الرقة - رزان محمد
لا بد لكل بداية حرب أن تُفضي نتائجها ليس إلى حجارة مدمرة وحسب، بل إلى كثير من الآثار المجتمعية المدمرة، وتعد ظاهرة عمالة الأطفال إحدى هذه الظواهر، حيث يعزف كثير من أطفال مدينة الرقة عن مقاعد الدراسة، والتوجه إلى سوق العمل وذلك بهدف تأمين قوت يومهم، وحاجياتهم الأساسية، ومساندة عوائلهم الفقيرة.
أكدت العديد من التقارير الإنسانية والأممية أن الآلاف من أطفال مدينة الرقة مبعدون عن العملية التعليمية، وذلك بسبب فعل ظروف الحرب التي شنتها قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" ضد تنظيم الدولة عام 2017 في محافظة الرقة، والتي خلفت دماراً كبيراً في المدينة، إضافة لتأثيرها على حياة الناس الاقتصادية، ما أدى إلى اضطرار كثير من الأطفال للعمل في مهنٍ صعبة لا تتناسب وأعمارهم، وحتى حجم أجسادهم الصغيرة.
40% من أطفال مدينة الرقة متسربون من المدارس
وبحسب استطلاع لموقع تلفزيون سوريا، يقدر عدد الأطفال العاملين في مجال إصلاح السيارات في المدينة الصناعية في الرقة بأكثر من 1600 طفل، فيما يعمل نحو 900 آخرين في سوق الحديد، بالإضافة إلى 600 كحمالين (عتالين) في سوق الهال.
وبحسب ناشطين محليين، يذهب فقط حوالي 60% من أطفال الرقة إلى المدارس.
مهن خطرة
يمتهن كثير من الأطفال من أبناء الرقة أو حتى أطفال النازحين العديد من المهن الخطرة، ولعل أبرزها هي ظاهرة استخراج الحديد من الأبنية المُدمرة بفعل قصف التحالف الدولي و"قسد"، إذ تبرز خطورة هذه المهنة كون أن الكثير من الأبنية تحوي تحت أنقاضها العديد من القنابل التي لم تنفجر، أو وجود ألغام كان قد زرعها تنظيم الدولة قبل انسحابه من المدينة.
وبحسب دراسة نشرها معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب (UNITAR) في آذار من العام 2019، يوجد 12781 مبنى مدمراً في محافظة الرقة بينها 3326 مبنى مدمراً بالكامل في محافظة الرقة، و3962 مبنى مدمراً بشكل بالغ، و5493 مبنى مدمراً جزئياً.
ولا تقتصر الخطورة على القنابل والألغام غير المنفجرة، وإنما على مخاطر التعرض للسقوط من حواف المباني المدمرة بشكل جزئي أو انهيار الأسقف التي يتم تكسيرها لاستخراج الحديد منها.
ومن المهن الخطيرة الأخرى استخراج المخلفات البلاستيكية من حاويات القمامة والمكبات، وهنا تبرز خطورة تعرض صحة هؤلاء الأطفال للأمراض والأوبئة المنتشرة بكثرة في المدينة نتيجة تدني الخدمات من قبل سلطة الأمر الواقع.
أسباب عمالة الأطفال
كما تطرقنا في بداية تقريرنا إلى أن تحصيل قوت اليوم هو السبب الرئيسي الذي يدفع بالكثير من الأطفال للتوجه نحو سوق العمل، فالفقر وصعوبة الحياة وشظفها بالإضافة إلى غياب رب الأسرة أو حتى عدم قدرته على تأمين متطلبات عائلته بمفرده.
يقول الطفل عمار (15 عاماً) لموقع تلفزيون سوريا: "تركت تعليمي منذ بداية معركة الرقة وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها عام 2017، والتحقت بالعمل مع والدي في مجال بيع الألبسة المستعملة، فأنا منذ أربع سنوات أعمل في هذه المهنة، وقد دفعني ارتفاع مصاريف ومتطلبات المنزل والحياة إلى ترك تعليمي والعمل مع اثنين من إخوتي".
ويتعرض الأطفال بالإضافة إلى التعب الجسدي إلى أذية نفسية، بسبب سوء المعاملة من قبل أرباب العمل، عدا أنهم يجدون أنفسهم في موقع مسؤولية كبيرة تفوق قدراتهم الجسدية والنفسية، وأنهم محاطون بنمط حياة صعب وقاس لا يتحمله من هم في أعمارهم، وهو ما يمنعهم من العيش كأطفال طبيعيين.
كورونا سببٌ آخر
وأرجعت كثير من المنظمات العاملة في الشأن الإنساني، ومنها منظمة أنقذوا الأطفال save the children أن تفشي فيروس كورونا منع اثنين من بين ثلاثة أطفال من عدم مواصلة تعليمهم والذهاب للمدرسة.
وتابعت المنظمة في استطلاع لها أن 2.45 مليون طفل في جميع أنحاء سوريا أصبحوا خارج إطار التعليم.
ولا يختلف حال أطفال المخيمات في الشمال الشرقي السوري، حيث توقف 5500 طفل عن الذهاب للمدرسة، حسب المنظمة.
وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن الفقر هو العامل الأول الذي يجعل من الأطفال يقطعون تعليمهم من أجل تحصيل رزقهم، حيث أصبح عمل الأطفال مصدر دخل إضافي، وأساسي من أجل استمرار العيش.
وفيما لجأت دول كثيرة إلى التعليم عن بُعد وسيلة لاستمرار عملية التعليم في ظل تفشي جائحة كورونا، إلا أن هذا الحل انعدم في سوريا نتيجة للأوضاع التي تشهدها البلاد، وعدم توفر الخدمات اللازمة لذلك، وبالتالي فإن عدم توفر وسائل تعليمية دفع الأهالي إلى دفع أطفالهم نحو سوق العمل.
انعكاسات سلبية لعمالة الأطفال على المجتمع
وكنتيجة طبيعية لظاهرة تسرب الأطفال من المدارس، واتجاههم نحو العمل، سينشأ جيل يغلب عليه طابع الجهل والأمية، وهو ما سينعكس عليه مجتمعياً من خلال التأثير على نفسيته، وفي حال عمله في ظروف غير صحية فيزيائياً ونفسياً قد ينتج عنه سلوك غير سوي مستقبلاً، ما يجعل منه مشروع جندي في الميليشيات والتنظيمات المتطرفة أو منجرفاً باتجاه الأفعال غير الأخلاقية كالجريمة، وإدمان المخدرات والسرقة وغيرها.
وأكد تقرير لمنظمة العمل الدولية أن الحروب قد زادت من ظاهرة عمالة الأطفال، خاصة على مدار العقد الماضي، وتزامنت مع زيادة عمل الأطفال بين أطفال لاجئين ومهجرين داخليا وغيرهم من السكان في منطقة الشرق الأوسط ككل.
وبالتالي فإن ظاهرة عمالة الأطفال باتت تؤرق ضمير المجتمع الدولي، ليلقى الحمل الأكبر للحد من انتشارها على منظمات المجتمع المدني ومكاتب حماية الطفل التي تدعي أنها تسعى للحد من ظاهرة عمالة الأطفال الآخذة في ازدياد، من دون وجود تأثير حقيقي لنشاطاتها لتحسين الواقع، والذي يبدو أنه لن يشهد هذا التحسن إلا بعد أن ينعدم أساس المشكلة المتمثلة باستمرار واقع الحرب وما تبعها من انتكاسات اقتصادية واجتماعية.