رشا كناكرية

عمان- سؤال بسيط وجهته الأم مها لطفلها آدم (10 أعوام) عن أحلامه التي يسعى لتحقيقها عندما يتقدم بالعمر، وتفاجأت بأنه يخبرها بأحلام قد تكون بعيدة عن خيال الأطفال.

انصدمت مها من تعليق ابنها بأنه لا يفكر بالتفوق أو التقدم بدراسته، وبدلا من ذلك يسعى لإنشاء قناة له على إحدى منصات التواصل التي ستكون انطلاقته للعالمية والنجاح والثراء بسرعة، الأمر الذي سيمكنه من التجول حول العالم.

مها شعرت بالاستغراب من طبيعة أحلامه واختلافها عما كانت تتوقعه، والصدمة الأكبر عندما شعرت بثقته الكبيرة بالوصول لهذه الأحلام وكانه يراها أمامه وهذا ما اقلقها بحد قولها.

وأوضحت أنها تعلم تماما الواقع الحقيقي الذي نعيشه اليوم وقلة الإمكانيات والمشكلات الاقتصادية التي قد تواجه الأطفال مستقبلا، ولهذا قررت أن تساعده بوضع أحلام وأهداف تناسب الواقع الذي يعيشه طفلها وأن تجعله يدرك أن الأحلام تتحقق بالتدرج، لهذا ركزت على مساعدته في اكتساب مهارات وقدرات تمكنه من مواجهة معيقات الواقع.

بينما علي (41 عاما) عند سؤال طفلته سيلين عن حلمها الذي تسعى لتحقيقه وجدها تسرد له العديد من الأهداف الكبيرة والبعيدة والتي قد تكون مستحيلة في حياتها التي تعيشها.

ويعترف علي انه يدرك أن هذا الأحلام نتيجة العالم الرقمي الذي كبروا وهم يتنقلون بين منصاته ورؤيتهم لنجاح أقرانهم بعمر صغير هو ما دفع طفلته لتسير نحو هذه الأحلام والخيال الواسع.

ويشير علي انه حاول مساعدة ابنته في فهم الواقع الذي يعيشونه لتغير وتعدل أحلامها بما يتناسب مع واقعنا ولتعيش شعور تحقيق الحلم دون أن تخذل من الواقع.

والحقيقة أن أجيال اليوم يمتلكون من الخيال من قد يذهل البعض، "أحلام كبيرة وإنجازات عظيمة"، فهذا عنوان مستقبلهم الذي يطمحون إليه ويسيرون نحوه متناسين بذلك الواقع الذي يتواجده به.

هذا الجيل فتح عينيه على عصر السرعة والعالم الرقمي، ولذلك نجد الكثير منهم لديهم ثقافة الحلم البعيد والخيال الواسع، ولكن الحقيقة أن الواقع يختلف كثيرا، وهنا يبقى السؤال ما بين الخيال والأحلام الكبيرة هل يصطدم أجيال اليوم بالواقع؟

الاستشاري النفسي والمحاضر الدولي المعتمد يزيد موسى يبين أن جيل اليوم ولد في عصر منفتح على العالم أجمع، موضحا أن التكنولوجيا ألغت الحدود، ولذلك أي فكرة أو حلم يرونه على مواقع التواصل الاجتماعي "السوشال ميديا" بنظرهم وكأنه متاح وبسهولة.

ويذكر موسى ان ألعاب الفيديو، والأفلام، والذكاء الاصطناعي ساعدت عقولهم لتعمل بخيال واسع جدًا، وكذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي "السوشال ميديا" رأوا أشخاصا بأعمارهم ينجحون بسرعة، لذلك نضجت لديهم فكرة أن النجاح يجب أن يكون سريعا وسهلا.

وينوه موسى أن قلة الخبرة بالواقع قد تكون أحد الأسباب، فهم لم يمروا أو يختبروا تجارب تجعلهم يرون العقبات الحقيقية، بالإضافة إلى أن البيئة المادية ساهمت بذلك أيضا فأغلب الأهالي اليوم يحاولون أن يوفّروا لأطفالهم حياة أفضل، فيكبرون وهم معتادون على إن طلباتهم تتحقق بسرعة.

