منى أبو حمور
عمان – في الآونة الأخيرة، بات لافتا للنظر انتشار الأطفال بصورة ملحوظة في الشوارع، خصوصا في ظل غياب التعليم الوجاهي والتحول إلى التعليم عن بعد.
على عتبات أكشاك مقاهي الشوارع أطفال يتناثرون على جوانب الطرقات يلوحون بصواني القهوة للفت نظر المارة.. مشهد يومي يراه كل الذاهبين إلى أعمالهم، من دون أدنى إجراءات الوقاية، وأحيانا أخرى يضعون كمامات على أعناقهم خوفا من مرور أي دورية شرطة.
وفي الجانب المقابل للمقاهي أطفال آخرون يبيعون الليمون والباذنجان “للمكدوس”، وآخرون يجوبون الإشارات الضوئية يبيعون الملوخية والليمون الأخضر والمناديل الورقية، وغيرهم الكثيرون الذين يجوبون الشوارع ليلا ونهارا في ظروف وبائية هي الأصعب على الأردن منذ سنوات.
يبدو أن التحول إلى التعليم عن بعد شجع العديد من الأسر على دفع أبنائها نحو الشوارع في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي خلفتها جائحة كورونا، ففي الوقت الذي تقوم به الأمهات بمتابعة منصات التعليم وحل واجبات أبنائهن يجوب الأطفال الشوارع يبيعون الخضراوات، ويوصلون أكواب القهوة والشاي لسائقي التكاسي والسرافيس، يقطعون الشوارع الرئيسية ويمرون عبر الأنفاق في أحيان أخرى وسط تجاهل الأهل لخطر كورونا على أطفالهم وأسرهم.
ليس فقط الظروف الاقتصادية الصعبة التي دفعت بالأطفال نحو الشوارع لبيع القهوة وغيرها، وإنما أيضا استهتار العديد من أولياء الأمور وتجاهلهم خطورة الوضع الوبائي، ما جعل الشارع مكانا يلعب به الأطفال ويقضون معظم وقتهم فيه.
ومنهم الطفل خالد الذي يمضي مع رفاقه معظم أوقاتهم في الشارع، يلعبون كرة القدم حينا، ويجتمعون على باب السوبرماركت أحيانا أخرى، مبررا ذلك بعدم وجود مكان يلعبون به بعد إغلاق المدارس والحدائق والنوادي الرياضية.
حال خالد حال عشرات الأطفال الذين يقضون معظم يومهم في الشارع على اختلاف أعمارهم يعلبون ويتنقلون بين المحلات دون ارتداء الكمامات، أو حتى الحفاظ على التباعد الجسدي، ما يجعلهم سببا في نقل الوباء لأسرهم.
هذا ما أكدته أم أحمد (اسم مستعار)، التي أصيبت ومعظم سكان العمارة بفيروس كورونا بسبب أحد أطفال جيرانها.
بقاء ابن الجيران طوال اليوم في الشارع، وفق أم أحمد، ولعبه مع أطفال كثيرين جعله يصاب بفيروس كورونا، ونقله بدوره إلى جميع سكان العمارة، الأمر الذي يجهل خطورته الأطفال وذووهم في الوقت ذاته.
إلى ذلك، أفرزت الأزمة الأخيرة، وفق التربوي الدكتور عايش النوايسة، تغيراً كبيراً ومفاجئاً في طبيعة حياة الأطفال في المجتمع وتغيرت طريقة تعلمهم وحتى لعبهم، إذ تغيرت طبيعة الحياة اليومية لهم.
وأصبح الأطفال، وفق النوايسة، ونتيجة الإجراءات الحكومية المتعلقة بالدوام عن بعد مجبرين على البقاء بالبيت، ومن ثم الخروج للعب أو ممارسة الأنشطة في الأحياء والحارات، ما يشكل خطرا كبيرا في ظل انتشار الوباء في الأردن وبطريقة غير مسبوقة، بحيث يصبح هؤلاء الأطفال وسيلة نقل الوباء إلى أسرهم.
لكن لابد من النظر إلى أن هذه الأزمة وما ارتبط بها من تغيير على جميع مناحي الحياة، بحسب النوايسة، ومنها حياة الأطفال الذين شعروا بتحول كبير في طريقة تعلمهم وحياتهم وتصرفاتهم وتفكيرهم.
ويلفت النوايسة إلى أن الطريقة المثلى في التعامل مع الأبناء من قبل الآباء وتشجيعهم على البقاء في البيت في مثل هذه الظروف تتمثل في التقرب منهم ومشاركتهم أفكارهم وألعابهم وتشجيعهم على الجوانب الإيجابية في الحياة، ولا بد من الحد من استخدامهم الإنترنت بشكل كبير، والاستفادة من الوقت المتاح في التقرب من الأبناء وبناء علاقة إيجابية معهم.
دكتور بيئة والصحة العامة وخبير الوبائيات الدكتور عبدالرحمن المعاني، يشير إلى أن عمل الأطفال في الأساس ممنوع في قانون العمل، إلا أن بعض الأسر لا تمانع نزول أطفالها إلى الشارع والعمل بالمحال والمقاهي.
واستدرك المعاني أن العديد من الأسر لا تعي خطر نزول أبنائها إلى الشوارع وعلى الإشارات الضوئية؛ إذ إنها بذلك تدفع الأطفال للاحتكاك بالشوارع. وبالرغم من أن بعض الأسر تعاني من وضع مادي صعب، فإن ذلك يدفعها لإنزال أبنائها للعمل في الشارع، إلا أن خطورة ذلك تكمن، وفق المعاني، في نقل الفيروس من المجتمع للبيت، وإخراج بؤر وبائية متنقلة في الأماكن التي يتجولون بها سواء في المقاهي، وتنقلهم بين مرتادي الأماكن التي يبيعون فيها أو بيعهم لأصحاب المركبات التي تتوقف أمام الإشارات الضوئية.
وتكمن الخطورة على المجتمع والأسرة وعلى الدولة أيضا بشكل عام في عمل الأطفال في الشوارع في الوضع الوبائي الذي تمر به الأردن، خصوصا في ظل عدم قدرة الأطفال على التقيد بالإجراءات الاحترازية أو الحفاظ على التباعد الجسدي، وفق المعاني.
في الوبائيات، يبين المعاني، أن الإصابة تتناسب مع كمية الفيروس، والطفل عندما يحتك مع أعداد كبيرة من المواطنين ويعمل في الشوارع مع أعداد كبيرة مع المواطنين نسبة الإصابات 26 %، وهي أعلى نسبة في العالم قابلة لاستقبال الفيروس ولنقله، وبالتالي يخالط، وبالتالي سلسلة وبائية لابد من العمل على كسرها.
ويزيد المعاني “بالرغم من أن الأطفال لا يكادون يُظهرون أعراضا لفيروس كورونا، فإن بإمكانهم أن ينشروه. هذا يعني أن طفلك أو طفل صديقك الذي يبدو في صحة تامة، بإمكانه نشر المرض في المجتمع حيث يوجد كبار يمكن أن تظهر عليهم أعراض أكثر خطورة”.