بقلم : هاني عبد الوهاب عثمان ..
منذ ألقى الاستعمار بظلّه الثقيل على ربوع الأمة العربية والإسلامية قبيل قرن من الزمن وشباب هذه الأمة يتوهون في بلاد الدنيا هرباً مـن ظلم، أو بحثاً عن لقمة عيش، بعد أن ضيق أعداء الأمة عليهم مسالك الحياة الشريفة وحرمهم خيرات بلادهم وسلب منهم حرية الرأي والكلام... ثم انجلت عهود الاستعمار العسكري المباشر لتترك وراءها ذيول فقرٍ وتخلف.
أصبحت الهجرة - مؤقتةً أو دائمةً- ضرورةً لكثير من شباب أمتنا الذين يسعون لطلب الرزق أو لطلب العلم، وصار مألوفاً في عواصم الدنيا أن نرى الألوف منهم يزحمون أحياء المغترب وينشغلون بما جاؤوا من أجله، مواجهين ظروفاً حياتية تضطرهم للتنازل الجزئي أو الكلي عـن هويتهم التي ولدوا بها وجاؤوا بها بغية قبولهم في دوائر المجتمع الجديد... إن الضرب في أرجاء الأرض، والسير في مناكبها، وابتغاء الرزق في أقطارها هو خلق إسلامي حسن إن حقق أهدافاً ساميةً ماديةً أو معنويةً ولكن لدى دراستي لظروف المهاجرين، عـن كثب وخبرة طوراً، وطوراً عن أخبار وثيقة، شعرت بالقلق !... وخيل إلي أن خسائرنا تربو على أرباحنا،وأن جماعات المغتربين والسائحين، وخصوصاً في عواصم أوروبا وأمريكا، لم تجد من يعنى بها العناية الصحيحة، والسبب واضح، فإن هناك سكرة عامة أبعدتنا عن قضايانا المهمة، وشغلتنا بما لا غَناء فيه...
إن من المهاجرين أو المغتربين يعودون إلى أوطانهم بوجه آخر غير الذي ذهبوا بـه، هـذا إن عادوا أما الذين تبتلعهم الحياة الجديدة، وتجرفهم التيارات العديدة، وتغريهم الملذات السهلة، هم جمهور يفوق الحصر...!
وحريٌّ بحكومات الأمَّة أن ينتبهوا لهذا الجانب باحتواء المهاجرين في مهجرهم ورعايتهم من خلال مراكزنا الدبلوماسية والثقافية في العالم، وعلى علماء الدين أن يصحوا لمواجهة الموقف ويدعوا انشغالهم بالمجادلات الفقهية والكلامية قبل أن يصيب المركب الغرق والهلاك !!.

JoomShaper