سماح بن عبادة
قصص ما قبل النوم هي أكثر ما يتعلق به الطفل وأكثر ما يعلق في ذهنه. يحب الأطفال الحكايات لأنهم غالبا ما يتمتعون بها وبجلستهم مع راوييها خصوصا أمهاتهم أو آباءهم. ترسخ في ذهن الطفل العديد من الأحداث والصور التي يرفقها ببعض ما يصوره خياله من مشاهد. وقد يشعر بالتشويق والمتعة وهو يتابع إحدى القصص إلى درجة أنها تطبع في ذاكرته ووجدانه وقد يستحضرها عندما يكبر.
بجانب الإثارة وتحفيز الخيال تتضمن هذه الحكايات عبرا ونصائح مبطنة في مجريات أحداثها. وتخلق هذه الحكايات لدى الطفل حبا للقراءة وشغفا بمطالعة الروايات والكتب عند الكبر. ويستفيد

من هذه الوسيلة الترفيهية والتربوية أكثر مما يتوقع الكبار ويتعلم الكثير من الأشياء من الكلام إلى إتقان تقنيات الرواية والتأليف.
هذا ما أستنتجه من علاقة ولدي ذي الأربع سنوات بحكايات ما قبل النوم. فهو يلح على أن يحظى كل ليلة بحكاية. وأصبح مؤخرا قادرا على أن يروي حكايات إما من نسج خياله وإما بالتأليف بين مقتبسات من حكايات أخرى أو من أفلام الكارتون التي شاهدها، المشكلة أن الحكايات عنده لا يجب أن تتوقف. وإن انتهت حكايتي فلا بد أن يبدأ هو حكايات أخرى، فهو لا يريد أن يخرج من عالم الحكايات.
يجب أن تكون حكاية كل ليلة جديدة وأن يكون أبطالها حيوانات، فهو عاشق للحيوانات بالرغم من أنه في الواقع شديد الخوف منها. وللحكاية شروط ومعايير أخرى من بينها مراعاة سن الطفل وقدرته على الاستيعاب كما يجب أن تكون فيها أحداث وشخصيات وأماكن وكل الأشياء التي يحبها، وكذلك يجب ألا تثير غضبه أو خوفه لكي ينعم بنوم هنيء، ولا بد أن تكون نهايتها سعيدة وفيها انتصار للأخيار على الأشرار لكي يفرح ويضحك في الختام. كلها مقاييس تجعل مسألة الاختيار والتأليف صعبة جدا باعتبار أن الأمر مطلوب بشكل يومي.
أحاول وأنا مطالبة بحكاية كل ليلة تأليف قصة جميلة تكون فيها عبرة، وأتعمد أن أدخل على السيناريو شخصية ولد لطيف أو فتاة جميلة لكن يرفض ابني ويقول إنها لا تعجبه وأنه يفضل أن تظل أدوار البطولة حكرا على الحيوانات حتى لو كانت إحدى الحشرات التي يرتعب منها.
ويحاول والده أن يروي له حكايات هزلية، وكأنها مسرحيات كوميدية يتخيل مشاهدها وتضحكه كثيرا ويظل لأيام يرددها لأنه تخيل المشهد. تعجبه الأحداث التي ينتصر فيها الضعيف على القوي وتنقلب فيها الموازين.
خيارات الطفل في سنواته الأولى واكتشاف الوالدين للأمور التي تثيره وتضحكه أو تبكيه وتثير استياءه قد تجعلنا نحن الكبار نتعجب منها، فالكثير من الآباء والأمهات لا يفهمون لماذا يفضل الطفل حكايات مرعبة وآخر يحب قصص العنف والأبطال الأقوياء وأخرى تحب قصص الفتيات الفقيرات والضعيفات وغيرها تفضل حكايات فيها قصص عاطفية ورومانسية… وفي أغلب الحالات لا يفهم الآباء كيف تكونت هذه الميول والخيارات عند الطفل وعلى أي أساس اختار توجها دون غيره وغراما بأشياء معينة دون غيره.
وتؤكد الكثير من الدراسات العلمية أن خيارات وميول الأطفال تتكون منذ الصغر وقد تتأثر بعوامل وراثية وأيضا بما يتعرض له الطفل من مؤثرات خارجية كأن يختار منذ الشهور الأولى طعاما معينا يقبل عليه أو الاستماع إلى نوع محدد من الموسيقى دون غيره ونفس التفسير قد ينطبق على اختياراته في الحكايات.
استغربت من حب ولدي لقصص الحيوان أكثر من غيرها ولم أجد تفسيرا لهذا الشغف لكن في نفس الوقت استوعبت ورحبت لاشعوريا وضمنيا بذلك بعد ما طغى اليوم على الإنسان من وحشية فاقت في قسوتها الحيوان الذي ينساق لغرائزه غير أنه في العديد من الحالات يبدو أرحم من البشر وأكثر نقاء، لذلك فلا مشكلة في أن يحب ابني الحيوانات وأن يراها أحق بدور البطولة من البشر في عالم حكاياته ومخيلته.

JoomShaper