د. عبد الرحمن الحرمي
هذا السؤال المؤلم الذي يسأله هذا الطفل المسكين كل يوم عشرات المرات، لتلك الأم التي اختلّت لديها الأولويات، ولكن مشكلة هذا الطفل تكمن في أن اللغة التي يتحدث بها لا تفهمها أمٌ لاهية، وإنما تعيها أمٌ ترقب نظرات هذا الطفل، كما ترقب مستقبله الواعد، وترى مكانه غداً وتحدّد صفاته، ترى صدقه وتميزه ونجاحه بين الناس.
رسالتي هنا تحديداً لتلك الأم، التي تريد أن ترفع رأسها عندما تنظر لأبنائها، لأنها وضعتهم في مكان مرتفع بل على رأس القمة، فكل من ينظر للقمة عليه أن يرفع رأسه، أتمنى من تلك الأم

أن تسمع منّي هذه القصة القصيرة، التي جعلت من طفل صغير كغيره من الصغار عَلَماً لامعاً في سماء الناس، وجعلت الناس لا يستغنون عنه حتى وهو في قبره! إنها تلك الأم التي قامت على طفل يسمى أحمد بن حنبل، حيث عاش يتيماً فكفلته أمه وجعلته رسالتها وهدفها في الحياة، هي امرأة ليس لها حول ولا قوة، ومع ذلك رسمت الهدف وجاءت النتائج العظيمة، فقد حرصت على تربيته تربية صحيحة سليمة، فكان لجهد هذه الأم المباركة أن أصبح ابنها مقصد أهل زمانه في العلم والزهد والتقوى، وماذا لو تخلت هذه الأم المباركة عن هذا الهدف العملاق، وانشغلت عنه بالمأكل اللذيذ والملبس الجميل، وعاش ابنها مترفاً كما يحب، وعاشت هي كما يحلو لها، هل يا تُرى كنا سنسمع عنه شيئاً أو نسمع منه شيئاً؟ لا أظن ذلك، وهذه رسالة لا تحتاج إلى شرح ولا إلى إضافة، فهي واضحة كوضوح «الصلاة خير من النوم»، أتمنى منكِ أيتها الأم أن تجعلي رسالتكِ في الحياة هذا الابن، بحيث يبقى له اسم وعِلم ومكان في القمة ليكون أحد رجالات هذه الأمة الذين يشار إليهم بالبنان، فعليكِ أن تعطيه كُل جهدكِ ودعاءكِ، ولا تبخلي عليه بشيء عَلّه بعد ذلك أن يصل، وهناك نقول للتاريخ سجل اليوم اسماً جديداً في سماء الناس، يُقصدُ من كل مكان اسمه فلان بن فلان أو ابن فلانة، فلِمَ لا يكون ذاك النجم الساطع هو ابنكِ؟
وهنا أتذكر كلمة للدكتور مصطفى السباعي -رحمه الله تعالى-: «لئن تترك ولدك يقاسي متاعب الحياة وهو يعمل، خير لك من أن تراه غارقاً في النعيم وهو يعتمد عليك».
ماذا ينبغي على الأم أن تبدأ به من خطوات عملية، من أجل هذا الابن؟
على الأم أن تبدأ بنفسها، فتتعرف على نفسها، وتتعرف على نقاط القوة ونقاط الضعف، فتترك الجوانب السلبية في حياتها اليومية، لأننا دائماً ما نقول إن أفضل وسيلة للتربية هي التربية بالقدوة، ونحن الآن نُعد قدوة صالحة لهذا الإنسان، من هنا يبدأ التوافق -وهو عكس التناقض الذي يعيشه كثير منا- فتكون الرسالة دائماً ضعيفة، والسبب أن الرسالة التي توفّق ما بين الكلام والعمل، بلا شك يكون صداها عند الآخر قوياً، بالذات على الطفل لأنه لا يستطيع أن يفرّق بين القول والعمل، وليس لديه التوازنات والحسابات التي عند الكبار.;

JoomShaper