أ.د. محمد اسحق الريفي
كيف تتصرف عندما تكتشف أن ابنك مدمن على تصفح الموقع الإباحية عبر الإنترنت؟ وكيف تواجه مشكلة غرق ابنتك في علاقة غرامية عميقة مع أشباح الإنترنت؟ وماذا تفعل عندما تجد أن ابنك معتاد على قضاء معظم أوقاته في تصفح المواقع الإلكترونية بهدف التسلية والترفيه؟ وكيف تحمي ابنك وبنتك من جحيم الإنترنت بشكل عام؟
في الحقيقة، رغم أن للإنترنت فوائد كثيرة في كثير من المجالات، إلا أنها تشكل خطراً كبيراً على الجيل الناشئ خاصة وعلى المجتمع عامة، حيث يترتب على إساءة استخدام الإنترنت مشاكل أخلاقية وتربوية واجتماعية خطيرة تفتك بالجيل الناشئ، ما يستوجب الحذر الشديد عند استخدام الإنترنت، وتوعية أبنائنا بأخطارها وكيفية تلافيها، وتوجيههم إلى طرق الاستفادة من الإنترنت وتجنب مشاكلها، والبحث عن طرق تضمن استخدام الأبناء الآمن للإنترنت.

لا شك أن للإنترنت جاذبية خاصة، وخصوصاً لصغار السن والمراهقين والشباب من الجنسين.  ولا شك أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تبذل جهوداً كبيرة لإتاحة الإنترنت للأجيال العربية والمسلمة الناشئة، كونها وسيلة فعالة للتعرف على نمط الحياة الغربية بكل ما تنطوي عليه من سوء مغلف بألوان جذابة وصور فاتنة وموسيقى ساحرة، وكونها أداة لاستغلال الأوضاع النفسية والأحوال العاطفية للمراهقين والشباب، لإغوائهم، وإفساد أخلاقهم، وتفريغهم ثقافياً، وحرفهم، وسلخهم عن أمتهم، وإبعادهم عن قضاياها.

ومع الأسف الشديد، ينظر معظم الشباب إلى الإنترنت على أنها عالم مليء بالتسلية والترفيه، فهي من وجهة نظرهم تحتوي على المواقع الجذابة التي تبدد الشعور بالوحدة والفراغ، وهي وسيلة للخروج من العزلة.  وفقط عدد قليل من الناس في عالمنا العربي ينظرون إلى الإنترنت على أنها أداة للتعلم والبحث والدراسة، والعمل السياسي، والتجارة الإلكترونية، والتواصل وتبادل الأفكار والمعلومات المفيدة.  وتوفر الإنترنت أدوات خطيرة جداً على حياة الشباب وأخلاقهم ومستقبلهم، لا يتسع المقام للتطرق لها جميعاً بالتفصيل، ويكفي أن نشير هنا إلى إحدى هذه الأدوات الشائعة الاستخدام في أوساط الشباب، وهي أداة التواصل عبر المسياح (أو المسنجر)، حيث يجلس الشاب في غرفته خلف شاشة الحاسوب ساعات عديدة، ويشعر ولي أمره بالاطمئنان على ابنه، لبقائه قريباً منه، ولظنه أنه منهمك في أداء واجباته الدراسية والمذاكرة، ولكن ولي الأمر لا يدري أن ابنه غارق في علاقة غرامية مع فتاة، ولا يدري أن ابنه يقضي هذه الساعات في الحرام.

وقد تكون الفتاة أكثرة عرضة من الشباب لأخطار الإنترنت، فقد تظل الفتاة عاكفة على استخدام الإنترنت وكأنها تسكنها، وتبقي باب التواصل معها مفتوحاً لكل من هب ودب، وحجتها في هذا أنها تبحث عن شريك حياتها، أو عن شاب يخرجها من وحدتها، فيتم التعارف، ويلتقي الطرفان، فتصبح هذه الفتاة ضحية لجهلها وطيشها.  ويا ليت الأمر يقف عند هذا الحد من اللعب في النار، فقد تستخدم الفتاة كاميرات الفيديو الرقمي لتبادل الصور الحية مع أقران السوء في فضاء الإنترنت.

أما باقي الأخطار فهي تتمثل في التعرض للمواد المؤذية مثل الصور والأفلام والمواد الإباحية، والأفكار الفاسدة والثقافات المنحرفة والإلحادية...

ولكن هل بالإمكان عمل شيء ما لحماية الجيل الناشئ؟  نعم يمكن عمل الشيء الكثير، والمسؤولية تقع بالدرجة الأولى على أولياء الأمور، وتقع أيضاً على المربين والمعلمين والدعاة.  أما بالنسبة لأولياء الأمور، فبالإضافة إلى تربية الأبناء والبنات وتشجيعهم على أداء الصلاة وحضور مجالس العلم الشرعي وحلقات تحفيظ القرآن في المساجد، ومن المفيد جداً حث أولياء الأمور أبنائهم على المشاركة في أنشطة المساجد وحسن اختيار الأصدقاء، إضافة إلى الكف عن استبداد الأب بأهل بيته وعن إهمالهم وعدم القيام بواجباته تجاههم.  ويمكن تلخيص واجبات أولياء الأمور نحو أبنائهم بأربع كلمات: التوعية، التحكم، المراقبة، البديل.

ويجب أن يبدأ أولياء الأمور بتوعية أنفسهم أولاً ثم أبناءهم ثانياً، وتتم التوعية بتبصير الأبناء بأخطار الإنترنت وكيفية تلافيها، وإرشادهم إلى المواقع النظيفة كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وتحديد الأوقات التي يمكن أن يقضيها الأبناء على الإنترنت، وحثهم على عدم الاستغراق في استخدام الإنترنت وإضاعة الوقت.  وعلى الأسرة أن تتحكم في الأبناء عن طريق السيطرة على عملية اتصالهم بالإنترنت، وعدم السماح لهم باستخدام كاميرات الفيديو وبرنامج "المسنجر"، واستخدام برامج حجب المواقع السيئة، وإعداد المتصفح بحيث لا يعرض الصور والأفلام والمواد المؤذية على شاشة الحاسوب، وعدم السماح للأبناء بالتصفح الحر بلا هدف محدد.

وعلى الوالدين مراقبة الأبناء أثناء استخدامهم للإنترنت، للتأكد من نوع المواقع التي يتصفحونها، عبر تكرار زيارتهم في غرفهم أو وضع الحاسوب المتصل بالإنترنت في الصالون.  ويجب الحرص الشديد على عدم ترك الأبناء في البيت في خلوة دون رقابة، وملاحظة أي تغيرات سلوكية لدى المراهقين منهم والصغار، ومراقبة البرامج التي يثبتونها على الحاسوب وأية أجهزة ملحقة، والتعرف على حالات الاكتئاب بين الفتيات خاصة والشباب ومعالجتها على الفور، وعدم الاستبداد بالبنات، والسماح لهن بالالتقاء بالفتيات من الأقارب في زيارات بيتية متبادلة، والسؤال عن أصدقاء الأبناء للتخلص من أقران السوء.

وعلى أولياء الأمور والمجتمع توفير بديل للجيل الناشئ من الأنشطة لشغل أوقات الفراغ، وتوفير مواقع نظيفة ومفيدة لأبنائهم، وعلى الوالد أن يحرص على اصطحاب بناته في زياراته والسماح لهن بالمشاركة في الأنشطة الدعوية والتربوية في المساجد والمؤسسات التعليمية.

JoomShaper