لكنها لا تتعدى كونها مسكنات تخفف بعض الأعراض دون أن تحل المشكلة بشكل نهائي.

بعد أن استمعت إلى مختصة في علم التغذية عبر إحدى القنوات، حيث نصحت مرضى القولون العصبي بتقليل تناول البقوليات التي تسبب الانتفاخ، وتجنب الكافيين قدر الإمكان، قررت سارة تجربة هذه النصائح. وبالفعل، وجدت أن التزامها بتلك النصائح منحها بعض الراحة وساعدها في تخفيف الأعراض.

أما علي وهو طالب الثانوية العامة، فيعاني أيضا من القولون العصبي، لكنه يوضح أن التوتر خلال هذه الفترة يفاقم حالته لدرجة أنه أحيانا يشعر بأعراض تشبه النوبة القلبية، ما اضطره للتوجه إلى الطوارئ. وهناك، اكتشف أن ما يعاني منه ليس مشكلة في القلب، بل هو أحد أعراض القولون العصبي، حيث يمكن أن يسبب هذا الاضطراب أعراض مشابهة للنوبات القلبية، ما يزيد من حدة القلق والتوتر.

بعد تلقيه العلاجات الوريدية، قل الألم لدى علي، لكن الأطباء نصحوه بضرورة مراجعة طبيب متخصص لمتابعة حالته. ومع ذلك يؤكد أن العلاج لم يكن كافيا، إذ إن التوتر الذي يعيشه خلال هذه الفترة يزيد من حدة الأعراض، مما يجعله يعاني غالبا من مغص شديد وإسهال مفاجئ.

مع مرور الوقت، بدأ يلاحظ أن تناول الأطعمة الحارة والمقلية يفاقم حالته، فحاول استبدالها بالخضراوات والبروتينات الصحية، مما ساعد في التخفيف من الألم، لكنه ما يزال مستمرا.

أما هند، وهي أم لطفلين، فتؤكد أن اضطرابات القولون العصبي ليست فقط مشكلتها الشخصية، بل هي حالة يعاني منها معظم أفراد عائلتها. والمفاجأة كانت عندما اكتشفت أن ابنتها البالغة من العمر تسعة أعوام تعاني من الأعراض نفسها، ليتبين أن القولون العصبي حالة وراثية انتقلت إليها من العائلة.

وتوضح هند أن معاناة ابنتها أصعب من معاناتها الشخصية، لأنها تدرك تماما حجم الألم الذي يسببه القولون العصبي. ولأنها طفلة، تحاول أن تشرح لها أن التوتر قد يزيد من الأعراض، كما أن بعض الأطعمة التي تحبها قد تسبب لها نوبات من الألم، لذا من الأفضل تقليلها للمساعدة في تهدئة القولون.

وتقول هند: "ابنتي لا تستطيع النوم ليلا إذا تناولت الفاصولياء البيضاء، لكنها تحبها كثيرا، ولا يمكنني منعها عنها تماما. لذا، أحاول تحضير مشروبات تساعد في تهدئة القولون، لكنها ليست حلا سحريا".

من جانبها تؤكد اختصاصية التغذية ربا العباسي، أن اضطراب القولون العصبي أصبح يعرف اليوم بـ "مرض العصر الجديد"، نظرا لانتشاره الواسع وتأثيره المتزايد على مختلف الفئات العمرية.

وتوضح العباسي أن هناك عدة أسباب وراء تفاقم هذه المشكلة، أبرزها الضغط النفسي ونمط الحياة الحديث، قائلة، "حياتنا اليوم أصبحت أكثر تسارعا وضغطا، سواء في الدراسة والعمل، أو حتى في العلاقات الاجتماعية، ما يؤثر بشكل مباشر على الجهاز الهضمي".

وتشير إلى أن النظام الغذائي الحديث، الذي يعتمد بشكل متزايد على الوجبات السريعة، المشروبات الغازية والاستهلاك المفرط للكافيين، إلى جانب قلة الألياف، كلها عوامل تؤدي إلى اضطرابات الجهاز الهضمي وتزيد من حدة أعراض القولون العصبي.

كما تؤكد أن الخمول وقلة النشاط البدني لهما تأثير مباشر على حركة الأمعاء، مما يؤدي إلى تفاقم الأعراض. وتضيف أن الاستخدام المتكرر للمضادات الحيوية يمكن أن يخل بالتوازن البكتيري في الأمعاء، ما قد يتسبب في مشكلات هضمية طويلة الأمد.

وتلفت العباسي إلى أن بعض الدراسات أثبتت وجود استعداد وراثي للإصابة بالقولون العصبي، حيث تزداد احتمالية الإصابة إذا كان هناك أفراد في العائلة يعانون من نفس المشكلة.

وتشير إلى أن من يعاني من القولون العصبي يمكنه التعايش معه من خلال بعض التعديلات البسيطة في نمط الحياة، مثل تقليل التوتر عبر التأمل، اليوغا أو ممارسة الهوايات المريحة التي تساعد على تهدئة الجهاز العصبي.

وتؤكد أن أحد أهم التغييرات التي يمكن أن تخفف الأعراض هو اتباع نظام غذائي صحي، غني بالألياف وقليل بالأطعمة الدهنية والمصنعة، بالإضافة إلى مراقبة المحفزات الغذائية من خلال تسجيل الأطعمة التي تسبب تفاقم الأعراض وتجنبها.

كما تنصح بممارسة الرياضة بانتظام، مثل المشي أو السباحة، لما لها من تأثير إيجابي على صحة الأمعاء، إلى جانب شرب كميات كافية من الماء لدعم عملية الهضم. وتؤكد على أهمية تجنب الكافيين والمشروبات الغازية، لأنها قد تزيد من تهيج الأمعاء وتفاقم الأعراض.

