الاتحاد
لماذا يغضب البعض إن وصفناهم «بالنرجسية»؟ ولماذا تنفلت أعصاب المغرور المشحون «بالكبر» والتعالي على خلق الله إن نعتناه بهذه الصفة؟ هل صادفت يوماً شخصاً «نرجسياً؟ وهل «النرجسية» سمات نفسية سوية؟ أم هي مرض نفسي، أو اختلال في نمط الشخصية؟.
إن الأسطورة الإغريقية القديمة تقول إن «نرسيس» كان طفلاً جميلاً جداً، فأمه كانت إحدى الحوريات التي تزوجت أباه «النهر». وتنبأ له العراف بأنه سيعيش طويلاً بشرط ألا يرى نفسه. وذات يوم أغراه أحد الحاقدين الحاسدين له أن يذهب إلى النهر ليشرب. ففعل ورأى وجههه على سطح الماء الصافي، فاستغرق في التأمل والإعجاب بمحياه الجميل حتى أغمى عليه وسقط غريقاً ليذوب ويتحول إلى زهرة النرجس التي نبتت على شاطئ النهر وأصبحت منذ ذلك الوقت رمزاً لعشق الذات والعاطفة غير الصادقة. إن التحليل النفسي للشخص النرجسي ليس له علاقة بأصل الأسطورة وإن كان استمد منها اسم الداء الذي يعتبر اضطراباً في الشخصية ترتب عليه تمركز مركز الغريزة الجنسية ـ بحسب فرويد ـ حول الذات. فبدلاً من أن تنطلق عواطف الإنسان إلى خارجة منه إلى الآخرين، ترتد منعكسة إلى داخله، ملتفة حول ذاته، فيعجز عجزاً كلياً عن الاهتمام بالآخرين، وبالتالي يفشل في إقامة أي جسر من المودة بينه وبينهم، مع شدة حرصه في الوقت نفسه على إيهامهم بأنه مهتم بهم كل الاهتمام. والنرجسية في الطفولة ليست مرضاً، بل هي مرحلة من مراحل النمو يتخلص منها الإنسان تدريجاً في رحلته الطويلة إلى النضج العاطفي. لكن إن استمرت معه تلازم شخصيته أصبحت سمة من سماتها. إلا أن مصطلح النرجسية في الحالات السوية يعبر عن تقدير الفرد العالي لذاته واحترامها بدرجة ملفتة.

وتشير الدراسات النفسية الى وجود خاصيتين هامتين للأشخاص النرجسيين وهما: ميلهم الى أن يكون لهم خط ثابت من الشعور بالعظمة واعطاء قيمة عالية لأفضالهم وإنجازاتهم الشخصية. والميل الى البحث عن المثالية في آبائهم أو بدائل آبائهم من حيث المركز الاجتماعي أو العطاء المادي كان أم المعنوي. وأما الفروق بين الذكور والإناث في درجات النرجسية السوية أو المرضية فإنها أعلى لدى الإناث وخاصة في فترة المراهقة، ومن أبرز مظاهرها كثرة استخدام المرآة، وكثرة استخدام كلمة أنا. والمبالغة في الاهتمام بالذات والمظهر والمظاهر المحيطة.

وتميز الشخصية النرجسية بالتعجرف والنقص في التعاطف مع الآخرين وفرط الحساسية تجاه آراء الآخرين. فهم لا يستطيعون تقبل آراء الآخرين أو انتقاداتهم بأي شكل من الأشكال دون أن يتركوا الآخرين يلاحظون ذلك، ودائماً ما نجدهم يسفهون بشكل غير مباشر من آراء واقتراحات الآخرين، بل ويدّعون أنهم يعرفون ما يفكر فيه الآخرون، وأنهم ليسوا بحاجة إلى محاضرات الآخرين أو نصائحهم. ويبالغ النرجسيون في إنجازاتهم وميزاتهم ومحاسنهم ويتوقعون من الآخرين أن يعترفوا لهم بالجميل بصورة خاصة، سواء كان هذا الاعتراف مبرراً أم غير مبرر. ويستحوذ عليهم وهم النجاح والسلطة والتألق ويعتقدون أن وظيفتهم ضبط الأمور تحت سيطرتهم لأنهم على حق والآخرين على خطأ.

JoomShaper