أليس بارك* – (مجلة تايم) 6/4/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

إذا كان ثمة بصيص أمل وحيد بين العدد المقلق لحالات الإصابة بـ”كوفيد 19″ في الأشهر القليلة الماضية، فهو أن الأطفال والمراهقين يتجنبون الإصابة بالأعراض الأكثر خطورة للمرض كما يبدو.
هذا الاتجاه، الذي أبلغ عنه الأطباء في الصين أول الأمر، يبدو أنه ينطبق على الولايات المتحدة أيضا. في أحدث تقرير أسبوعي عن الإصابات والوفيات، والذي صدر مؤخراً عن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يقول العلماء أنه بالمقارنة مع البالغين، فإن الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما هم أقل عرضة للإصابة بالأعراض النموذجية للعدوى، بما في ذلك الحمى والسعال وصعوبة التنفس، وهم أقل احتمالاً للحاجة إلى العلاج في المستشفى وأقل عرضة للوفاة بسبب “كوفيد 19”.


وهذا جزء غير معتاد من الأخبار الجيدة عن مرض يصيب الجهاز التنفسي، حيث غالباً ما تصيب الفيروسات مثل فيروس الانفلونزا الناس الأصغر سناً والأكبر سناً بشدة أكبر، نظرًا لأن أنظمتهم المناعية تكون أكثر ضعفا. وتقول الدكتورة إيفون مالدونادو، أستاذة طب الأطفال في كلية الطب بجامعة ستانفورد، ورئيسة لجنة الأمراض المعدية في الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال: “لا يمكنني التفكير في موقف آخر تؤثر فيه عدوى جهاز تنفسي على البالغين فقط بهذه الحدة البالغة. ليس هذا شائعاً على الإطلاق؛ إننا لا نعرف ما الذي يحدث هنا”.
وتقول الدكتورة كريستين موفيت، أستاذة طب الأطفال المساعدة في كلية الطب بجامعة هارفارد وأخصائية الأمراض المعدية لدى الأطفال في مستشفى بوسطن للأطفال: “الحقيقة هي أننا لا نشهد كثرة في الإصابات الحادة بمرض (كوفيد 19) بين الأطفال الصغار، وهو ما يختلف كثيراً عن الانفلونزا”.
تعتمد هذه التقديرات على بيانات محدودة بالتأكيد. فقد تضمنت دراسة مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها حوالي 2.500 حالة إصابة بفيروس “كوفيد 19” بين أولئك الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما (وهم شريحة صغيرة من إجمالي 150.000 حالة مؤكدة في الولايات المتحدة في الفترة من 12 شباط (فبراير) إلى 2 نيسان (أبريل))، وهي الدراسة الثانية فقط من هذا الحجم. وجاءت الدراسة الأولى من الصين وشملت حوالي 2.100 طفل تتراوح أعمارهم بين عامين و13 عاما من المصابين بـ”كوفيد 19″، وأظهرت هذه الدراسة، التي نشرت في مجلة “طب الأطفال”، أن أكثر من 90 في المائة منهم لم تظهر عليهم أي أعراض، أو أنهم عانوا من أعراض خفيفة إلى معتدلة.
أظهرت بيانات الولايات المتحدة نفس تلك الاتجاهات. فمن بين الأطفال والمراهقين دون سن 18 عاما، كان 73 في المائة يعانون من أعراض الحمى أو السعال أو ضيق التنفس، مقارنة بـ93 في المائة من البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عاما خلال فترة الدراسة، وحوالي 6 في المائة من الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية في المستشفى مقارنة بـ10 في المائة من البالغين. ووفقا لمركز السيطرة على الأمراض، فقد توفى حتى الآن ثلاثة أطفال من الإصابة بـ”كوفيد 19″ من بين أكثر من 5.443 حالة وفاة مرتبطة بالمرض حتى اللحظة.
كما يفيد الأطباء بأنهم يرون عدداً أقل من الأطفال المتأثرين بـ”كوفيد 19″، حتى في أماكن مثل واشنطن، التي شهدت أول انفجار لحالات الإصابة في البلاد. ولا ترى موفيت أيضا العديد من الأطفال الصغار الذين يحتاجون إلى رعاية طبية في المستشفى الذي تعمل فيه. وتقول: “نحن نرى أن فكرة الحماية النسبية ضد الإصابة الشديدة بين المرضى الأطفال تثبت كونها صحيحة. هناك عدد قليل جدا من المرضى الأطفال الذين يحتاجون إلى دخول المستشفى”.