وأخيرًا، تؤكد العباسي أن القولون العصبي رغم كونه اضطراريا مزعجا، إلا أنه ليس خطيرا، ومع التوعية والاهتمام بنمط الحياة، يمكن للمصابين التخفيف من أعراضه والعيش براحة أكبر. وتشدد على أن التوازن بين الصحة النفسية والجسدية وتقليل الضغوط اليومية التي باتت تحاصر الجميع في هذا العصر السريع، يمثلان مفتاحا أساسيا لتهدئة أعراض القولون العصبي.

=====================

 أطفال لا يمسكون القلم.. خطر الشاشات يهدد التعليم

دقت كاثرين بيكهام، مستشارة في مرحلة الطفولة المبكرة وباحثة، ناقوس الخطر محذرة أولياء الأمور من مغبة إفراط الأبناء في المكوث أمام الشاشات.

وحسب ما نشرته "غارديان" البريطانية، قالت بيكهام: "إنها باعتبارها متخصصة في تعليم السنوات الأولى، فقد رأت على مدى العقد الماضي أطفالا يدخلون الفصول الدراسية وهم يمتلكون عددا أقل وأقل من المهارات اللازمة لبدء تعليمهم الرسمي"، لافتة إلى ان المتهم الرئيسي هو وقت الشاشة.

 

 

ففي اليوم الأول للطفل في المدرسة، من الطبيعي أن يشعر ببعض التوتر. ولكن يجب أن يكون التلاميذ قادرون على التحرك بثقة، واستخدام القرطاسية، وتكوين صداقات جديدة، وبناء علاقة مع معلمهم، والبدء في الشعور بأنهم جزء من مجتمع أوسع. ولكن أشارت دراسة حديثة إلى أن بعض الأطفال في إنجلترا وويلز غير قادرين على الجلوس أو حمل القلم.

إعداد الطفل للفشل

وأضافت بيكهام أنها رأت أطفالاً يعانون من قلق الانفصال وغير قادرين على تكوين روابط. إنهم منزعجون ومرتبكون، ويتجاهلون التعليمات ويتراجعون أو يستسلمون. بالنسبة للمعلم المشغول، يبدو هذا بمثابة نقص في القدرة، أو طفل مشاغب يجب إدارته. يتم إعداد الأطفال ببساطة للفشل.

جائحة "كورونا"

لفترة من الوقت، بدا الأمر كما لو أن الوباء ربما كان السبب في تأخر التنمية. لا شك أن عمليات الإغلاق كان لها تأثير على نمو الأطفال الذين نشأوا خلال تلك الفترة، حيث لم يتمكنوا من اللعب في الخارج والتفاعل مع الآخرين، ولكن بعد مرور خمس سنوات، يبدو أن هذه كانت مشكلة قصيرة المدى تخفي اتجاها أطول أمدا بكثير.

الهواتف الذكية

وقد أدت عمليات الإغلاق إلى تفاقم العادات التي بدأت بالفعل مع ظهور الهواتف الأولى التي تعمل باللمس. يعتمد عدد متزايد من الآباء على الهواتف الذكية للعمل وتنظيم حياتهم والتسوق والبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة. بسبب الإرهاق والتشتت، قضوا وقتًا أقل في تربية الأبناء بشكل نشط. وبدورهم، قاموا بتسليم أطفالهم جهازا لإبقائهم مستمتعين. وكانت النتيجة أن الأطفال نشأوا وهم يمارسون نشاطا بدنيا أقل ويتفاعلون اجتماعيا وجها لوجه بشكل أقل.

مثال "الجبيرة"

وأعطت بيكهام تشبيها قائلة: "إذا تخيل المرء أنه يقضي عاما كاملا من دون حركة داخل جبيرة - ستضعف عضلاته وستصبح حركاته غير مريحة". وبالمثل، فإن الأطفال الذين فاتتهم السنوات الأساسية لتطور العضلات، عندما كان من المفترض أن تكون الممارسة طبيعية وثابتة، لأنه بدلا من الحركة، تم تشجيع الأطفال على الجلوس بهدوء باستخدام جهاز".

الجري واللعب

يحتاج الأطفال إلى فرص للجري واللعب والتسلق والاستكشاف. إنهم يحتاجون إلى عقبات لتحريك أجسادهم، وأنفاق للزحف من خلالها، وعوارض للتوازن عليها، وأطواق هولا للقفز بينها. ينبغي استخدام كل عضلة ومفصل لتطوير التوازن والوضعية. يساعد هذا على إنشاء اتصالات عميقة بين الدماغ والجسم، وهي الاتصالات التي تتطلب التنسيق والوعي المكاني.

وقت تفاعلي جيد

ومن الناحية الإدراكية، يعاني الأطفال بسبب عدم حصولهم على وقت تفاعلي جيد مع مقدمي الرعاية لهم. توصلت دراسة أجريت على مجموعة من الأطفال الأستراليين، الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و36 شهرا، إلى وجود ارتباط سلبي بين الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات والحديث بين الوالدين والطفل.

ومع قلة الكلمات التي يتحدث بها البالغون، كان هناك انخفاض في التعبيرات الصوتية للأطفال والمحادثات المتبادلة التي تعد ضرورية لتطور اللغة والمهارات الاجتماعية. وتؤثر الأجهزة أيضا على السلوك، إذ أظهرت الدراسات وجود صلة بين الإفراط في استخدام الشاشة والتفاعل العاطفي والعدوانية والسلوكيات الخارجية لدى الأطفال.

JoomShaper