ومن الجانب النفسي يبين موسى أن جيل اليوم إذا لم يستطع أن يحقق أحلامه، أو اصطدم بالواقع القاسي مثل الوضع الاقتصادي، هذا قد يسبّب لهم إحباط شديد وفقدان الدافع إذ يشعرون أن الحياة ظلمتهم، بالإضافة إلى شعور القلق وقد يصل للاكتئاب والشعور بانعدام القيمة.

كما قد يمرون بما يسمى احتراقا نفسيا مبكرا، بحسب موسى، وذلك لأنهم اعتادوا الركض سريعا، والأخطر هو التعلق السلبي بالعالم الافتراضي، إذ يهربون من الواقع لعالم الألعاب أو السوشال ميديا بدلا من مواجهة مشاكلهم.

ويشدد موسى على أهمية دور التربية والوعي لتعامل مع الواقع، وعلى العائلة والمحيط الاجتماعي أن يزرعوا بالأبناء بعض المهارات المهمة ومنها، تعلّم مهارات التدرج بمعنى أن الأحلام الكبيرة تتحقق بخطوات صغيرة، وليس بقفزة وحدة.

والأهم؛ التوازن بين الخيال والعمل بمعنى أن الخيال مهم بالإلهام، لكن يجب أن يرتبط بخطة عملية واقعية، بالإضافة إلى تعزيز المرونة النفسية بتقبل الخسارة كجزء طبيعي من الحياة.

الى ذلك، أن يكون لديهم القدوة بمشاهدة أمثلة حقيقية من أشخاص نجحوا بعد جهد، وليس فقط قصص النجاح السريعة على السوشال ميديا، وان لا تغيب المساندة العاطفية عنهم، فالأهل والمعلمين يجب أن يكونوا مصدرا للدعم، لا ضغطا إضافيا.

اللايف كوتش والباحثة الأكاديمية فيروز مصطفى تؤكد أن هنالك فرقا بين جيل اليوم والأجيال التي سبقتها، لسبب بسيط أنهم ولدوا يتحدثون لغة التكنولوجيا، إذ تجد الطفل منذ صغره يحمل لوحا رقميا، فهم رواد بهذه الثقافة الرقمية، لذلك يعتقد أن كل شيء يريده بكبسة زر يحصل عليه، والتكنولوجيا رسخت هذه الفكرة الأمر الذي زاد من صفة الاستعجال.

ثانيا، السوشال ميديا كسرت العديد من المفاهيم بحسب مصطفى، ومثالا عليها مفهوم النجاح أو الشهرة، إذ أصبحت أمورا سريعة بالنسبة لجيل اليوم، بينما الأجيال التي سبقتها إذ سألتهم ما معنى أن تصبح ثريا سيخبرك انه يريد البدء بمشروع صغير ومن بعدها سلسلة متاجر ليصل للنجاح.

بينما بالنسبة لجيل اليوم فهم شاهدوا طرقا أخرى للثراء والنجاح، عبر التطبيقات الرقمية وغيرها.

وتبين مصطفى أن العالم الرقمي أظهر لهم أن هنالك طرقا سهلة وسريعة، ولذلك من الصعب أن يتقبل فكرة الطريق الكلاسيكي بجمع القليل من المال واستثماره، من ثم تجميع الأرباح فهذا جميعه لم يعد يجذب جيل اليوم.

وثالثا: طرق التجارة، الطرق التقليدية كانت تحتاج موافقات وإجراءات عديدة وطويلة، إلا أنه الآن أي شخص يستطيع أن يفتتح متجره الخاص على السوشال ميديا رقميا بمدة زمنية قصيرة، وتقول مصطفى "لكي نكون عادلين هم يختبرون عصرا أسرع من عصرنا وفيه اختصار زمني".

وتشير مصطفى إلى أن جيل اليوم "يواكب الموجة"، وما يجري ينبغي النظر إليه بعين التوازن وكل جيل له تغيراته ومتطلباته، ونحن بحاجة أن نواكب التطور وإعطاء كل جيل حقه.

JoomShaper