أفنان أبو عريضة
عمان- أريدك أن تأخذ دقيقة لتتخيل نفسك وأنت ذو الأربعة أعوام وتقوم ببناء برج من الليغو، والذي تشعر بفخر شديد لإتمامه. وفجأةً يأتي طفل آخر راكضاً ويدمر برجك. ستشعر أنت بغضب شديد في داخلك بلا شك – رعب ويأس. وحينها يظهر شخص بالغ. ويقترب منك ويقصع ركبتاه ليصل إلى ارتفاعك، ويسأل: “عزيزي، ماذا حدث؟”.
وكانت عينا ذلك الشخص البالغ مليئة بالعطف والتفهم، وحينها تشعر بالأمان والهدوء. وقتها تندفع جميع المشاعر – الغضب والإحباط – خارجة بحرقة ودموع منهمرة. ليسألك البالغ أن تشرح له ما حدث. دون أن يطلب منك أبداً أن تكون عقلانياً وأن تتوقف عن البكاء وأنه بوسعك بناء برج آخر، بل سيجعلك تشعر بمشاعر الأمان والراحة دون أي توبيخ. ولهذا السبب بالتحديد، سوف تشعر بالسعادة بعد البكاء وتبدأ ببناء برجك من جديد.
أما الآن فأريدك أن تتذكر نفسك في سن الرابعة، وعندما كنت تشعر بالخوف أو الحزن أو الرعب. كيف كان يتصرف البالغون من حولك؟ أنت كنت محظوظاً، فمن الممكن أنهم أتاحوا لك مساحة لتشعر بالأمان وأنه يوجد أحد يستمع لك دون الحاجة إلى إصلاح كل ما تمر به. بحسب ما نشر مقال في موقع “آيدياز دوت تيد”
بالطبع، من السهل لوم أهلنا على ما قاموا ولم يقوموا به. لكن المشكلة في الحقيقة غياب ثقافة الدعم العاطفي. لا يوجد أي تأهيل للأهل في كيفية التعامل مع مشاعر أطفالهم باحتواء وتعاطف. ولا يقدم كهذا تعليماً مشابهاً في رياض الأطفال والمدارس. نحن نعطي قيمة أكبر لمقدار الذكاء على مقدار امتلاك الطفل ذكاءً عاطفي.
قد تكون وصفت كطفل بأنك شقي أو مزعج أو أنك مفرط بالحركة، لكن كل ما كنت تقوم به هو أنك كنت تستجيب إلى البيئة من حولك لا أكثر.
يخرج عادةً الشخص من طفولته إما بمشاعر مقموعة أو غير مقموعة ويظهر ذلك بصور مختلفة. في إحدى الحالات، لربما كان الطفل قد شعر بأنه من غير المريح أو الآمن التعبير عن مشاعره. قد يكون أجبر على الصمت والتوقف عن البكاء. أو أعطي نظرات أجبرته على كبت جميع مشاعره بداخله. ونتيجة كبت المشاعر في الطفولة هو بقاء هذه المشاعر مدفونة في مكانها.
وفي سن البلوغ، تعاود هذه المشاعر الظهور عندما تقوم الحياة بالرمي بمتاعبها عليه. ولكن هذه المرة تكون ردة الفعل هي الهروب والقيام بأي شيء وعدم مواجهة مشاعرنا والتعامل معها.
شكل آخر هو العدائية. فإن كبر الطفل في بيئة يشعر بالعجز والخوف فيها. حيث كان محاطاً ببيئة سلطوية، فلم يكن لديه صوت يعبر به عما يمر ويشعر به. وتصل الحال بهذه المشاعر إلى أن تغمره وتتفجر إلى السطح. وعند مروره بمواقف مشابهة لما مر به في الطفولة؛ من عجز أو خوف، تترجم في كبره إلى عدائية وغضب وصراخ. لربما كان كبت المشاعر في الطفولة فرض عليه بسبب كونه مشاغباً أو متمرداً، لكنه في الحقيقة كان يتفاعل مع محيطه لا أكثر. وقد تظهر هذه المشاعر في الكبر على شكل تنكر أو نقد لاذع لكل ما حوله ومن ضمنهم نفسه.
شكل آخر يظهر من خلال طريقة التعبير. إن كنا ترعرعنا في بيئة مرحبة بالمشاعر والتعبير عنها بكل أشكالها، سوف نكبر مع القدرة على التعامل مع مشاعرنا، أياً كانت إيجابية أم سلبية، بسلاسة وتصالح تام.
كيف يمكن أن نتوقع من أطفالنا أن يكون لديهم تعاطفاً ورأفة لغيرهم، إن لم نظهر لهم نحن البالغون كيفية فعل ذلك؟ لا يستطيع أن يكون الأطفال ما لا يستطيعون رؤيته؟ كيف لا يمكنهم معاملة الآخرين بمحبة واحترام إن لم يشعروا بهذه المشاعر أنفسهم يوماً؟ تظهر الدراسات أنه عندما يشعر الأطفال بالأمان للتعلم – مما يعني شعورهم أنهم آمنون من الحكم والنقد اللاذع، وأنهم يعاملون بحب واحترام ولديهم استقلالية بأنفسهم وما يتعلمونه ويقدم الحب دون التنازل عن اختلافاتهم المميزة لهم. حينها سيكون جهازهم العصبي بأكثر حالاته تحفزاً وتقبلاً لتعلم كل ما هو جديد.
ما علينا فعله كمربين للأطفال الصغار هو، الإصغاء بحق إليهم والترحيب بعمق مشاعر الأطفال ومحاولة فهمهم كما يرون هم أنفسهم. ما سيكون أكثر فائدة من أي شيء آخر، هو محاولة الأهل العودة إلى جذور طفولتهم وتجريد تربيتهم لأطفالهم من أثقال مشاعرهم السلبية العالقة منذ الطفولة. علينا تعريف الأولاد أنه من الطبيعي البكاء والتعبير عن مشاعرهم، وأنه من الضروري على الفتيات التعبير عن آرائهم بثقة ووضوح وعدم التردد في التعبير عن الغضب. وعلى الأهل أيضاً التخلص من طرق التربية والتهذيب العنيفة والعدائية، فهي تخلق في الأطفال ذات الطباع، بل وعلينا استبدالها بأساليب محبة ومرنة لكنها بحدود وقواعد واضحة. وما سيكون أكثر فاعلية، هو إن قمنا بجمع هذه الأفكار والنصائح وقمنا بتطبيقها في مدارسنا ومناهجنا التعليمية.