ديمة محبوبة
عمان– تربية الأبناء مهمة تحمل الكثير من الصعاب، ويحتار العديد من الأهالي في كيفية اختيار واتباع الطرق الصحيحة والأنسب للتعامل مع الطفل وفقا لمزاجيته أو غضبه غير المفهوم، فمنهم من يختار عدم الالتفات لكلام الكبار أو تعمد تكرار الخطأ.
والبعض يهتم بأساليب تربوية حديثة بعيدا عن الضرب والصراخ في تربية الصغار، لقناعتهم التامة بأن للطفل حقوقا يجب أن تحترم، على عكس من يلجؤون لوسائل “سلبية” من دون إدراك الأثر السلبي في المستقبل.
وترى الكثير من الأمهات بأن الصوت العالي وسيلة لردع الطفل، ومنهم سماح أحمد التي تعتبر “الصراخ” وسيلة نافعة في التنفيس عن غضبها تجاه سلوكيات أبنائها الخاطئة، كعدم إصغائهم لكلماتها وتنبيهاتها بالتخلي عن الأفعال المؤذية لهم وللآخرين؛ إذ تصف بأنها تعيش في حالة توتر وغضب طوال الوقت.
ولأنها وجدت أن الصراخ والتهديد بالعقاب يجديان النفع في كثير من الأحيان، باتت الوسيلتان ملجأها في تربية أطفالها الثلاثة.
وتبين مرام الحاج، وهي أم لأربعة أبناء أنها لا تلجأ للضرب، وتتبع أسلوب الحوار مع أطفالها، إلا أنها أحيانا تجد أن جميع الطرق مسدودة في وجهها، خصوصا بردات فعلهم بالعناد المتعمد، وعليه تضطر لتخويفهم بالصراخ.
تقول الحاج، إن الأم العاملة تختبر تفاصيل مزعجة منذ أن يبدأ يومها، سواء بالاستيقاظ باكرا لتحضير أطفالها، ومشاحنات الأبناء قبل الخروج من المنزل والتوجه للمدرسة، مبينة أنها تعمل في قسم المحاسبة، الذي يتطلب التركيز العالي، وتزداد عصبيتها بسبب أزمة السير الخانقة التي تواجهها في طريق عودتها للمنزل.
وتقول “إن هناك مشاحنات لا بد منها في السيارة عندما تحضر صغارها من المدرسة، كل شخص منهم يريد أن يبدأ الحديث والتذمر، ثم يبدأ التوتر والصراخ الذي يصل لحد البكاء، لأنهم يشعرون بالجوع”. وتكمل، بأنها تعود من هذه الرحلة للقيام بواجباتها في المنزل، وتبدأ بتحضير وجبة الطعام، والتوجه لإنجاز الأعمال المنزلية المتعددة، ومراجعة الدروس لأبنائها، وينتهي اليوم بتحضير صغارها للنوم.
مرام، بعد الشرح المطول ليومياتها، تحاول أن تجد لنفسها مبررا لاتباع أسلوب الصراخ على أطفالها أحيانا، بقولها إنه لا وقت لديها للحوار معهم، خصوصا أنه يستنزف منها طاقة وجهدا، ومع وجود طفل واحد كان الأمر أسهل، أما اليوم فبات مستحيلا وعليه ترى الصراخ حلا سريعا لقيام أبنائها بواجباتهم بشكل أسرع!
الاختصاصي التربوي د. محمد أبو السعود، يؤكد أن الآباء الذين يلجؤون للصراخ، يعتقدون أنه وسيلة ناجحة في تربية الأبناء، بسبب السلوكيات الخاطئة التي يقومون بها على مدار اليوم، وظنا بأنه وسيلة لحل المشكلة، محذرا من ذلك الأمر، وأنه أسلوب غير صحيح وحل مؤقت، لكنه يسبب الضرر لاحقا، فيزيد من عناد الطفل ويغرس العصبية بداخله ويزيد من تمرده، لأنه سلوك مكتسب من الوالدين، وهو يشعر بأن هذه الوسيلة هي المتبعة للتعبير عن الذات وعن الاحتياجات.
ويؤكد أن الصراخ، يزرع الخوف داخل الطفل، والتوتر، واتباع الصوت العالي بشكل مستمر يزيد من ضعفه، لذلك ينبغي تجنبه قدر الإمكان.
ويؤكد اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، أن الأثر النفسي على الطفل جراء الصراخ كبير، وله تبعات كثيرة وعلى ثقته بنفسه، وبالرغم من أن تربية الطفل صعبة، إلا أنها تحتاج بالفعل لمهارات كثيرة وتوفير ظروف مساعدة لإعطائه التربية الفضلى، وكامل الحقوق. ومن هنا، يؤكد أن النمو النفسي للطفل، وتنشئته الحقيقية يكونان في الأعوام الخمسة الأولى من حياته، وهناك عنصران مهمان في تنشئته هما الأسرة والمدرسة، وتتميز مرحلة الطفولة المتوسطة بأن الطفل يستعد فيها للمدرسة، ويكون واثقا من نفسه، ويحرص على مصلحته، ويقدر على الالتزام بالتعليمات، والانسجام مع زملائه، ويبدأ الأطفال في هذه المرحلة بإدراك الذات، والاستقلالية في المشاعر.
ويرى أن على الأهالي دائما السيطرة على أفعالهم بعيدا عن الصراخ أو الانفعال الذي يؤثر على مفهوم الأمان، لإنشاء جيل قوي بشخصية فعالة في مجتمعه، مبينا أن الصراخ لا يعني أن الأهل على حق وأن الطفل هو المخطئ، وقد يلجأ الأطفال إلى الصمت لتفادي الشجار، وليس لأنه اقتنع بالكلام، لكنه اعتاد على ذلك، فلم يعد يهتم بذلك التصرف، بل يتعمد أن يقوم بالفعل السلبي ذاته لاستفزاز والديه.