وتؤكد مافيت أنه ما يزال من المبكر في عملية فهم الأطباء للفيروس استخلاص أي استنتاجات حول كيفية تمكن الأطفال والمراهقين من تجنب الإصابة الشديدة بالمرض. لكن لدى الباحثين نظرياتهم. وتقول إحداها إنه لسبب ما، يبدو أن الأطفال الصغار لا يُنتجون الاستجابة المناعية العدوانية (المعروفة باسم “عاصفة السيتوكين”) في سياق مقاومتهم للفيروس مثل ما يفعل الكبار؛ و”عاصفة السيتوكين” هي رد الفعل المناعي المكثف الذي يمكن أن يكون بمثابة نيران صديقة تصيب الرئتين، وتجعل التنفس صعبًا. وليست أسباب عدم وجود ردود فعل مناعية متطرفة في استجابة الأطفال واضحة حتى الآن، لكنّ ذلك قد يكون لأن أجهزتهم ليست مهيأة لإطلاق مثل هذه الاستجابة المناعية القوية.
تقول الدكتورة مالدونادو: “نحن نعلم أن الاستجابات المناعية للأطفال تتطور بمرور الوقت. في السنة الأولى من الحياة، لا تكون لدى الأطفال الرضع نفس الاستجابة المناعية القوية التي يتمتع بها الأطفال الأكبر منهم والبالغون”. وهذا يمكن أن يفسر سبب ما ورد في تقرير مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منه، الذي وجد أن الأطفال الرضَّع الأصغر على الإطلاق هم الأقل احتمالاً للحاجة إلى دخول المستشفى”.
قد يأتي أحد مجالات البحث ذات الصلة لتحقيق فهم أفضل لنوع الدفاعات التي يمتلكها الأطفال الصغار ضد فيروس مثل (سارس-كوف-2) من الدراسات التي تُجرى على الأمهات الحوامل المصابات بالفيروس، لأن الأطفال حديثي الولادة يميلون إلى الاعتماد على مناعة الأمهات إلى أن تتطور أنظمتهم المناعية الخاصة. لكن البيانات المتوفرة حتى الآن ليست حاسمة في هذا الصدد. ففي دراستين شملتا أمهات مصابات أنجبنَ في مستشفيات في ووهان، الصين، أظهر عدد قليل من الأطفال حديثي الولادة علامات على وجود أجسام مضادة محتملة ضد فيروس (سارس-كوفيد-2) في أجسامهم. ومع ذلك، لم يثبت أن أياً منهم مصاب بالفيروس. وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كان شيء آخر غير إصابة الأم بـ”كوفيد 19″ ربما يكون مصدر هذه الأجسام المضادة. ويمكن أن يؤدي تلف المشيمة، على سبيل المثال، إلى نقل الأجسام المضادة للأم إلى الجنين. وتشير دراسة صغيرة أولية أخرى نُشرت في مجلة “لانسيت” وأجريت على تسع نساء حوامل في ووهان إلى أن الأمهات لا ينقلن العدوى إلى أطفالهن وهم في الرحم.
لكن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات للوصول إلى فهم أفضل لكيفية تفاعل أجهزة المناعة لدى الأطفال مع فيروس (سارس-كوف-2) وماذا يفعل الفيروس في الرحم. وفي ستانفورد، بدأت مالدونادو وفريقها دراسة لاستكشاف كيفية انتقال الفيروس داخل الأُسرة. وهم يطلبون أن يُجري البالغون الذين يدخلون المستشفى بسبب “كوفيد 19” اختبار مسحات الأنف في المنزل حتى يتمكن فريق البحث من جمع العينات من أجل الاختبارات. كما يطلبون أيضًا من أفراد عائلة هؤلاء الأشخاص تقديم المسحات، إلى جانب سجل الأعراض، حتى يتمكن الباحثون من تحديد متى ينقل الأشخاص، بمن فيهم الأطفال، العدوى إلى الآخرين، وكم مرة يحدث هذا الانتشار عندما لا يعاني الأشخاص من السعال الشديد أو الحمى أو صعوبة في التنفس. كما أنهم يأملون في استخدام اختبار الأجسام المضادة المعتمد حديثا لاختبار المزيد من الأشخاص، بما في ذلك الأطفال، للحصول على فكرة أفضل عن عدد الأشخاص الذين تعرضوا للعدوى، وفي أي عمر.
ويقول باحثو مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إن بياناتهم محدودة لأنها تستند إلى عدد صغير نسبيا من الحالات حتى الآن. وفي الوقت الحالي، يقول أطباء الأطفال أنه ما يزال من المنطقي افتراض أن الأطفال يمكن أن يكونوا عرضة للإصابة مثل البالغين -وربما بالقدر نفسه من الأهمية، يقدرون أنه يمكنهم نشر الفيروس بشكل فعال مثل البالغين، حتى لو لم تظهر عليهم أي أعراض. وتقول الدكتورة مالدونادو: “يجب أن نكون حذرين للغاية بشكل عام. نحن حقاً لا نعرف ما نتعامل معه هنا حتى الآن”.

JoomShaper