ديمة محبوبة
عمان- مرحلة الطفولة الأولى تحدد مسار الإنسان؛ إذ يعتمد الطفل على ذاكرته بشكل كبير، وتحتفظ بكثير من اللحظات التي قد تبقى خالدة. والأحداث تسجل بداخل كل طفل، ليكون التعبير عما يجري داخل محيطه الاجتماعي إما بالصراخ والضجر والملل والقلق أو الاكتئاب والانزواء والابتعاد عن الآخرين، والميل للعزلة.


ومع انتشار فيروس “كورونا” الذي أثر بدوره على كل الجوانب الحياتية، وغير من طباع البشر، وبدل من عاداتهم وتفاصيلهم، وطريقة تعاطيهم مع الأمور، فإن الطفل أيضا كان وما يزال “خاسرا” من معركة لا يعلم متى تنتهي، خصوصا وأن كل تفاصيله تبدلت، وأولها غيابه عن المدرسة والتزامه البيت أغلب الأوقات، وتغيير كل الأنماط التي اعتاد عليها يوما.
“الأطفال” أصابهم ضرر كبير جراء انتشار الوباء، فما يعيشونه اليوم من ضغط نفسي كبير وخوف وقلق من شيء غامض لا يدركونه بعقولهم الصغيرة، عزز إحساسهم بالخطر والخوف من كثرة سماع الأخبار والأقاويل المتناقلة هنا وهناك، حتى أن اصطحابهم للخروج شبه معدوم من قبل أهاليهم خوفا من انتقال الإصابة لهم، فجميعهم لا يصلون إلى عتبات مدارسهم، ويتعلمون عن بعد، بلا أي تواصل أو تفاعل حقيقي بين المدرس والطالب أو بين الزميل وزميله.
أم عون تبين أن ابنها الوحيد يدرس في الصف الثاني الأساسي، حياته كلها تغيرت كأقرانه، فبات جليس البيت لا يخرج منه، إلا لدقائق معدودة يتجه مع والده إلى البقالة المجاورة، مع أخذ الاحتياطات بارتداء الكمامة.
وتتابع “يدرس طفلي كجميع الطلاب عن بعد، ولا يختلط بأطفال في عمره، فتواصله مقتصر على أهل البيت، بينما يتواصل مع أجداده وعماته وخالاته عبر مكالمة الفيديو، فكل وقته إما يدرس أو يشاهد التلفزيون”.
بقي على مثل هذا الحال أكثر من شهرين، وفق والدته أم عون، لكن من يعرفه يدرك كم هو طفل مرح ونشيط، لكنه تغير الآن كثيرا فهو يميل للصمت، ولا يحب أن يتحدث أو يلعب مع أحد، وأحيانا يقول “أنا أكره كورونا وأخاف منه، لأنه غير حياتنا، متى سينتهي ويذهب؟”.
خبراء يؤكدون أن الأطفال يعيشون خطرا كبيرا يؤثر على نفسيتهم، فبدلا من التفكير في اللعب والمدرسة والدراسة وأصدقائهم، يفكرون اليوم بالموت والحياة والمرض، ويعيشون بخوف الإصابة من المرض، فحتى من يخرج من بيته منهم يلتزم بالكمامة والمعقم، وعليه أن يبقى حذرا من هذا الفيروس الذي هز العالم.
ويؤكد التربوي د.محمد أبو السعود، أن الطفولة الأولى هي مرحلة مهمة جدا في حياة الفرد؛ إذ يعتمد الطفل على ذاكرته بشكل كبير، مبينا أن كل الأحداث تسجل لديهم، ويعبرون عما يجري داخل محيطهم الاجتماعي، إما بالصراخ والضجر أو بالاكتئاب والانزواء.
“سماع الطفل الأخبار المحزنة عن المرض المعدي وارتفاع الإصابات والوفيات بسببه طوال الوقت داخل محيطه يجعل جسمه يفرز استجابات عنيفة، ربما لن تظهر للأم أو الأب في بداية الأمر، لكنها تتفاقم مع مرور الزمن، فالصراخ المتكرر وعدم الرغبة في النوم أو الأكل، وتغير في لون البراز، كلها عوامل تدل على وقوع اضطراب في الحياة العادية للطفل قبل تفشي هذا الوباء”، حسب أبو السعود.
ويشرح “أما مرحلة الطفولة الأكبر، أي من هم بالمرحلة الأساسية في المدرسة، فيعبر الطفل عن ذلك بكلام مفهوم وتساؤلات واضحة؛ إذ يبدأ في إبداء آراء حول هذا الوباء، ويستنجد بوالديه، فهما سببا الأمان بالنسبة له”.
ويرى أبو السعود أن الحديث المستمر عن هذا الوباء في كل ثانية داخل البيت له تبعات؛ إذ يسيطر الخوف والفزع على الطفل وتظهر عليه علامات القلق كالخوف من الخروج من المنزل أو عدم أكل الطعام خارجا، أو النوم بجانب والديه خوفا وقلقا من الفيروس.
ويؤكد أن الطفل قادر على معرفة الفرق بين ما كان يعيشه قبل كورونا، وما يعيشه اليوم بعد هذا الوباء، ومدى اختلاف “الحياتين”.
اختصاصي علم النفس د.موسى مطارنة، يؤكد أن الطفل كالاسفنجة يمتص كل ما يدور حوله، ويتشربه، لكن الأثر عليه يمكن أن يكون أكبر في حال العيش بخوف وقلق دائمين، ومن الممكن أن يؤدي إلى اهتزاز الثقة بالنفس وبالآخرين.
ويؤثر على علاقاته الاجتماعية، وفق مطارنة، فيصبح أكثر انطوائية، ويشعر بعدم تقبل الآخر، حتى أن هناك أطفالا يتقوقعون عند أهاليهم فقط.
ويؤكد مطارنة أن القلق النفسي هو حالة من التوتر المصحوب بالخوف وتوقع الخطر، وتظهر أعراضها كزيادة الحركة المستمرة عند الطفل، عدم القدرة في الجلوس في مكان واحد، استثارة الأعصاب والغضب، حساسية شديدة وسرعة البكاء، عدم النوم أو الاستغراق فيه وظهور الأحلام والكوابيس.
ويضيف “أو من خلال التمرد؛ إذ يتمرد الطفل على تعليمات الراشدين وقوانينهم، مع ظهور إصراره الكبير على تنفيذ ما يريد.
أيضا، فرط الحركة وعدم التركيز وقضم الأظافر، فإن عدم شعور الطفل بالاستقرار داخل البيت، ورفضه كل تعليمات الأبوين، يؤدي به إلى الانتقام من جسده أحيانا، وكذلك اضطرابات النوم لدى الأطفال، فعدم شعور الطفل بالأمان والاستقرار يؤدي إلى تعرضه إلى مجموعة من الاضطرابات في النوم”، وفق مطارنة.
ويوضح “منهم من يصل إلى مزاج مكتئب طوال الوقت؛ حزين تائه يحب الوحدة، متردد يشعر بالفراغ، فقدان واضح للاهتمام أو المتعة في معظم الأنشطة المفضلة لدى الطفل في السابق، وهنا يتوجب أن يتحرك الأهل للتغلب على هذا الشعور، وإن لم يتمكنوا من تغيير الحال والتأثير عليه بإيجابية، كما يتوجب عرضه على طبيب نفس متخصص للأطفال”.

JoomShaper