د. ريم مرايات
تروي المصادر التاريخية في معرض الحديث عن اهتمام العرب بالكتابة والمدونات والتدوين، أنه كان لدى عبد الحكم بن عمرو الجمحي بيتا جعله شبيها بناد، جعل فيه ألعابا شعبية كانت معروفة آنذاك, ودفاتر فيها من علم، وأنه علّق أوتادا على الجدار من الخشب، فحين يدخل الشخص يخلع ملابسه فيعلقها، ويأخذ دفترا فيطالعه.
ولعل هذا كان أول ناد في الإسلام، وهو شديد القرب من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، والفكرة في أساسها هي فكرة التسلية النافعة، التي تبني فكر الإنسان، وتثري حياته، وتعمق نظرته لكل شيء حوله، من خلال القراءة بوصفها دروبا لا تنتهي، وعوالم متداخلة يفضي كل واحد منها إلى الآخر، إذ ليس بعد متعة اكتشاف الحقيقة شيء.
يهدر شبابنا الكثير من الوقت الآن في التسلية غير النافعة بدعوى الحداثة، وما يتبقى من الوقت يقضيه معظمنا في الثرثرة غير النافعة أيضا. ولقد كانت إحدى خطط التعليم العالي قبل سنوات عديدة وقبل أزمة الجامعات المادية، هي توفير سبل التسلية النافعة لطلبة الجامعات، كي لا يبددوا أوقاتهم عبثا فيما يضر ولا ينفع، وهو أمر ليس بالعسير تحقيقه الآن إذا توفرت الإرادة والعدالة بين الطلبة ليشعروا أن كل شيء متاح وكل شيء ممكن، لأن الطالب الذي لديه موهبة أو حتى ذاك الذي لم تتح له فرصة مقاربة تجارب مفيدة، يمكنه أن يتعرف على ميوله وينميها, ويشغل وقته وتفكيره فيها. بدلا من الفراغ والخواء الذي يقود إلى العنف الجامعي والمجتمعي. فإذا توافرت للشباب فرص التعلم والتدريب قلت فكرة هدر الوقت في استعراض العضلات والقوى الجسدية بديلا عن القوى الفكرية والمعرفية. إذ علينا أن نلحظ إلى أي حد غابت المسابقات الثقافية وتراجعت، وكيف انحدر مستواها لغياب الدعم الكافي لمثل هذه التوجهات وغيرها. واقتصار مسابح الكليات الرياضية على طلبتها، وحتى مشاريع التخرج في الكليات العلمية وخاصة الهندسية مفرغة من مضمونها. ويغلب عليها الاستعراض والاحتفال والتكرار أكثر من كونها قيمة علمية.
ويمكن أن نلحظ بسهولة تدني مشاركة طلبة الجامعات أو انخراطهم في قضايا المجتمع، فلماذا لا يهتم شبابنا مثلا بقضايا فكرية من مثل : تبني قضية التعريب في الجامعات أو تشجيع الإبداع أو الاهتمام بالبحث العلمي، أو قضايا تمكين المرأة ونشر التوعية والتثقيف أو قضايا الطفولة والديموقراطية وحقوق الإنسان وخدمة المجتمع،... وتأسيس الجمعيات لذلك ولحماية النشاط الفكري والأدبي..إلخ، إذ من الواضح أن هناك خللا يشوب مسيرة العمل مع الشباب في بلدنا، بصورة لا تعمل على توجيههم بأساليب ذكية نحو الاهتمام ببناء المجتمع والانشغال بقضاياه بصورة واقعية وبناءة بعيدا عن الغوغاء والاستعراض, مع ضرورة ترسيخ فكرة التسلية النافعة وإثارة التنافس بينهم على إتقان العمل وجودته والانخراط في العمل العام الهادف والجاد.
التـسليـة النافعــة واهتمام الشباب
- التفاصيل